أسرت فكرة أطلنطس (أو أتلانتيس كما تسمى في اللغات الأوروبية) – شبه الجزيرة «المفقودة» المثالية كمجتمع متطور، مجتمع من اليوتوبيا والحكمة التي يمكن أن تحقق السلام العالمي – الحالمون وعشاق الغموض من الأجيال الجديدة.

وتُدافع آلاف الكتب والمجلات والمواقع الإلكترونية عن مسألة وجود أطلنطس، ولا يزال موضوعًا شائعًا.

لقد فقد بعض الناس ثرواتهم – وحتى حياتهم – بحثًا عن أطلنطس.

أصل أسطورة أطلنطس

بخلاف العديد من الأساطير التي طمسها الزمان، نحن نعرف بالضبط متى وأين ظهرت قصة أطلانطس لأول مرة. لقد قيلت القصة لأول مرة في اثنتين من حوارات أفلاطون، « طيماوس » و «كريتياس»، كتبت حوالي 330 قبل الميلاد.

على الرغم من أن أطلنطس غالبًا ما يُنظر إليها هذه الأيام على أنها يوتوبيا مليئة بالسلم، فإن الوصف الذي قدمه أفلاطون في حجته كان مختلفًا تمامًا.

يوضح أستاذ علم الآثار كين فيدر Ken Feder في كتابه «موسوعة الآثار المدمرة» Encyclopedia of Dubious Archaeology، أن في قصة أفلاطون، «أطلنطس ليست مكانا ينبغي أن يحتفى به أو يحتذى به على الإطلاق، أطلانطس ليست المجتمع المثالي … بل على العكس، أطلانطس تجسد أمَّة ثرية من الناحية المادية، ومتقدمة تقنيًا، وقوية عسكريًا، أفسدتها ثروتها وتطورها وقدرتها».

كذلك فإن الدعاية في حكاية أفلاطون الأخلاقية، تُبرز التنافس البطولي بين أسطورة أطلانطس و مدينة أثينا أكثر من كونه حديث عن حضارة غارقة.

إذا كانت أطلانطس موجودة اليوم، وكانت سليمة ومأهولة، ربما حاول سكانها قتلنا واستعبادنا جميعًا. ويبدو كذلك أن أفلاطون صنع أسطورة أطلانطس كنموذج خيالي لقصته، لأنه لا يوجد ذكر آخر لها في أي مكان في العالم.

لقد وجدنا العديد من النصوص اليونانية، وبالتالي كان ينبغي أن يرد ذكر هذا المكان الرائع بخلاف أسطورة أفلاطون لكن هذا لم يحدث. ليس هناك ببساطة أي دليل من أي مصدر أن الأساطير حول أطلانطس كانت موجودة قبل أن يكتب أفلاطون عنها.

سبب الشهرة الحديثة لمدينة أطلنطس الأسطورية

يشرح مارك آدمز Mark Adams في كتابه «قابلني في أطلانطس: عبر القارات الثلاث في البحث عن المدينة المفقودة الأسطورية» Meet Me In Atlantis: Across Three Continents in Search of the Legendary Lost City كيف أصبحت الأسطورة اليونانية – التي كانت من قبل مهمشة – معروفة على نطاق واسع.

كان ذلك بسبب رجل من مينيسوتا يدعى إغناتيوس دونيلي Ignatius Donnelly (1831-1901).

كان دونيلي من أعضاء الكونغرس ومؤرخ هاوٍ، ادعى في كتابه «عالم أنتيليفيان» The Antediluevian World عام 1882 أن كل التقدم الكبير في الحضارة والتكنولوجيا يمكن أن يُعزى إلى الجزيرة المفقودة منذ فترة طويلة والتي ذكرها أفلاطون.

لكن دونيلي تجاوز مجرد نشر قصة أفلاطون؛ وأضاف بعض «الحقائق» الخاصة به والأفكار التي أصبحت جزءًا من أسطورة أطلانطس.

روَّج دونيلي لما يسمى الآن بـ«الانشطار»، وهي فكرة أن جميع الثقافات العظيمة يمكن أن ترجع إلى مصدر واحد.
وصف آدمز دونيلي بأنه «أول أصولي أطلنطي، لأنه اعتقد أن قصة أفلاطون دقيقة وواقعية بخلاف العناصر الخارقة للطبيعة مثل بوسيدون –إله البحر عند الإغريق – ».

كان دونيلي قد أرسل نسخة من كتابه إلى تشارلز داروين، الذي وجد أنه مثير للاهتمام ولكنه غير مقنع – قرأه ثم قالها «بطريقة متشككة ».

آدمز يوضح كيف أن الكثيرين خُدعوا بسبب مواد دونيلي: «كان دونيلي كيسًا من الرياح، وكان يعرف النتائج التي يريدها ويطلقها من خلال مصادره بحثًا عن الحقائق التي تناسب احتياجاته دون أن يتوقف لملاحظة أي شكوك معقولة ».
لاحقًا، حذا كثير من الكتَّاب حذو دونلي، مضيفين آرائهم واسهاماتهم.

شملت هذه الكتابات مدام بلافاتسكي الغامضة (في كتابها عام 1888، «العقيدة السرية»). وإدغار كايس في العشرينيات.

قام كايس بوضع أصولًا مسيحية في قصة أطلانطس، بإعطاء قراءات نفسية لآلاف الناس – وكثير منهم، كما ادعى، قد عاش في أطلانطس. لسوء الحظ، لم يكن من الممكن التحقق من أيٍ من المعلومات، حتى توقُع كايس أن القارة سيتم اكتشافها في عام 1969 كان خطأ.

قارة أطلنطس المفقودة

على الرغم من أصلها الواضح أنها محض خيال، ادعى كثيرٌ من الناس على مر القرون أنه يجب أن يكون هناك بعض الحقيقة وراء الخرافات، كما كانت هناك الكثير من التكهنات حول أين سيتم العثور على أطلانطس.

خبراء أطلانطس أشاروا إلى الكثير من الأماكن التي قد تحوي القارة المفقودة في جميع أنحاء العالم على أساس نفس مجموعة الحقائق.

الأماكن التي تم اقتراحها – كلٌ يستند إلى مجموعات خاصة من الأدلة والحجج – تشمل المحيط الأطلسي، والقارة القطبية الجنوبية، وبوليفيا، وتركيا، وألمانيا، ومالطا ومنطقة البحر الكاريبي.

شرح أفلاطون مكان أطلانطس بوضوح: «محيط قابل للملاحة؛ أمام الفم الذي يعرفه اليونانيون، كما يقال، « أركان هرقل» هناك جزيرة كانت أكبر من ليبيا وآسيا معًا».

بعبارة أخرى تقع في المحيط الأطلسي خارج «أركان هرقل» (أي مضيق جبل طارق، عند مصب البحر الأبيض المتوسط).

ومع ذلك لم يتم العثور عليها في المحيط الأطلسي، أو في أي مكان آخر.

الطريقة الوحيدة لإزالة الغموض عن أطلانطس (بافتراض أنها كانت فعلًا مكان حقيقي) هو تجاهل كل الأساطير التي تصنع منها نموذجًا أخلاقيًا لقصة أفلاطون، سواء كان هذا خطأ أو ادعاء.

حتى مع إغفال وصف أفلاطون عن موقعها سيجعل أي موقع مقترح يمكن أن يكون ملائمًا لها.

ومع ذلك، لاحظ الكاتب ل. سبراغ دي كامب L. Sprague de Camp في كتابه «القارات المفقودة» Lost Continents ، «لا يمكنك تغيير كل تفاصيل قصة أفلاطون، ثم تدَّعي أنك تتبع قصة أفلاطون، هذا مثل القول بأن الملك الأسطوري آرثر هو كليوباترا كل ما عليك هو تغيير جنس كليوباترا وجنسيتها وفترة حكمها ومزاجها وطابعها الأخلاقي وتفاصيل أخرى، ثم تدعي أن التشابه واضح».

وأوضح الدليل على أن أطلانطس أسطورة : هي أنه لم يتم العثور على أي أثر لها على الرغم من التقدم في علم المحيطات ورسم خرائط قاع المحيطات في العقود الماضية.

يمكن أن نغفر لقراء ما قبل ألفي عام الاشتباه في أن الأعماق الشاسعة قد تخفي بطريقة أو بأخرى مدينة أو قارة غارقة، وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير من الغموض في الجزء السفلي من محيطات العالم، فإنه من غير المعقول أن علماء المحيطات في العالم، و البحارة الفائقين، و تحقيقات أعماق البحار غاب عنها إيجاد أثر ليابسة «أكبر من ليبيا وآسيا معا».
بالإضافة إلى ذلك اللوحات التكتونية تثبت أن أطلانطس مستحيلة.

مع تزحزح القارات، اتسع قاع المحيط بمرور الوقت.

لن يكون ثمة مكان ببساطة لإغراق أطلانطس. وكما لاحظ كين فيدر Ken Feder: «الجيولوجيا واضحة، لم يكن هناك سطح أرضي كبير غرق في المنطقة التي يضع فيها أفلاطون أطلانطس، الآثار الحديثة والجيولوجيا تقدم حكمًا لا لبس فيه: لم تكن هناك قارة أطلسية، أو حضارة عظيمة تسمّى أطلانطس».

كان إغناتيوس دونيلي متأكدًا من نظريته، متنبئًا بأن البرهان القاطع على وجود المدينة الغارقة سيظهر قريبًا، وأن المتاحف في جميع أنحاء العالم ستملأ يومًا ما بالقطع الأثرية. مر أكثر من 130 عامًا دون أثر للأدلة.

تم الاحتفاظ بأسطورة أطلانطس على قيد الحياة، يُغذيها خيال الجمهور وسحر الفكرة الخفية عن اليوتوبيا. لكن «مدينة أطلانطس المفقودة» لم تُفقد أبدًا. هي حيث كانت دائمًا: في كتب أفلاطون.


  • ترجمة : مصطفى العدوي
  • تدقيق: حسام التهامي
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر