لطالما أخذنا صور حيوانات ما قبل التاريخ الموضحة في كتب طفولتنا كأمرٍ مسلّمٍ به نوعًا ما، لكن تجميع قطع الماضي الغامض للأرض أصعب بكثير مما يبدو عليه.

يتعين على علماء الحفريات الاعتماد على شظايا العظام، وآثار الأقدام المتجويّة، والانطباعات على الصخور، لكنها لا تلتقط دائمًا التفاصيل الدقيقة للحيوان الحي المتنفس والمعقد الذي مر أو نفق هناك.

يخطئ الباحثون أحيانًا أثناء قيامهم بهذا العمل الشاق والدقيق في فهم ما يرونه بدقة، وقد لا يكون الخطأ بسيطًا!

فيما يلي بعض من الأخطاء الأحفورية، وما تعلمناه من تصحيحها.

أحفورة السحلية الأفعى ذات الأربعة أرجل الطبيعية تمامًا:

أحفورة السحلية الأفعى ذات الأربعة أرجل الطبيعية تمامًا:

كُشف عن الزواحف رباعية الأطراف Tetrapodophis amplectus في عام 2015، وقد كانت أعجوبةً أحفوريةً مميزةً، إذ قال العلماء أن أحفورة الهيكل العظمي المتعرج التي يعود تاريخها إلى 110 ملايين سنة كانت شيئًا طال انتظاره.

يحوي الجسم الشبيه بالأفعى على أربع أرجل صغيرة، ما يشير إلى أول اكتشاف للرابط المفقود بين الأفاعي والسحالي.

سُميت الأحفورة وفقًا لتلك الهيئة واحتُفل بهذا الإنجاز، لكن لم يكن الجميع مقتنعًا.

في وقت سابق من عام 2022، كشف فريق مختلف من علماء الحفريات عن ثمار جهدهم الطويل في إعادة فحص بقايا هذه الأحفورة وصرحوا: «لم يكن ذلك الزاحف أفعى على الإطلاق، بل كان ينتمي لجنس منقرض من السحالي البحرية يدعى دوليكوسورس Dolichosaurus».

نتوقع أن يكون هناك بعض الجدل حول هذه الأحفورة، لكن في كلتا الحالتين، كان لديها شيء لتعلمنا إياه.

كانت هذه الأحفورة محفوظة جيدًا، وربما تكشف شيئًا جديدًا عن الدوليكوسورس، التي تملك سجلًا أحفوريًا متناثرًا وغير مكتمل.

أحفورة رأس الهالوسيجينيا Hallucigenia's head

أحفورة رأس الهالوسيجينيا Hallucigenia’s head

خلال العصر الكمبري، أي منذ حوالي 541 إلى 485 مليون سنة مضت، كانت الحيوانات التي جابت الأرض مختلفة تمامًا عن أنواع الحياة التي نراها الآن، إذ يمكن العثور على مخلوقات غريبة جدًا بالفعل في قاع البحر.

وقد تعرفنا عليها عنها لأن بقاياها ضُغطت في رواسب البحيرات التي تصلبت لاحقًا في شكل صخور زيتية، محافظةً على الطبعات المبهمة التي حاول علماء الحفريات لاحقًا تفسيرها.

إحدى تلك الأحافير كانت الهالوسيجينا، والتي سميت بهذا الاسم لأنها بدت وكأنها هلوسة!

كان لها ما لا يقل عن سبعة أزواج من الأشواك الصلبة على ظهرها، وسبعة أزواج من الأرجل المرنة بشكلٍ غريب، وما يبدو وكأنه رأس كبير بصلي الشكل في إحدى نهايتيها.

اكتُشفت العديد من الأحافير دون هذا الرأس، الأمر الذي حير العلماء وجعلهم يتساءلون، لماذا قطعت رؤوس الكثير من الهالوسيجينيا؟

كشفت إعادة فحص أحفورة الهالوسيجينيا بعد ذلك عن شيء مضحك للغاية: الأسنان، والعيون في نهايتها التي اعتُقد أنها كانت مؤخرتها، ما يعني أن ما كنا نظنه رأسها كان عبارة عن محتويات أحشائها، وقد عُصرت خارج جسمها عندما كان الحيوان يُضغط في الرواسب.

أما الخبر السار فهو أن فرز مؤخرة الهالوسيجينيا الخارج من رأسها يعني أن الباحثين سيتمكنون أخيرًا من تصنيفها على أنها من فصيلة فصيات الأقدام، المجموعة التي أدت إلى ظهور الديدان المخملية، ومفصليات الأرجل، وبطيئات الخطو.

أحفورة الديكنسونيا Dickinsonia: حيوان، نبات، أم فطر؟

أحفورة الديكنسونيا Dickinsonia: حيوان، نبات، أم فطر؟

عانت الديكنسونيا من أزمة هوية طويلة الأمد منذ أن وصفت لأول مرة في عام 1947م. تنحدر الديكنسونيا من الحقبة الإيدياكارانية Ediacaran Era، التي جاءت قبل حقبة الكمبري، وقبل ظهور الشُعب الرئيسية التي نعرفها اليوم.

كانت الكائنات الحية الإيدياكارانية كائنات رخوية في الغالب، وقليل منها كان يشبه أي كائن حي أو منقرض. لذلك كان من الصعب جدًا وضعها ضمن سياق أو تصنيف محدد.

تبدو أحفورة الديكنسونيا إلى حد كبير بشكل بيضوي مضلع بغرابة، فعند اكتشافها أول مرة، صُنفت على أنها نوع من قناديل البحر! واعتقد العلماء أيضًا أنها قد تكون دودة، أو ورمًا، أو فطرًا، أو أشنيات. بل اقتُرح حتى أن الديكنسونيا كانت تنتمي إلى سلالة منقرضة وغير معروفة، لم تكن حيوانية أو نباتية أو حتى فطرية.

لكن يبدو أن دراسة أجريت قبل بضع سنوات حول الطريقة التي نما بها هذا الكائن قد حلت المشكلة. فوفقًا لتحليل العلماء، تنتمي الديكنسونيا إما إلى صنف الصفيحيات Placozoa، التي تعد من أبسط الكائنات الحيوانية، أو إلى صنف البعديات الحقيقية Eumetazoa، التي تتخطى الإسفنجيات.

أحفورة إيغوانودون Iguanodon: أنف أم إبهام؟

أحفورة إيغوانودون Iguanodon: أنف أم إبهام؟

عندما وصف عالم الجيولوجيا غيديون مانتيل الإغوانودون لأول مرة في عام 1825، وصفه بأن له شوكة غريبة بأعلى أنفه. وهذا ليس افتراضًا غير معقول، فوحيد القرن لديه قرن واحد يزين رأسه أيضًا.

لم يُنفَ هذا الافتراض إلا بعد مرور أكثر من 50 عامًا. إذ عُثر على عينات أحفورة أكثر اكتمالًا في بلجيكا عام 1878م، مع الطرف الشائك الذي ظهر أنه ينتمي بوضوح إلى الطرفين الأماميين للحيوان، حيث يوجد لدينا نحن الرئيسيات إبهام.

هذا ما جعل افتراض مانتيل أكثر منطقية حتى، لأننا لا نعرف ما هي وظيفة هذه الشوكة الصلبة. هل كانت للتفاعل الاجتماعي؟ أم للدفاع ضد المفترسين؟ أم كانت شيئًا يستعمله للطعام؟

من المحتمل ألّا نعرف أبدًا، لكن مع ذلك، قد علمنا الإغوانودون أنه لا ينبغي علينا أبدًا أخذ حتى أصغر التفاصيل كأمر مسلم به!

أحفورة الأركيوبترنوب Archaeopternope

أحفورة الأركيوبترنوب Archaeopternope

لطالما اعتمرت الأركيوبتركس Archaeopteryx تاج أقدم الأنواع المعروفة من الطيور. إذ عاشت منذ حوالي 150 مليون عام، وتُعرف من خلال دزينة من العينات المجموعة من جميع أنحاء العالم. رغم ذلك، كانت مسألة تحديد هويتها أمرًا مثيرًا للجدل.

يعتقد البعض أن الحيوان قد صُنف بشكل خاطئ، أي أن الأركيوبتركس لم يكن طائرًا بل ديناصورًا. وقد خضعت العينات الفردية للفحص أيضًا.

عام 2017، حلل فريق من العلماء إحدى عينات الأركيوبتركس (تلك التي أعيد تصنيفها، والتي كان يُعتقد في البداية أنّها من الزواحف المجنحة Pterodactyl) وادعوا أنها لم تكن أركيوبتريكس على الإطلاق، بل كانت نوعًا غير معروف أبدًا من الديناصورات وحشيات الأرجل، ويبدو أن هذا التحليل ما يزال قائمًا حتى الآن.

بعد ذلك في عام 2019، أُعيد تحليل عينة فردية من أحفورة كانت عبارة عن ريشة واحدة، وقد كان رأي الباحثين أن هذه العينة أيضًا تنتمي إلى نوع غير معروف، مستشهدين بانحناء الريشة.

مع ذلك، أدى هذا إلى استجابة في أواخر عام 2020؛ إذ وجد فريق آخر من علماء الحفريات أن هذا الانحناء غير صحيح. وعلى أي حال، قد يكون انحناء الريشة متغيرًا بدرجة كبيرة.

إضافةً إلى ذلك، قالوا أنه قد عُثر على أحفورة الريشة في موقع ما مع عينات أخرى من الأركيوبتركس، وتشبه ريش الأركيوبتركس الآخر في الحجم والشكل.

سواء اعتُبر أن هذه المسألة قد حُلت أم لا، يمكننا أن نكون على يقين من أننا لم نشهد آخر دراما للأركيوبتركس بعد، نظرًا لأن هذا الحيوان غامض جدًا. وبغض النظر عن أين سيذهب النقاش، سيمنحنا ذلك فرصة رائعة لتعلم شيء جديد عن عالمنا، تمامًا مثل كل قطعة من الأحافير التي احتفظ بها كوكبنا في أعماقه الرائعة.

اقرأ أيضًا:

قد تمتلك التيروصورات والديناصورات أصلًا مشتركًا مثلما كشفت بعض الأحافير

العثور على أقدم أحفورة بشرية في شبه الجزيرة العربية تعود إلى 86 ألف سنة على الأقل

ترجمة: علي شاش

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر