أفانتازيا هي ظاهرة لا يستطيع فيها الناس تخيل الصور. ويستطيع معظم الناس استحضار صورة مشهدًا أو وجهًا في أذهانهم، بعكس من تصيبهم أفانتازيا فهم لا يستطيعون ذلك.

تخيل أنه يوم صيفي دافئ وأنك جالس على جانب حمام سباحة، تشرق الشمس ويلعب الأطفال، ما نوع الصور التي تراها في ذهنك عندما تفكر في هذا المشهد؟ قد لا يتمكن من لديه أفانتازيا من تصور أي نوع من هذه الصور في رأسه، يُوصف خيال هؤلاء بأنه أعمى.

وهذه القدرة على تصور الأحداث والصور تؤدي دورًا مهمًا في حياة الناس. غالبًا ما يتخيل الناس المشاهد والأشخاص والخبرات والتخيلات والأشياء والأحداث المخطط لها، من بين أشياء أخرى. عندما تفكر في صديق مثلًا، تتخيل على الفور وجهه داخل عقلك. بينما يعجز مصابو أفانتازيا على تصور مثل هذه التصور الذهني.

إذا طلبت من شخص مصاب أن يتخيل شيئًا ما، فسيتمكن غالبًا من وصف الشيء، وشرح المفهوم، واستحضار الحقائق التي يعرفها عن الشيء. لكنه لن يقدر على تجربة أي نوع من التصور الذهني المرافق لهذه المعرفة.

علامات تدل على أفانتازيا:

إن كنت تظن أنك مصاب بأفانتازيا فضع في اعتبارك الأسئلة التالية:

فكر في صديق أو أحد أفراد الأسرة، وحاول استحضار صورة لوجههم في ذهنك. ما درجة وضوح رؤيتك لملامحهم ووجههم وشعرهم وشكلهم؟ ما درجة وضوح حركاتهم وإيماءاتهم المميزة؟ هل تستطيع تصور ملابس ذلك الشخص بوضوح؟

إذا كنت تواجه صعوبةً في إجابة هذه الأسئلة، فقد تكون مصابًا بدرجة من أفانتازيا. وُصف هذا النقص في التصور الذهني في أوائل القرن التاسع عشر، ومع ذلك بقي ظاهرة غير مدروسة نسبيًا.

وصف فرانسيس جالتون الحدث لأول مرة في ورقة بحثية عن التصور الذهني نُشرت عام 1880. لوحظ أن الناس يختبرون درجات مختلفة من الوضوح عند وصف تصورهم الذهني، وذكر أيضًا أن بعض الأشخاص لم يختبروا أي تصور بصري على الإطلاق.

ما تزال الحالة غير مدروسة بما يكفي وغير مفهومة جيدًا، مع أن البحث مستمر. حُصل على الكثير من المعلومات المتاحة من بعض الدراسات الصغيرة ومن الأشخاص الذين وصفوا أعراضهم. لم يكبر الاهتمام بالموضوع إلا بعد نشر دراسات إضافية. قدمت دراسة أُجريت عام 2015 أول استخدام لمصطلح أفانتازيا وأدت إلى تجديد الاهتمام بهذه الظاهرة. إذ تواصل المريض (MX) مع مؤلفي الدراسة المجراة، إذ فقد مؤخرًا قدرته على تصور المعلومات بعد إجراء عملية جراحية بسيطة.

في عام 2005، زار رجل متقاعد يبلغ من العمر 65 عامًا طبيب أعصاب اسمه آدم زيمان خريج كلية الطب بجامعة إكستر، خضع الرجل (MX) لعملية جراحية بسيطة أدرك بعدها أنه لم يعد قادرًا على تخيل الصور في ذهنه.

لم يُظهر بحث زيمان في الأدبيات الطبية سوى القليل من الشرح حول سبب عدم قدرة المريض على تصور الأمور في ذهنه بعد الإجراء الجراحي. تجادل الباحثون مدة طويلة حول كيفية عمل هذه القدرة على التصور داخل العقل والدور الذي قد تؤديه في التخطيط والذاكرة.

بينما وصف المريض عدم وجود تصور ذهني تقريبًا، كان أداؤه في اختبارات الإدراك والصور المرئية والذاكرة المرئية طبيعيًا.

بعد نشر تفاصيل حالة المريض في عام 2010، تواصل مع الباحثين كثير من الأفراد الذين وصفوا أنهم يعانون أعراضًا مماثلةً طوال حياتهم.

حققت دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة نيو ساوث ويلز في مسألة أن مصابي أفانتازيا غير قادرين حقًا على تكوين صور ذهنية أو إذا كان استحضارهم ضعيف لهذه الصور. طلب الباحثون من المشاركين تخيل صورة. ثم عُرضت صورتان مختلفتان على المشاركين عبر سماعة رأس ثلاثية الأبعاد. رأت إحدى العينين صورة، بينما رأت العين الأخرى صورة مختلفة تمامًا. عندما يُطلب من الناس تخيل إحدى هذه الصور من المحتمل أن يرى الأشخاص الذين ليس لديهم أفانتازيا الصورة التي تصوروها سابقًا. لم يظهر مثل هذا الارتباط بين الصورة المتخيلة والصورة السائدة التي يراها الناس. تُشير هذه النتائج إلى أن الأشخاص الذين يعانون أفانتازيا لا يتذكرون تصوراتهم بشكل سيئ، بل ليس لديهم تصورات بصرية من الأساس.

ومع أن البحث محدود فإن النتائج المتاحة تقدم بعض الأدلة على ما قد يفسر أفانتازيا.

في حالة (MX)، وجد التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن أنماط تنشيط الدماغ عند النظر إلى صور الوجوه الشهيرة لم تختلف كثيرًا عن المعيار، لكن عندما حاول المريض تخيل الصور، تبين انخفاض كبير في أنماط التفعيل عبر الشبكات الخلفية، بينما زاد نشاط المنطقة الأمامية بشكل ملحوظ مقارنةً بالمعيار. وهذا يشير إلى أن المريض اعتمد على استراتيجية معرفية مختلفة في أثناء مهمة التصور.

تشير مثل هذه النتائج إلى أن أداء مهام الذاكرة المرئية والصور المرئية لا يعتمد على التجربة الفعلية للصور المرئية.

أفانتازيا والذاكرة:

عندما يستدعي الناس ذكرى معينة، يستطيعون غالبًا تخيل الأحداث كما لو كانوا يعيدون تشغيل مقطع فيديو للحدث، وغالبًا ما يتذكرون صورًا محددةً تبرز في الذاكرة. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون أفانتازيا، غالبًا ما تتكون ذكريات الأحداث ببساطة من قائمة الحقائق.

إن الطبيعة الدقيقة لهذه الحالة وتأثيرها ليس واضحًا بعد، لكن الأبحاث تشير إلى أنه من الممكن أن يكون لأفانتازيا تأثير سلبي في الذاكرة. قد يتذكر الشخص المصاب يوم الزواج، وأسماء الأشخاص الذين حضروا، وحتى كيف كان الطقس في ذلك اليوم، لكنه لن يتمكن من تكوين صورة ذهنية للحدث.

أفاد بعض المتأثرين بالحالة أيضًا بوجود صعوبة في التعرف على الوجوه أو التنقل في المساحات. مع ذلك، قد يكون لهذا النقص في الذاكرة البصرية بعض المزايا المحتملة. نظرًا لأن أفانتازيا تؤدي إلى نقص في الصور المرئية، فقد يكون الناس أقل عرضةً للتأثر بذكريات الماضي المزعجة.

يختبر مصابو أفانتازيا التصور المرئي في أثناء الحلم، وهذا يشير إلى أن التصور المتعمد والطوعي هو الوحيد الذي يتأثر بهذه الظاهرة.

أوضح زيمان لمجلة Science Focus التي تبث على بي بي سي أن هذا ممكن، لأن عمليات الدماغ في أثناء اليقظة تختلف عن عملياته في أثناء الحلم.

تنشأ صور الأحلام من عمليات تصاعدية يتحكم فيها جذع الدماغ. من جهة أخرى، يتطلب التصور معالجة من الأعلى إلى الأسفل وينشأ في قشر الدماغ.

العيش مع أفانتازيا:

قد يكون عدم القدرة على تخيل الأشخاص والأماكن أمرًا مزعجًا لمصابي أفانتازيا، كعدم القدرة على تخيل وجه أحد أفراد أسرتهم الذي توفي.

تشير الدراسات المتاحة إلى أن الإصابة بأفانتازيا لا تضر بالضرورة بنجاح الشخص في الحياة، إذ وجدت الظاهرة لدى الأشخاص المختلفين ومن جميع المجالات مثل طلاب الدكتوراه والمهندسين والمهن الأخرى.

من المهم ملاحظة أن هذه الظاهرة هي تباين طبيعي في التجربة البشرية، وليست حالة تتطلب العلاج. لكن هذا لا يعني أنها لن تؤثر في مختلف جوانب الحياة. يؤدي التصور الذهني دورًا في التعلم أيضًا، وعدم القدرة على تصور المشاهد في عقلك قد يجعل جوانب معينة من التعلم أكثر صعوبة.

ما يزال هناك عدد من الأسئلة حول هذه الظاهرة، مثل مدى انتشارها ودور المكون الوراثي. يقترح الباحثون أن الأبحاث المستقبلية للحالة لن تركز فقط على أسبابها وتأثيراتها، ولكن أيضًا على الطرق الممكنة لتحسين القدرة على التصور الذهني، لكننا نحتاج إلى مزيد من البحث وفهم أفضل للحالة لتقديم مثل هذه التوصيات.

إذا كنت تشك في أنك مصاب بأفانتازيا، فكر في استكشاف بعض استراتيجيات الذاكرة الجديدة. يجعل عدم القدرة على التصور بعض أنواع الحفظ أكثر صعوبة، لذلك يجب عليك أن تعثر على تقنية تناسبك.

ومع أنه قد تضعف القدرة على تصور المشاهد أو الأشخاص في العقل، فإن استخدام التصوير الفوتوغرافي والرسوم التوضيحية وبرامج التصميم وأدوات التصور الأخرى سيرمم هذه الفجوة.

ما يزال البحث في ظاهرة أفانتازيا في مراحله الأولى، لذلك ما يزال هناك الكثير لنتعلمه.

لا يدرك الكثير من مصابين أفانتازيا أن تجربتهم تختلف عن تجارب الآخرين. فهي ببساطة جزء من وجودهم وليس لها تأثير يذكر على الطريقة التي يعيشون بها حياتهم.

وصف طبيب الأعصاب آدم زيمان -الباحث الذي ابتكر مصطلح الأفانتازيا- في مقابلة إذاعية مع بي بي سي بأن الظاهرة ما هي إلا «تباين رائع في التجربة الإنسانية وليس اضطرابًا طبيًا».

اقرأ أيضًا:

يمكن أن يكون لديك إحدى الحالات الطبية الغريبة وأنت لا تدري!

الدماغ الأعمى، عندما يستحيل على الأشخاص التفكير بأي صورة

ترجمة: هيا منصور

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر