طور الباحثون حديثًا أوراق الشجر الاصطناعية القادرة على توليد وقود نظيف، وموادها الأولية هي الماء وضوء الشمس فقط، ولاقت التجربة نجاحًا عند اختبارها على مساحة كبيرة من البحر.

ألهمت عملية التركيب الضوئي مجموعةً من الباحثين في جامعة كامبريدج إلى اختراع رقاقة عالية المرونة تكلفتها منخفضة تطفو على الماء بفضل وزنها المنخفض، ما يجعلها أفضل من مولدات الوقود التي تشغل مساحة على سطح الأرض.

اختبر الباحثون هذه الرقائق على نهر كام، النهر الرئيسي الذي يعبر كامبريدج شرق إنجلترا، وتحديدًا جرت الاختبارات في نقاط مشهورة منها جسر التنهدات ومكتبة رين وكنيسة جامعة كينجز، وأظهرت النتائج أن تلك الرقائق بإمكانها تحويل أشعة الشمس إلى وقود بنفس كفاءة أوراق النباتات.

تعتبر هذه المرة الأولى من نوعها التي يُولد فيها وقود نظيف على الماء ونأمل مستقبلًا أن توضع هذه الرقائق في الموانئ أو الممرات المائية الملوثة أو في البحار ونأمل الاعتماد عليها مستقبلًا لنستبدل الوقود الأحفوري المستخدم في السفن ومجال الشحن بها.

في الآونة الأخيرة انتشرت بكثرة تقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والهوائية نظرًا لانخفاض سعرها وتوافرها. لكن هذه التقنيات لم تنفع في مجال الشحن البحري والمجالات المشابهة له التي تتطلب وقتًا أطول في إزالة الكربون.

ومن الجدير بالذكر أنّ 80% من التجارة العالمية تستخدم الشحن البحري الذي يعمل بالوقود الأحفوري، وهذا الأمر يسبب تلوثًا كبيرًا.

لحل هذه المشكلة طورت مجموعة أبحاث البروفيسور إروين ريزنر التابعة لكامبريدج منذ بضع سنوات عدة حلول، وبحثوا عن مصادر مستدامة للوقود تعمل استنادًا إلى التركيب الضوئي. وتوصلوا عام 2019 إلى تطوير أوراق الشجر الاصطناعية التي تنتج غاز التصنيع (Syngas) من أشعة الشمس والماء وغاز ثاني أكسيد الكربون.

غاز التصنيع (Syngas) هو وسيط رئيسي في إنتاج العديد من المواد الكيميائية والمستحضرات الصيدلانية.

النموذج الأولي كان كبير الحجم نظرًا لاحتوائه على ركائز زجاجية سميكة ومطلي بمادة واقية من الرطوبة ولكنه أنتج الطاقة من دمج نوعين من المواد الممتصة للضوء مع محفزات مناسبة.

قال الدكتور فيرجيل أندريه المؤلف الرئيسي للبحث والتابع لقسم يوسف حميد للكيمياء في كامبريدج: «يمكن أن تقلل أوراق الشجر الاصطناعية من تكلفة إنتاج الوقود المستدام بشكل كبير، ولكن نظرًا إلى هشاشتها وكبر حجمها من الصعب إنتاجها ونقلها على نطاق واسع».

وأضاف: «الحل هو التقليل من المواد التي تتطلبها الأجهزة مع الحفاظ على الأداء، وفي حال تمكنا من ذلك ستطفو بسهولة، وتحقيق ذلك يفتح مجالًا جديدًا لاستخدام أوراق الشجر الاصطناعية».

أما النسخ الجديدة من أوراق الشجر الاصطناعية فقد استلهمها العلماء من الشرائح الإلكترونية الحديثة المستخدمة في الهواتف الذكية والشاشات المرنة، وهي بمثابة ثورة في مجال الطاقة النظيفة.

العائق الذي وقف أمام فريق الباحثين هو ركائز الرقاقة التي من المفترض أن توضع عليها ماصات الضوء، إذ يجب أن تكون هذه الركائز خفيفة الوزن وعازلة للماء.

الحل كان أكاسيد معدنية تشكل طبقة رقيقة تسمى البيروفسكايت، تطلى على رقائق بلاستيكية ومعدنية. كانت الأجهزة مغطاة بطبقات كربونية رقيقة عازلة للماء ومانعة للرطوبة. وبالنتيجة توصل الباحثون إلى أجهزة فعالة تشبه أوراق الشجر.

صرح أندريه: «توضح الدراسة أن أوراق الشجر الاصطناعية تتلاءم مع التقنيات الصناعية الحديثة، وشكل هذا خطوة سبّاقة نحو أتمتة وتوسيع نطاق إنتاج الطاقة الشمسية».

وأضاف: «تجمع هذه الأوراق بين مزايا تقنيات الطاقة الشمسية لتحقيقها خفة وزن المواد، مع الأداء المرتفع للنظام».

أظهرت الاختبارات أن تلك الأوراق قادرة على أن تفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين، أو أن تحول غاز ثاني أكسيد الكربون إلى غاز التصنيع.

وقبل دخولها إلى ميدان التطبيق التجاري لا بد من القيام بالعديد من التحسينات عليها، وصرح العلماء أن هذا التطور يتيح لهم آفاقًا جديدة.

صرح أندريه بهذا الخصوص: «بشكل مشابه لمزارع الطاقة الشمسية نتوقع وجود مزارع لأوراق الشجر الاصطناعية في شكل مستوطنات ساحلية أو في الجزر النائية ويمكن أن تغطي القنوات المائية، ويمكننا أن نحمي المياه من التبخر باستخدامها».

صرح ريزنر: «تشغل تقنيات الطاقة المتجددة مساحات واسعة على الأرض. بات بإمكاننا توفير هذه المساحة بنقل الأدوات إلى المسطحات المائية، ونستطيع وضعها في أي مكان وأي دولة».

اقرأ أيضًا:

ما مصادر الطاقة في المستقبل؟

خلية شمسية هجينة يمكنها إنتاج الكهرباء من قطرات المطر

ترجمة: رهف إبراهيم

تدقيق: مهدي أعور

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر