هناك مثل قديم يقول: «الأولاد سيظلون أولادًا ولكنّ البنات يضحكن أخيرًا»، وبالفعل أوضح الباحثون أن أدمغة النساء تشيخ بصورة بطيئة مقارنةً بالرجال.

يُشير مؤلِّفون إلی أنّ أدمغة النساء تظهر أصغر سنا بمعدل 3 سنوات من نُظرائهنّ الرجال في نفس العمر؛ وهذا بدوره يُقدّم دليلًا يُجيب التساؤل القائم: لماذا تميل النساء للحفاظ علی عقليّة قوية مدةً أطول من الرجال؟

يقول الباحث د.مانو جويال -الأستاذ المساعد في معهد الأشعّة في جامعة واشنطن-: «تؤدّي النساء بصورة أفضل في الاختبارات المعرفيّة والإدراكيّة مقارنةً بالرجال مع تقدم السن».

لقد لاحظ العلماء أنّ أدمغة الأشخاص تتغيّر في التركيب والوظيفة مع تقدم العمر.

ويوضح د.جويال أن أحد التغيّرات مرتبط بكيفيّة استخدام الدماغ للسكَّر والأكسجين باعتبارهما مصدرين يُمدّانه بالطاقة لأداء وظائفه.

وقد قال أيضًا: «يعتمد الدماغ علی سكّر الجلوكوز والأكسجين ليلبّي احتياجاته الأيضية، فضلا عن ذلك فإنه يستهلك كميات كبيرة جدًا من مصادر الطاقة.

ولكن مع التقدم في السن تتغيّر كيفيّة استخدام الدماغ لمصادر الطاقة وتتغيّر أجزاء الدماغ التي تستهلك معظم الكميّة».

انطلق د.جويال مع زملائه الباحثين لرؤية ما إن كان باستطاعة برنامج حاسوبيّ باستخدام نمط من عمليات الأيض الدماغيّة أن يتنبّأ بعمر الأشخاص؟ وقد أبلى بلاءً حسنًا ولكنّه وقع ببعض الأخطاء؛ مما استدعى فريق البحث لإعادة النظر.

أجرى الباحثون دراسة على ٢٠٥ أشخاص تتراوح أعمارهم [٢٠-٨٢] سنة، أُخضعوا إلى مسح تصويري لأدمغتهم موضحًا تدفّق السكّر والأكسجين، وتم استخدام تلك البيانات وإضافتها إلی برنامج الحاسوب.

مركبٌ موجودٌ في التفاح يمكن أن يبطئ الشيخوخة

وقد أوضح د.جويال قائلًا: «كنا ننظر في النساء مقابل الرجال في إحدی زوايا عملنا، وحين شرعنا في المقارنة، تفاجأنا عندما كانت الآله تحاول حساب عمر دماغ امرأة مقارنةً برجل، وأوضحت الآلة أنّ عمر دماغ المرأة أقلّ بعض الشيء من الرجل»، واستكمل قائلًا: “تظهر أعمار أدمغة النساء أصغر من الرجال، في المتوسط الحسابي من ناحية عمر الدماغ الأيضيّ (كيف يبدو نمط عمليّة الأيض للدماغ).

بدأ الفريق باختبار الخوارزمية عن طريق تغذيتها بأعمار أدمغة الرجال وعمليات الأيض الخاصة بأدمغتهم، وبعد ذلك أضافوها إلى بيانات عمليّات الأيض الجارية داخل أدمغة النساء.

أوضحت الخوارزمية بالاعتماد على مؤشر الذكور، أنّ أدمغة النساء تبدو أصغر بمعدل 3.8 سنوات من عمرهن الحقيقي.

ثم حاول الباحثون استخدام مؤشر الإناث مع أعمارهن وعمليات أيض أدمغتهن؛ وبطريقة مشابهة أوضحت الخوارزميّة أنّ عمر أدمغة الرجال أكبر بمعدل 2.4 سنوات عن أعمارهم الحقيقية.

وكان هذا الشباب النسبيّ لأدمغة الإناث ملحوظًا حتى عند مقارنة الرجال بالنساء في العشرينيّات من أعمارهم، كما قال باحثون.

وأنكر د.جويال قائلا: «ما يبدو لا يعني أنّ أدمغة النساء تشيخ بصورة أبطأ من الرجال؛ وإنّما تبدأ في مرحلة مبكّرة عندما تصل إلی البلوغ وتحافظ علی ذلك طوال الفترة المتبقيّة من مرحلة البلوغ، كأنها تؤسّس نفسها بشراء عدة سنوات إضافية».

يعتقد الباحثون أن النساء تكسب تلك الميزة أثناء مرحلة البلوغ.

لماذا يعتبر الرجال أقل عرضة للاكتئاب من النساء؟

يقول د.جويال: «يمر كلا الذكور والإناث بمرحلة البلوغ، ولكن التغيّرات الدماغيّة مختلفة تمامًا. ففي الذكور يقل تدفّق الدم إلی أدمغتهم قليلًا أثناء فترة البلوغ؛ أمّا بالنسبة للنساء، فلا يقل كثيرًا.

وللدقّة أكثر، فهو يقل مؤقّتًا ثمّ يعاود التدفّق بشكل أكبر.

تلك الاختلافات حول كيفيّة تطوّر أدمغة النساء والرجال طوال فترة البلوغ تُمهّد الطريق حول كيفيّة وصولهم إلی الشيخوخة لاحقًا».

فبالرغم من ملاحظة د.جويال إلّا أنّ تلك التأثيرات صغيرة نسبيًا، ولا يمكن الاعتماد عليها لتفسير التغيّرات المختلفة في قوّة الحالة العقلية التي تحْدث أثناء التقدم في السن.

ويصف د.جويال (الخرف-Dementia) -وهي عملية تتميز بوجود اضطرابات تحدث داخل أجزاء كثيرة من الدماغ مرتبطة بالتعلّم والذاكرة واتّخاذ القرار- بأنه عملية معقدة؛ ما قد يعني شيئًا من المرونة عند النساء مع جوانب الشيخوخة بشكل عام، ولكنّ هذا قد يفتح الباب علی نقاط ضعف محددة؛ فامتلاك دماغ صغير في العمر لفترة أطول قد يجعل الدماغ أكثر عرضةً وأكثر ضعفًا أمام التحديّات أيضًا، ونحن نتوخى الحذر الشديد في عدم التكهّن بما يعنيه هذا من ناحية الخرف المتلازم وما إلى ذلك.

يقول د.جاياتري ديفي – أخصّائيّ الأعصاب في مستشفی لينوكس هيل في نيويورك-: «في الواقع، قد يرتبط أيض الدماغ بعلاقة ضعيفة مع بعض الأمراض مثل: الزهايمر والخرف».

»إن دماغ الأنثى النموذجي أكثر شبابًا من دماغ الرجل النموذجي خلال الحياة، وهذا الاختلاف موجود حتّى في الأدمغة التي تُظهر بضع لويحات من بروتين يسمى (أميلويد – Amyloid)، والذي يُعتبر سببًا لمرض الزهايمر، رغم أنه لم يتواجد أي شخص يعاني من أعراض الحالة»، إلا أن د.ديفي قال موضّحًا بعض النتائج التي توصّلوا إليها خارج الدراسة.

واستكمل قائلًا: «بالرغم من ذلك الشباب النسبيّ لأدمغة النساء إلّا أنّهن عرضة للإصابة بمرض الزهايمر أكثر من الرجال!؛ فهرمون الإستروجين -الذي يزيد من حيويّة مناطق الدماغ بما فيها الذاكرة- سرعان ما ينحدر بعد سن اليأس.

وهذا قد يكون عاملا مُضادًّا لعدّة عوامل تقف أمام إصابة النساء بالزهايمر».