اكتشف العلماء في العام المنصرم أقوى انفجار نرصده لأشعة غاما على الإطلاق، إذ أصدرت مجرة بعيدة توهجًا هائلاً نتيجة انفجار تقدر طاقته في نطاق تريليون إلكترون فولت، الأمر الذي يعد استبصارًا جديدًا قيمًا جدًا في مجال الفيزياء المتعلق بدراسة تلك الأحداث المفعمة بالطاقة.

استخدم علماء الفيزياء الفلكية ذلك الانفجار وسيلةً لإجراء اختبار جديد دقيق لنظرية النسبية العامة، وكانت نتيجته أن سرعة الضوء ثابتة في الفراغ؛ أي أن النسبية نجحت -مرةً أخرى- باجتياز اختبار صحتها.

يعتمد هذا الاختبار على مبدأ أساسي للنسبية الخاصة يعرف بتناظر لورنتز ومفاده أنه أينما كنت في الكون، فتبقى قوانين الفيزياء -بما في ذلك سرعة الضوء في الفراغ- كما هي.

تقترح بعض النظريات أنه قد ينهار تناظر لورنتز في ما يسمى بإخلال تناظر لورنتز، عند مستويات الطاقة العالية جدًا ما يسبب تغير سرعة الضوء بسبب تأثيرات الجاذبية الكمية، وإن حدث ذلك فسنحتاج لنظرية فيزيائية جديدة لشرحها.

هنا يكمن دور أشعة غاما؛ فهي أكثر الأشعة تأججًا بالطاقة ضمن الطيف الكهرومغناطيسي، وتنتج عن طريق الاضمحلال الإشعاعي للنوى الذرية.

ينفث إشعاع غاما من انفجارات أشعة غاما، ومن النجوم الخامدة مثل النجوم النيوترونية والثقوب السوداء ضمن مجرة درب التبانة.

اكتشف انبعاث أشعة غاما ذاك من النجم الخامد بمستويات طاقة تصل إلى 450 تريليون إلكترون فولت، واستخدم الانبعاث حتى مستوى 100 تريليون إلكترون فولت لاختبار احتمال ازدياد سرعة أشعة غاما ضمن مبدأ إخلال تناظر لورنتز.

أقوى انفجار لأشعة غاما.. تأكيد آخر على النسبية العامة - أقوى انفجار نرصده لأشعة غاما على الإطلاق - اختبار جديد دقيق لنظرية النسبية العامة - تناظر لورنتز

يسمى انفجار أشعة غاما الحديث GRB 190114C الذي حدث في مجرة تبعد 4.5 مليار سنة ضوئية عنا، كانت الطاقة المنبعثة منه منخفضة -بين 0.2 و 1 تريليون إلكترون فولت- لكن بفضلها استطعنا تحديد طريقة جديدة للاختبار، فيجب أن يتراكم إخلال تناظر لورنتز عبر المسافة، ما يجعله أكثر وضوحًا كلما قطعت الأشعة مسافات أبعد.

أوضح عالم الفلك توميسلاف تيرزيتش من جامعة رييكا في كرواتيا: «لم تُجرَ أي دراسة عن إخلال تناظر لورنتز على الإطلاق باستخدام بيانات انفجار أشعة غاما في نطاق طاقة تريليون إلكترون فولت، ببساطة لأنه لم تكن هناك مثل هذه البيانات حتى الآن».

«كنا نتوقع لأكثر من عشرين عامًا أن عملية رصد مثل هذه قد تزيد من الحساسية لتأثيرات إخلال تناظر لورنتز، لكننا لم نستطع تحديد مقدارها حتى رؤية النتائج النهائية لتحليلنا، لقد كانت فترة مليئة بالحماس».

لم تكن مهمة بسيطة، فمن أجل الكشف عن وقت انبعاث الفوتونات -أي عند الانبعاث من المصدر، ما يسمح بحساب سرعتها الإجمالية- يتطلب ذلك وجود بعض الاختلاف في الإشارة.

ومع ذلك انخفض منحنى الضوء الصادر من GRB 190114C برتابة أو سلاسة ما يعني أنه -استنادًا إلى تلك المعلومة وحدها- كان من المستحيل معرفة الوقت الذي استغرقه الضوء بالانتقال عبر الفضاء.

أوضح عالم الفيزياء الفلكية دانييل كيرزبيرج من معهد برشلونة لفيزياء الطاقة العالية في إسبانيا: «عند مقارنة أوقات وصول شعاعين من أشعة غاما بمستويي طاقة مختلفين، فيفترض المرء أنهما انبعثا على الفور من المصدر، ولكن ما تزال معرفتنا بالعمليات التي تحصل في الأجسام الفلكية غير دقيقة بما يكفي لتحديد وقت انبعاث أي فوتون».

لذلك لجأ الفريق إلى النمذجة النظرية للتنبؤ بانبعاث أشعة غاما من المصدر GRB 190114C قبل أن تبدأ التلسكوبات برصده، تشكل نتيجة لذلك منحنىً للضوء ارتفع بنحو حاد، وبلغ ذروته ثم تضاءل برتابة، وكان ذلك مماثلًا تمامًا لما رصد عن المصدر الفعلي.

سمح ذلك للفريق بحساب توقيت الانبعاث، ولم يعثر على أي تأخير متوافق مع إخلال تناظر لورنتز، لكن لا يعني هذا أنه لا يمكن حدوث إخلال تناظر لورنتز عند طاقات أعلى، لكنه يضع قيودًا على كل من إخلال تناظر لورنتز وآثار الجاذبية الكمية.

اقرأ أيضًا:

الزمكان ينحني حول نجم محتضر.. ويثبت مجددًا أن أينشتين كان محقًّا!

أجمل أقوال ألبرت أينشتاين وأشهرها

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر