يُقال إن الجمال يكمن في عين الناظر، لكن ما هو النظر بالضبط؟ كيف نرى الأشياء؟ كيف نميز بين لون الوردة وملامح من نحب؟ كيف تتم العملية بأكملها؟ ربما تتذكر الكثير من التفاصيل الفنية من فصول علم الأحياء في المدرسة، لكن في هذا المقال الموجز سنحاول أن ننشط ذاكرتك ونضيف إليها معلومات قيمة. حسنًا، لا تنحصر العملية برمتها في علم الأحياء، إذ تؤدي الفيزياء دورًا رئيسيًا كذلك. يمكن القول إن كل شيء في علم الأحياء هو في الأساس فيزياء، لكن لتجنب التمييز دعنا نقول علم.

يُذكر أن موضوع الرؤية واسع جدًا، لذلك لا يُعد هذا المقال دليلًا شاملًا بأي حال من الأحوال، لكننا نأمل أن يمدك بنظرة عامة جيدة.

كيف نرى الأشياء؟

الضوء:

يرى البشر ضمن جزء ضيق جدًا من الطيف الكهرومغناطيسي. يُكشف عن هذه الأطوال الموجية باستخدام خلايا متخصصة في شبكية العين تسمى بالخلايا المخروطية -أو المخاريط cones- التي يبلغ عددها في العين البشرية بين ستة وسبعة ملايين في المتوسط. أمر مذهل، أليس كذلك؟! هنالك المزيد، تتمركز معظم هذه الخلايا في جزء تُقدَّر مساحته بـ 0.3 ملليمتر من شبكية العين، يُسمى بالنّقرة المركزية fovea centralis. ما تراه في الواقع هو الضوء المنعكس من جسم ما. لنأخذ الموز مثالًا: يسقط الضوء على ذرات قشرة الموز، فيُمتص بعضه ويُعكس بعضه الآخر. كمية الضوء المُمتصة والمنعكسة تعتمد كليًا على مادة الجسم.

في الموز الناضج، تنعكس أطوال موجية من 570 إلى 580 نانومتر، هذه هي الأطوال الموجية الخاصة بالضوء الأصفر. عندما تنظر إلى موزة، يدخل الضوء المنعكس إلى عينيك ويتفاعل مع المستقبلات الضوئية (العصيّ والمخاريط) في شبكية العين. تستجيب المخاريط للضوء وترسل نبضات كهربائية عبر شبكة الخلايا العصبية والعصب البصري لتصل في آخر المطاف إلى الدماغ الذي يصنفها على أنها صفراء.

لم ننتهي بعد، ماذا عن العصيّ (rods)؟ هي نوع آخر من الخلايا المستقبلة للضوء لكنها تتفاعل مع مستويات منخفضة جدًا منه، وتشارك أيضًا في الرؤية الليلية. تعرض هذه الخلايا الصور بالأبيض والأسود أو بتدرج رمادي، وهذا هو السبب الذي يجعل الأشياء تبدو رمادية في الليل. تساهم هذه الخلايا أيضًا في تحديد تباين الصور في دماغك، إضافة إلى أنها تؤدي أدوارًا رئيسة في تشكيل الرؤية المحيطية واكتشاف وتتبع الحركة وتحديد الصورة والشكل، وعمليات أخرى. يوجد منها حوالي 120 مليونًا في كل عين.

العين:

تطورت العين عدة مرات عبر ملايين السنين، وهي سمة مشتركة لمعظم أشكال الحياة على الأرض وستظل كذلك في المستقبل. العيون أنواع وأشكال، إما بسيطة جدًا، كالكاميرا ذات الثقب، أو معقدة جدًا مثل الكاميرا الخاصة بنا. لدى بعض أقدم أشكال الحياة على الأرض آثار تعد شكلًا من أشكال العين بلا شك، أو على الأقل عضوًا حساسًا للضوء.

جهاز مُبرمَج جيدًا:

العين البشرية، أو أي عين فقارية، هي عضو متطور للغاية. مع ذلك تشوبها الكثير من عيوب التصميم التي من شأنها أن تخيب آمالك لو فكرت في الأمر. من جهة تبدو معكوسة وغير فعالة للغاية، بيد أن الخلايا الحساسة المستقبلة للضوء (العصيّ والمخاريط) تقع خلف الخلايا العصبية الناقلة للبيانات، تحديدًا في مؤخرة العين الداخلية للشبكية! يا للرعونة! هذا البناء الغريب والمتناقض حيّر العلماء لعقود، ورغم كون العين مثالًا لعملية ارتقاء تراكمية تدريجية بفضل التطور، فإن تصميمها الغريب يبدو في نظر الكثير مجرد حالة شاذة في الطبيعة.

هل شبكية العين معكوسة؟

قد يكون للباحثين في لايبزيغ تفسيرًا أفضل من وصف حالة شاذة في الطبيعة. تظهر النتائج التي توصلوا إليها أن الخلايا الدبقية التي تمتد على عمق الشبكية وتربط الخلايا العصبية بالمخاريط قد يكون لها بعض المهام المثيرة للاهتمام. هذه الخلايا ضرورية لعملية التمثيل الغذائي وهي أكثر كثافة في شبكية العين من الخلايا الأخرى. شبكية العين شفافة ويبدو أن كثافة الخلايا الدبقية وRI تعمل على توجيه الضوء، مثل عمل أسلاك الألياف الضوئية.

بعد تصميمهم نموذجًا لشبكية العين، وجد الباحثون أن الخلايا الدبقية تعمل على تحسين الرؤية البشرية. أمر آخر اكتشفوه، وإن كان غريبًا بعض الشيء: يمر الضوء الأخضر والأحمر عبر شبكية العين بسهولة نظرًا لكونهما أفضل الأطوال الموجية للرؤية اليومية مقارنة باللون الأزرق، الذي يتركز بقدر كبير في النهار، وبالتالي تقل الحاجة إلى رؤيته في أثناء ذلك. لا ينبغي لأي شخص يفهم التطور أن يفاجئه هذا الأمر.

المعالج والبرمجيات:

حسنًا، ربما ستتعقد الأمور قليلًا في هذه المرحلة من مقالنا. إذا كنا نتحدث عن الدماغ بمثابة كيان مادي، فمن المحتمل أن يكون هذا الكيان مصحوبًا بمجموعة من البرمجيات كذلك. ربما يكون المعالج هو المصطلح الأنسب لوصف الدماغ نظرًا إلى الكم الهائل من البيانات المُرسلة إليه.

تُستقبل معلومات شبكية العين بعد نقلها عبر الأعصاب البصرية والنواة الركبية الوحشية بواسطة القشرة البصرية. من هنا تبدأ عملية فك التشفير.

يتكون هذا الجزء من الدماغ (القشرة البصرية) من ثلاث طبقات تؤدي كل منها –رغم ارتباطها- مهمة مختلفة. العملية غير مفهومة تمامًا ولكن يبدو أن الابحاث على القرود والدراسات النفسية تشير إلى ما يلي:

«تدعم الدراسات النتائج التي حصلنا عليها عبر الأبحاث على الحيوانات. تُظهر هذه الدراسات أن إدراك الحركة والعمق والمنظور والحجم النسبي للأشياء والحركة النسبية للأشياء والتظليل والتدرجات في النسيج تعتمد جميعها بصورة أساسية على التباين في شدة الضوء بدلاً من اللون». – حقائق الدماغ
من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن العملية في آخر المطاف هي مزيج بين المعالجة اللحظية والخبرات السابقة للدماغ، الذي يُنتَج بفعالية صور ومحاكاة للعالم من حولك، وهذا هو السبب في وجود ظواهر مثل الديجا فو deja vu، وكذلك بعض الأحلام التي تكاد تكون واقعية للغاية، إذ نختبر مثل هذه الصور ونشعر بها وكأنها حقيقة، تمامًا مثل النظر إلى موزة اعتيادية.

اقرأ أيضًا:

كيف تطورت العين؟

ما هو السبب وراء قدرة العين البشرية على تصور الأشباح؟ العلماء يضعون الإجابة

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: طارق طويل

مراجعة: نغم رابي

المصدر