هل تشعر بالقلق؟ هل جرّبت كل الوسائل محاولًا التغلب عليه لكنه يعود من جديد؟ ربما ظننت أنك قد تغلبت عليه، فتعود أعراضه للانتقام.

أيًا كانت ظروفك، فالعلم يستطيع مساعدتك للتغلب على القلق بشكل قاطع.

من الممكن أن يتواجد القلق في صورة شعور بالخوف، الأرق، أو عدم القدرة على التركيز في العمل أو الدراسة، فتجد صعوبة في النوم ليلا أو النوم بعمق، فيكون من السهل إزعاجك.

في الأوضاع الاجتماعية يكون من الصعب التحدّث مع الآخرين، وقد تشعر أن الآخرين يطلقون عليك الأحكام باستمرار، ومن الممكن أن تشعر بأعراض كالتمتمة -التحدث بنبرة متقطعة- أو التعرُّق واحمرار الوجه أو اضطراب في معدتك، أو أن يظهر القلق فجأة في صورة نوبة هلع عندما تشعرك طفرات مفاجئة من القلق بأنك على وشك التعرض لسكتة قلبية، أو الجنون، أو فقدان السيطرة، ومن الممكن أيضًا أن يتواجد ذلك القلق طوال الوقت كما في حالة (اضطراب القلق العام – generalized anxiety disorder) عندما يستهلكك القلق المتغلغل وأنت تنظر إلى المستقبل برهبة.

معظم البشر لديهم تجارب مع القلق في مراحل معينة من حيواتهم، لكن تسلّل القلق إلى حياتك ونومك وقدرتك على تكوين علاقات، وقدرتك الإنتاجية في العمل أو المدرسة يعني أنك تعاني من اضطراب القلق، وأوضحت الأبحاث أنه إذا تم إهمال القلق دون علاج فإنه يؤدى إلى الإحباط، الموت المبكّر، والانتحار.

وبما أنه يؤدي إلي عواقب صحية خطيرة، فإن الدواء الموصوف لعلاج القلق لا يعمل على المدى البعيد، فأحيانًا تعود الأعراض مرة أخرى، وها أنت قد عدت إلى نقطة البداية.

كيف يساعدك العلم؟

إنَّ الطريقة التي تتعامل بها مع الأمور في الحياة لها تأثير مباشر على مقدار القلق الذي تعانيه، لذا يجب أن تقوم بتعديل الطريقة التي تتعامل بها مع تلك الأمور، وبالتالي يمكنك خفض معدلات القلق لديك.

إليك بعضًا من أفضل مهارات التعامل مع القلق، والتي تم استخلاصها من خلال دراسة أُجريت في جامعة كامبريدج، والتي قُدّمت في المؤتمر الأوروبي الثلاثين لعلم الأدوية النفسية والعصبية في باريس، وفي بعض الأبحاث العلمية.

١- افعلها بشراهة (أي أن تبذل قصارى جهدك فيه)

هل تشعر بأن حياتك أصبحت خارج السيطرة؟ هل تجد صعوبة في اتخاذ قراراتك أو حتى في بدء الأمور؟ حسنًا، هناك طريقة واحدة للتغلب على التردد والمضيّ قدمًا في هذا المشروع، وهي (افعلها بشراهة).

تبدو هذه الطريقة غريبة، لكن الكاتب والشاعر (ج. ك. تشيسترتون – GK Chesterton) لديه وجهة نظر، وهي «أي شيء يستحق القيام به، فهو يستحق القيام به بشراهة».

وسبب نجاح هذه الطريقة هو أنها تزيد من سرعة اتخاذك للقرار، تقذفك مباشرة إلى العمل، ولولا ذلك لقضيت ساعات لتقرر كيفية القيام بأمر ما أو ماذا ينبغي أن تفعل.

هذا يستغرق وقتًا طويلا، بالإضافة إلى الجهد.

يريد البشر أحيانًا أن يفعلوا شيئًا ما على أكمل وجه أو ينتظروا الوقت الأمثل للبدء، لكن ذلك يؤدي إلى المماطلة، التأجيل الممتد، أو حتى منعنا من القيام به من الأساس، وهذا يسبب التوتر والقلق.

وبدلًا من ذلك، لمَ لا نبدأ العمل على طريقة (افعلها بشراهة) دون قلق حول كيفية ظهوره؟ فهذا لن يكون سهلًا في البداية فحسب، بل ستكمل مهامك بشكل أسرع من ذي قبل.

في أغلب الأحيان ستكتشف أنَّ ما تقوم به بشكل سيئ، يمكنك دائمًا تحسينه فيما بعد.

إنَّ استخدام مقولة (افعلها بشراهة) كشعارٍ حياتيٍّ سوف يمنحك الشجاعة كي تجرّبَ أشياء جديدة، مضيفًا القليل من المرح إلى كل أعمالك، ستتوقف عن القلق الزائد بشأن ما هو قادم، فالأمر يدور حول القيام بالعمل اليوم حتى لو بشكل سيئ ثُمَّ التَحسُّن كلما تقدمت فيه، الأمر يتعلق بالتحرر ليس إلا.

٢- سامح نفسك وأجّل القلق

هل تنتقد نفسك والأخطاء التي تقوم بها؟ حسنًا، تخيَّل أنَّ لديك صديقًا دائمًا ما يشير إلى كل خطإ في حياتك، حينها ستتمنى لو تتخلص من كل هذه الأخطاء في الحال، لكن الأشخاص الذين يعانون القلق أحيانًا ما يسببون ذلك لأنفسهم بشكل متكرر إلى درجة أنهم لا يدركون ذلك، فهم ليسوا لطفاء مع أنفسهم، لذلك فقد حان الوقت لنتغير لنبدأ في مسامحة أنفسنا على الأخطاء التي ارتكبناها.

إذا شعرت بأنك قد أحرجت نفسك في موقف ما لا تنتقدها، لأنك ببساطة ستدرك أنه مجرد دافع فقط كي تلوم نفسك، وبعد ذلك ألق هذه الأفكار السلبية بعيدًا وأعِدْ توجيه اهتمامك مرة أخرى للعمل الذي بين يديك أو أيًا كان ما تفعله.

واستراتيجية أخرى فعّالة وهي (تأجيل القلق)، فإذا قمت بشيء ما على نحوٍ خاطئ وشعرت أنك مضطر لتقلق؛ لأنك تعتقد أنك أخفقت، لا تفعل هذا في الحال، فبدلًا من ذلك أجِّل قلقك، واجلس على انفراد لمدة عشر دقائق يوميًا، خلال هذه المدة يمكنك القلق على كل شيء.

إذا فعلت ذلك ستجد أنك لن تصطدم بأيَّ موقف يثير القلق لديك، والذي به تكون منزعجًا وقلقًا عندما تعود إليه لاحقًا، أي تتذكره فيما بعد.

٣- مساعدة الآخرين أحد أهدافك في الحياة

ومن الأهم أيضًا أن تأخذ في الاعتبار ما قضيت من الوقت مع شخصٍ آخر، فإن كان ذلك الوقت قليلًا أو منعدمًا من الأساس، فأنت تعاني من مخاطر كبيرة من ضعف الصحة العقلية، وبغض النظر عن مقدار ما نصنع أو مقدار المال الذي نجنيه، فإننا لن نكون سعداء دون أن نعلم بوجود شخص ما يحتاج إلينا ويعتمد على إنتاجيتنا أو حبنا.

ذلك لا يعني أننا بحاجة إلى مدح الآخرين، لكن القيام بشيء ما مع شخص آخر ينزع الضوء من علينا، ومن على قلقنا وتوترنا، ويسَلِّطه على آخرين وعلى الفارق الذي أحدثناه لهم.

ولقد ثَبُتَ أن التواصل مع الآخرين هو أحد أقوى موانع ضعف الصحة العقلية، وكتب عالم الأعصاب فيكتور فرانكل: «للذين يظنون أنه لا يوجد شيء نعيش من أجله، ولا يوجد ما نتوقعه من الحياة، الأمر يكمن في جعل هؤلاء الأشخاص يدركون أن الحياة ما زالت تتوقع شيئًا منهم».

إن معرفة أن شخصًا آخر يحتاج إليك تسهِّل عليك تحمُّل الأوقات العصيبة بشكل كبير، حينها ستعلم سبب وجودك، ستكون قادرًا على إعطاء أدلة وأسباب لكل تساؤل.

كيف تجعل نفسك مهمًّا في حياة شخص آخر؟ الأمر سهل كاهتمامك بطفلٍ أو والدٍ مُسِنٍ، التطوع، أو إنهاء العمل الذي قد يفيد الأجيال القادمة.

حتى لو لم يكتشفوا ما فعلت من أجلهم، هذا لا يهم، يكفي أنك ستعلم ما فعلت، وهذا يجعلك تدرك تميُّز وأهمية الحياة.


  • ترجمة: محمود مرزوق
  • تدقيق: علي فرغلي
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر