يطفئ المنبه، يحدق في وعاء حبوب الفطور، ويذهب إلى العمل بنفس الوجه والروتين، ويستمر علي هذه الحالة حتي يلاحظ أنه بشر عندما يبدأ شعره في السقوط، فيذهب إلى السكرتيرة غاضباً هائجاً، فيترك عمله ويشتري سيارة حمراء مكشوفة السقف ونحن جميعاً نقر ونعترف بأزمة منتصف العمر التي لا مفر منها لأنها راسخة في تفكيرنا مثل التفكير الإيجابي.

بينما تقول عالمة النفس مارجي لاخمان من جامعة برانديس في ولاية ماساشوستس” إن أزمة منتصف العمر

تناسب الروايات أو الأفلام الجيدة، ولكنها ليست دقيقة”.

وتقول ألكسندرا فرويند، وهي باحثة في جامعة زيورخ في سويسرا “ليس هناك وقت محدد في الحياة تكون معرضاً فيه لهذه الأزمة، فيمكن أن يكون هناك أوقات تتبلور فيها الأمور وتصبح مشكلة وتسبب اضطراباً شديداً علي الحياة”.

وقالت فرويند ل لايف ساينس” يمر الناس بهذه الأنواع من الأزمات لكنها ليست مرتبطة كلها مع السن بالإضافة لذلك، تقول لاخمان“ أن الأزمات عادة ما تحدث عن طريق بعض الأحداث المؤلمة مثل التراجع الوظيفي، أو موت صديق أو قريب، أو الأمراض.

وأوضحت فرويند أن الأوبئة ليس لها تأثير كالمواقف السلبية مثل فقدان الأمل في العمل عند الوصول لمنتصف العمر بينما إذا أعدنا تنشيط الرغبة الجنسية أو التوق إلى السيارات الرياضية (الذي يوجد عند ممثلي هوليوود)، فماذا يحدث للشخصية خلال هذه السنوات؟

استقرار الشخصية:

واحدة من المفاهيم الخاطئة الشائعة هو أن أزمات منتصف العمر تحفز بسبب أدراك مفاجئ بأنه تم التخلي عن القيم وأهداف الشباب، الذين يتطلعون لراحة أكثر، وأن هذه القيم قد بيعت.

وتجد فرويند أن مثل هذه الأمور محيرة وهي تسأل لمن بيعت؟

فوجد الباحثون أن في عملية اكتشاف الشباب لأنفسهم سوف يصارعون لعملية بناء أهدافهم ومبادئهم، وبعد مرحلة الشباب تبقى الشخصية ناضجة ومستقرة لبقية حياة الشخص.

وتتحدث فرويند عن الأهداف فتقول “إن الأهداف الجديدة عادة ما تختلف عن الأهداف الأصلية والتي ترتبط مع القيم الأساسية للشخص، علي سبيل المثال الشخص الذي يهتم بالمشاركة في الأوساط الأكاديمية لأول مرة مثل الخريج فهو يقوم بنشر أبحاثه بشغف وهو في منتصف العشرينيات، ولكن بعد ذلك، حين يبلغ الخمسين ومن خلال التدريس للطلاب يتغير المنهج وليست القيم”.

بالنظر للثقافات الأخرى فتجد أنه لا يوجد بها ما يسمى بمنتصف العمر، ناهيك عن أزمة منتصف العمر، وذلك وفقاً لبحث قدم في كتاب ريتشارد شويدر “مرحبا ً بكم في العصور الوسطى” والذي صدر من مكتبة شيكاغو عام 1998 وهناك روايات ثقافية آخرى ولكن في الثقافات الغربية عادة ما يحدد منتصف العمر من 30-75 سنة، وهذا يتوقف على عمر الشخص الذي تم سؤاله، بينما يقول علماء النفس أن فترة منتصف العمر بين 40-65 سنة وهناك بعض المرشحين للأوسكار الذين يمرون بهذه المرحلة أمثال كولين فيرث، خافيير بارديم، أنيت بينينغ، وانضمت حديثاً نيكول كيدمان لهذه الفئة العمرية، لكن لاخمان وفرويند أكدتا على أن العمر الزمني ليس المؤشر.

ولعل أفضل تعريف لفترة منتصف العمر يتضح من خلال الحياة الاجتماعية للفرد، ففي منتصف العمر يكون الناس على علاقات وثيقة سواء مع كبار السن أو الأصغر منهم سناً.

فعلى سبيل المثال، الكثير من البالغين في منتصف العمر يعتنون بأطفالهم ووالديهم المسنين

أزمة منتصف العمار ليست أزمة:

في منتصف العمر يميل الناس إلى تقديم مساهمات إيجابية في المجتمع من خلال التفاعل مع الناس من مختلف الأعمار بشكل كبير، وتشمل هذه التفاعلات العلاقات الرسمية وغير الرسمية، والعلاقات الطبقية والعلاقات الحيوية عبر الأجيال.

ويقول الباحثون برنيس نيوغورتين ونانسي داتان في بحثهم سنوات المنتصف “أن البالغين في منتصف العمر لمم يعودوا منقادين بل أصبحوا قادة.

فمرحلة البلوغ المتوسط تأتي مع قدر أكبر من السيطرة أكثر من فترات الحياة الأخرى، أما فترة الشباب فهي على النقيض تماماً فهي تكون مرحلة السعي، بينما مرحلة البلوغ المتأخر عادة ما تكون فترة خسارة الأصدقاء والعمل والصحة.

وقالت فرويند “الشكوى الأكثر شيوعا في منتصف العمر ليست الملل على عكس الشباب، ولا الشعور بالأزمة ففي هذا العمر يكون الناس أكثر خبرة بأنفسهم فإنهم يعرفون ما هو جيد لهم وما هو ليس كذلك”.

وقد وجد الباحثون اللذين قاموا بأبحاث في هذا الصدد أن المشكلة الرئيسية بالنسبة للأشخاص الذين في منتصف العمر هو شعورهم بأنهم غير قادرين على الحصول على أي شيء.

ففي مرحلة البلوغ المتوسط، أنت تعيش لأقصى درجة ممكن، لقد حققت الكثير في عملك، والأطفال يكبرون، أنت في صحة جيدة وتحصل على موارد أكثر مما كنت عليه عندما كنت طالباً، وليس هناك الكثير من الوفيات في حياتك الاجتماعية.

وقالت فرويند عليك أن تعرف أين أنت ذاهب ولا تكثر من استجواب نفسك بعد الآن.

ومنتصف العمر ليست خالية من التغيرات الهامة، مثل انقطاع الطمث للأناث و الطمث عند الرجال (andropausee) وفراغ البيت فيتوفى أحد الوالدين غالباً في مرحلة البلوغ المتوسطة، ولكن ليس الجميع يرى هذه التغييرات سلبية.

فانقطاع الطمث و فراغ المنزل على سبيل المثال يمكن أن يؤثروا ايجابياً علي العلاقة الجنسية.

وتقول فرويند” أنه عندما سأل المسنين عن أي عمر يريدون أن يرجعوا إليه، قالوا في أغلب الأحيان منتصف الأربعينيات.

أصل الأسطورة:

إذا كانت فترة منتصف العمر رائعة، فمن أين تأتي أسطورة أزمة منتصف العمر؟

ففي عام 1960 ، كان هناك طبيب نفساني اسمه إليوت جاك صاغ مصطلح” أزمة منتصف العمر” على أساس دراسته للمرضى والفنانين اللذين كانوا يعانون من الإكتئاب والقلق من ازديادهم في العمر.

فتقول فرويند لمجلة live science “أن مصطلح أزمة منتصف العمر انتشر كالنار في الهشيم، لإن الجميع يعرفف شخصاً يناسبه هذا القالب، ولكن ماذا عن كل الناس الذين نعرفهم وهذا اللقب غير مناسب لهم؟

ففرويند و لاخمان ومعظم علماء النفس يرفضون دراسات جاك وذلك بسبب أنها لا تمثل الوسط كله فمن المعروف أن الفنانين يقومون بتهويل حياتهم بل هو عملهم تقريبا وتشير فرويند إلي أن الأكثر عصبية بيننا هم الأكثر عرضة للأزمات في أي مرحلة من مراحل الحياة.

وعلى الرغم من عقود البحث انتشر هذا المفهوم وبقي في الحضارات الغربية لاسيما تطبيقه على الرجال، وإن المؤسس الحقيقي لأزمة منتصف العمر رسم صورة للرجل الذي يتلعثم من دون حتى التفكير، حتى يسمع نداء الاستيقاظ في منتصف العمر.

وقالت فرويند “أن المزيد من البحوث التي أجريت مؤخراً أظهرت أن الرجال مثل النساء من ناحية انعكاس الذات وأن الجنسين ليسوا عرضة لأزمات الحياة المتغيرة بتغير السن.

وتقول فرويند” أما بالنسبة لفكرة أن منتصف العمر يحفز المخاوف بشأن الوفاة، فإن التوقيت هو الفيصل، فيميل الناس إلى التفكير في الموت في سن المراهقة، وعندما يدركون أن ذلك سيحدث عاجلاً أم آجلاً يتوقفوا، ثم تأتي المراحل المتأخرة من العمر، عندما يدركون أن وقتهم قادم لا محالة فيتفكرا في الموت والنهاية، أما فترة البلوغ المتوسطة فالناس تكون مشغولة جداً عن القلق من الموت”.

وقالت لاخمان” قد تكون أزمة منتصف العمر مفيدة حتى لو كانت التسمية خاطئة ففي منتصف العمر نأخذ لمحة عن الفترة القادمة ونستطيع عمل تعديلات ملائمة جسدياً ومالياً واجتماعياً فعلى سبيل المثال تظهر العلامات الأولى للمرض المزمن في مرحلة البلوغ وبالتالي نستطيع معالجته.

أما فرويند فيقول” يجري معظم الناس تعديلات في مختلف مراحل حياتهم وليس فقط في منتصف العمر فالحياة عبارة عن عملية مستمرة والحياة تكون في كل يوم.


  • ترجمة: إلهام حج علي
  • تدقيق: يحيى أحمد
  • تحرير: طارق الشعر
  • المصدر