قد نكون في بعض الأحيان بحاجة إلى مضادات الاكتئاب، ولكن في حالات أخرى ربما كل ما ينقصنا هو التغذية السليمة. تشير الأبحاث إلى أن نقص بعض العناصر الغذائية قد يزيد من إمكانية الإصابة بالاكتئاب، وهو حالة نفسية تنتج عنها أعراض متنوعة مثل الشعور بالحزن والإحباط والانزعاج يومًا بعد يوم.

مع ذلك، ليس واضحًا ما إذا كانت معالجة نقص تلك العناصر تقلل بالضرورة من حدة أعراض الاكتئاب، فالاكتئاب حالة معقدة قد تلعب العديد من العوامل البيولوجية والبيئية دورًا في تطوره.

ولذلك من الضروري اتباع أساليب متنوعة لعلاج جميع أعراضه، تشمل العلاج النفسي والدوائي والتغييرات الغذائية وتناول المكملات الغذائية واتباع استراتيجيات المساعدة الذاتية المختلفة.

فيتامين د

تشير الأدلة العلمية إلى احتمالية وجود رابط بين نقص فيتامين د والاكتئاب. منها استعراض للمؤلفات من عام 2018 شمل 14 دراسة ضمت في المجمل 31424 مشاركًا.

ونظرًا لتدخل فيتامين د في العديد من العمليات الحيوية التي يتضمنها تنظيم مستويات هرمون السيروتونين؛ تتفق تلك الدراسات مع النظريات السابقة التي اقترحت أن انخفاض نسب هرمون السيروتونين قد يكون العامل المسبب للاكتئاب، وبالتالي فإن نقص فيتامين د الذي يسبب نقص السيروتونين قد يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب.
علاوة على ذلك، ثبت ارتباط النسب المنخفضة من فيتامين د في الدم بالالتهاب، الذي اكتُشف أيضًا وجود رابط بينه وبين الاكتئاب.

أدت تلك الاكتشافات إلى انطلاق مجموعة من الدراسات التي تبحث عن مدى إمكانية تخفيف أعراض الاكتئاب من خلال تناول مكملات فيتامين د.

لكن، مع أن مجموعة الأبحاث الحالية لم تؤكد بعد وجود تأثير لهذه المكملات على شدة الأعراض، ينصح المعهد الصحي الوطني الأمريكي بتناول 600 وحدة دولية يوميًا من فيتامين د، الذي يمكن الحصول عليه بالتعرض إلى أشعة الشمس إلى جانب بعض المصادر الغذائية.

فيتامين B12

تشير عدة تقارير دراسية من ضمنها دراستان من عامي 2015 و2016 إلى أن الأشخاص الذين يعانون انخفاض نسبة هذا الفيتامين في الدم يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة بالآخرين الذين ارتفعت لديهم نسبته في الدم.

يرجع ذلك إلى «فرضية الهوموسيستين» التي تقترح أن المستويات المرتفعة من حمض الهوموسيستين الأميني قد تفتعل أعراضًا نفسية.

أشارت نظرية إلى أن انخفاض نسب بعض أنواع فيتامين B المركب التي تتدخل في عملية استقلاب الهوموسيستين مثل B12 وB9 وB6 في الدم، قد يسبب ارتفاعًا في نسب الهوموسيستين عن الطبيعي؛ ما قد يؤثر على وظائف الدماغ ويسبب تقلبات مزاجية وظهور أعراض الاكتئاب.

وتشير بعض الأبحاث إلى أن تصحيح نسب فيتامين B12 المنخفضة في الدم فور اكتشافها بتناول المكملات الغذائية قد يؤخر ظهور الاكتئاب. إضافة إلى ذلك، قد تزيد المكملات من فعالية مضادات الاكتئاب.

مع ذلك، ما زال من غير الواضح ما إذا كان تناول مكملات فيتامين B12 وحده دون نقص مستوياته في الجسم له فاعلية إيجابية على أعراض الاكتئاب.

يوصي المعهد الصحي الوطني الأمريكي بحصول البالغين على 2.4 ميكروجرام يوميًا من فيتامين B12، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 2.6 ميكروجرام للحوامل و2.8 ميكروجرام للمُرضعات.

تعد المنتجات الحيوانية المصدر الرئيسي لفيتامين B12، مثل الكبد والكلى واللحم البقري والمحار. ولهذا قد يصعب على الأشخاص الذين لا يتناولون المنتجات الحيوانية الحصول على قدر كافٍ من هذا الفيتامين من الغذاء.

ولكن بالطبع توجد بعض المصادر النباتية التي قد توفر فيتامين B12 مثل الفطر والأعشاب البحرية، إضافة إلى بعض المنتجات مثل بدائل الحليب النباتية والخميرة الغذائية وحبوب الفطور المُدعمة بفيتامين B12.

لا يقتصر نقص فيتامين B12 على سوء التغذية وحسب، فقد تكون له مسببات أخرى تشمل الآتي:

  • نقص العامل المعدي الداخلي نتيجة لفقر الدم الخبيث.
  • تناول أدوية معينة مثل الميتفورمين أو مثبطات مضخة البروتون.
  • إجراء جراحة في الجهاز الهضمي سابقًا.

الفولات: فيتامين B9

تتدخل الفولات في عملية انقسام الخلايا وتركيب الحمض النووي إلى جانب العديد من العمليات البيولوجية المهمة. وثبتت فاعلية تناوله مكملًا غذائيًا لدى الذين يعانون الاكتئاب، وخاصة الاكتئاب الذي يصعب علاجه.

توجد الفولات وصورتها المُصنعة (حمض الفوليك) في العديد من أنواع الطعام، تشمل الخضراوات الورقية والبقوليات والفاكهة الحمضية والحبوب الغذائية المُدعمة.

لكن تناول نسب مرتفعة من الصورة المُصنعة لفيتامين B9 (حمض الفوليك) قد يكون له آثار جانبية خطرة؛ ولذلك يُنصح بالحصول عليه من مصادر الغذاء الطبيعي.

يوصي المعهد الصحي الوطني الأمريكي بتناول البالغين 400 ميكروجرام يوميًا من حمض الفوليك.

المغنيسيوم

اعتمدت الفرضيات التي تربط نقصه بالإصابة بالاكتئاب في الأساس على الأبحاث الحيوانية. ولكن هناك دراسة بشرية أظهرت أن المشاركين الذين عانوا نقص المغنيسيوم والاكتئاب معًا اختبروا تحسنًا في أعراض الاكتئاب بعد تناولهم مكملات المغنيسيوم.

مع ذلك، لم تحسم الأبحاث السريرية ما إذا كان تناول مكمل المغنيسيوم يساعد في تخفيف حدة أعراض الاكتئاب لدى الأشخاص الذين لا يعانون نقص عنصر المغنيسيوم في المقام الأول.

يمكن الحصول على المغنيسيوم عبر تناول المكسرات والبذور والخضراوات الورقية والحبوب الغذائية الكاملة. تختلف النسب اليومية الموصى بها وفقًا للعمر والجنس، ولكن يوصي المعهد الصحي الوطني الأمريكي بتناول ما بين 400 و420 مليجرام للرجال وما بين 310 و320 مليجرام للنساء.

الحديد

يعد من أكثر العناصر التي تنتشر حالات العوز لها في جميع أنحاء العالم، وجاءت نتيجة إحدى الدراسات التي قارنت بين انخفاض نسب الحديد لدى النساء والرجال لصالح النساء بنسبة 57.5% مقابل الرجال بنسبة 7.6%، مما يوضح انتشار عوز الحديد عند النساء أكثر منه عند الرجال.

يتطور نقص الحديد في الحالات الحادة إلى فقر الدم الناتج عن عوز الحديد، الذي يحدث عندما تنخفض نسبة الحديد في الدم كثيرًا لدرجة حدوث تأثير سلبي على إنتاج كريات الدم الحمراء.

تشير بعض الأدلة إلى احتمال وجود رابط بين نقص الحديد والاكتئاب. ففي إحدى الدراسات، مال المشاركون الذين عانوا فقر الدم الناتج عن عوز الحديد إلى الإبلاغ عن معاناتهم الاكتئاب أيضًا.

وأشارت دراسة أخرى إلى ارتفاع مستويات الاكتئاب بين الحوامل اللاتي انخفضت لديهن مستويات الحديد، فكانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب خلال فترة الحمل.

وجدت بعض الأبحاث تحسنًا في حالة الذين يعانون فقر الدم بعوز الحديد عند تناولهم المكملات فيما يتعلق بالاضطرابات النفسية بما فيها الاكتئاب، مقارنة بالآخرين الذين لم يتناولوا المكملات. وتشير تلك الاكتشافات إلى أن إقصاء مشكلة عوز الحديد أو السيطرة عليها قد يقي من الإصابة بالاكتئاب لدى الذين يعانون كليهما.

ينصح المعهد الصحي الوطني الأمريكي معظم البالغين بتناول ما بين 8 و18 مليجرام يوميًا من الحديد؛ تختلف النسبة وفقًا للعمر والجنس والحمية الغذائية.

ومن الأغذية الغنية بعنصر الحديد: اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن.

الزنك

هو عنصر أساسي وذو دور حاسم في نمو الدماغ وتطوره. يتدخل الزنك في عملية الأيض الخلوي، وهي مجموعة من العمليات الكيميائية التي تمد الخلايا بالطاقة وتبقينا على قيد الحياة.

لذلك، من الضروري الحرص على توازن مستويات الزنك في الدم وإبقائها في حالة مستقرة وثابتة في سبيل الحفاظ على التوازن الداخلي لمستويات الزنك في مختلف أجزاء الدماغ، ومنها تلك التي تتضمن الأجزاء المرتبطة بالإصابة بالاكتئاب، مثل قرن آمون واللوزة العصبية والقشرة المخية. وهذا من شأنه أن يحقق وظائف ذهنية مثالية بين هذه المناطق.

تشير الأبحاث الحالية إلى احتمالية وجود رابط بين نقص الزنك والاكتئاب، وإلى إمكانية استخدام مكملات الزنك ومضادات الاكتئاب معًا للتخفيف من أعراضه.

يوصي المعهد الصحي الوطني الأمريكي بتناول 11 مليجرام يوميًا للرجال و8 مليجرام يوميًا للنساء من الزنك. ويمكن الحصول عليه من اللحوم الحمراء والمحار وسرطان البحر.

أحماض أوميغا-3 الدهنية

تتدخل أحماض أوميغا-3 الدهنية في تحسين وظائف الدماغ والحد من الاكتئاب.

أظهرت الدراسات احتمالية وجود رابط بين الاكتئاب ونقص مستويات أوميغا-3، ولكن من المهم أن نشير إلى أن تلك الأبحاث ما زالت في المجمل غير حاسمة. لأنه مع احتمال أن تساعد مكملات أوميغا-3 بعض الأشخاص في التخفيف من حدة أعراض الاكتئاب، إلا أنها قد لا تكون حلًا فعالًا في الكثير من الحالات.

تشمل الأغذية الغنية بأوميغا-3 السمك والمكسرات والزيوت النباتية.

المنغنيز

يحتاج الأفراد إلى معدن المنغنيز بكميات قليلة، ونظرًا لوفرته في بعض المصادر الغذائية، تعد الإصابة بنقصه أمرًا نادرًا إلى حد كبير.

وعلى الرغم من وجود دراسة واحدة تشير إلى وجود رابط بين نقص عنصر المنغنيز وظهور أعراض القلق والاكتئاب، إلا أن الأبحاث لم تُظهر حتى الآن ما إذا كان تناول مكملات المنغنيز يخفف من حدة الأعراض لدى الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب.

يوصي المعهد الصحي الوطني الأمريكي بتناول 2.3 مليجرام من عنصر المنغنيز للرجال، و1.8 مليجرام للنساء.

السيلينيوم

هو عنصر أساسي وحيوي لعمل وظائف الدماغ والغدة الدرقية بصورة سليمة، يُشتبه أن يكون له دور في تطور الاكتئاب وظهوره، ولكن الدراسات لم تتفق على تحديد ذلك الدور. مع ذلك، لاحظت بعض الدراسات أن تناول مكملات السيلينيوم قد يساعد في التخفيف من شدة أعراض الاكتئاب، بينما لم يُلحظ ذلك في بعض الدراسات الأخرى.

يُنصح معظم البالغين بتناول نحو 55 ميكروغرام يوميًا من السيلينيوم وفقًا للمعهد الصحي الوطني الأمريكي. ويمكن الحصول عليه من المأكولات البحرية والدواجن ومنتجات الألبان والبيض.

اليود

هو عنصر بالغ الأهمية لعمل الغدة الدرقية بالشكل المطلوب. ولكن دوره لا يتوقف عند ذلك؛ فهو يملك تأثيرًا على مستويات الطاقة والتمثيل الغذائي وتنظيم درجة حرارة الجسم والنمو وكفاءة عمل الجهاز المناعي والأداء الذهني مثل التركيز والذاكرة، فعندما لا يعمل عقل الإنسان بكفاءة قد يشعر الفرد بحالة من الاكتئاب الشديد.

يوصى معظم البالغين بجرعة 150 ميكروغرام يوميًا من اليود. ويمكن الحصول عليه باستخدام الملح المدعم باليود أو تناول الأعشاب البحرية المجففة أو الجمبري أو سمك القد.

الأحماض الأمينية

تساعد الأحماض الأمينية -لبنات البناء الرئيسية للبروتين- الذهن على العمل بصورة سليمة، وقد يؤدي نقصها إلى شعور بالخمول والتشويش ونقص التركيز والاكتئاب.

يمكن الحصول عليها بوفرة من اللحم البقري والبيض والأسماك والبقوليات والبذور والمكسرات.

ومع ذلك، تنقصنا الأدلة غالبًا لتحديد مدى فاعلية تناول المكملات لعلاج نقص العناصر الغذائية في التخفيف من حدة أعراض الاكتئاب.

على الرغم من أن ذلك قد يبدو مُحبطًا، إلا أن مرض الاكتئاب قابل للعلاج إلى حد كبير عند اتباع الخطة العلاجية الملائمة، وتحلي المريض بالصبر والصدق تجاه نفسه وطبيبه المعالج.

ومن جهةٍ أخرى، من الضروري عدم البدء في تناول المكملات دون الرجوع إلى الطبيب لتحديد الجرعة المناسبة ودراسة الأعراض والتفاعلات الدوائية المحتملة مع المريض.

اقرأ أيضًا:

هل يؤثر النظام الغذائي في احتمال الإصابة بالاكتئاب والقلق؟

أطعمة لمواجهة الاكتئاب

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر: psychcentral, everydayhealth