شرح الصورة: اكتشف العلماء شبكةً من الأوعية الشعريّة الّتي لم تكُن معروفةً سابقًا تسمّى بالأوعيّة القشريّة العابرة trans-cortical vessels (TCVs)، (الخطوط الممتدّة للخارج في الصّورة) في عظام الفئران.

أوجدت دراسةٌ حديثةٌ أنّ عظامنا غالبًا تعجّ بشبكاتٍ من الأنفاق المجهريّة الّتي لم تُكتشف مسبقًا.

يمكن أن تكون تلك الأنفاق الصغيرة -الّتي وجدوها في الفئران كما وجدوا القليل منها في أحد الباحثين الفضوليّين- أساسيّةً في نقل الخلايا المناعيّة خارج العظم، إذ تتمّ صناعتها في العظام.

وجد العلماء في هذه الدراسة مئات الأوعية الشّعريّة -الأوعية الدمويّة الأصغر في الجسم- غير المكتشفة سابقًا في عظام السّاق لدى الفئران.

ولكنّ اكتشاف بنيةٍ ما في الفئران لا يعني وجودها في البشر أيضًا وبالتّالي عادةً ما نحتاج إلى وقتٍ طويل لإثبات أنّ ما وجدناه لدى الفئران موجودٌ لدى البشر.

إلّا أننا لم نحتج لوقتٍ طويلٍ في حالتنا هذه، إذ قرّر أحد الباحثين أن يقوم بقفزةٍ نوعيّةٍ وأن يجري الدراسة على البشر، فصوّر ساقه بتقنيّة التّصوير بالرّنين المغنطيسي MRI وراقب حتّى لاحظ دليلًا على وجود تلك الأنفاق لدى البشر.

نُشرت الدراسة في كانون الثاني/يناير في مجلّة Nature Metabolism.

بنيةٌ تشريحيّةٌ مفقودةٌ؟

تُصنع خلايا الدّم داخل العظم في بنية تسمّى نقيّ العظم، وبعد أن يتمّ تصنيعها تتحرّك بسرعةٍ من نقيّ العظم إلى جهاز الدّوران، لم نكن نعلم سابقًا كيف تقوم بالهجرة من العظام إلى الدوران بهذه السرعة.

[سابع أكبر غموض في الجسم البشري]

لكن، يوجد إجراء طبّيّ -يسمّى التسريب داخل العظم- كان يوحي بوجود طريقٍ من نقيّ العظم إلى الأوعية الدموية.

أثناء إعطاء الأدوية بالتسريب داخل العظم، يتم حقنها في عظم المريض ثمّ تدخل بعد ذلك بفترةٍ قصيرةٍ إلى الدوران الدموي وفقًا لفيديو نشر في Nature Metabolism.

ليقوموا بالبحث عن الأنفاق المجهريّة المفقودة استخدم الباحثون مادّةً كيميائيّةً تجعل العظام تبدو شفّافةً (لأنها تزيل المواد المعتمة من العظام ومنها الشحوم)، وبالتّالي يتمّكن الباحثون من أن يروا بوضوحٍ (باستخدام العديد من المجاهر المختلفة) مئات من الأوعية الشّعريّة غير المكتشفة مسبقًا والّتي سُمّيت بالأوعية القشرية العابرة trans-cortical vessels (TCVs).

ثمّ قاموا بتلوين العدلات (أحد أنواع الخلايا المناعيّة) الّتي تُصنع في نقيّ العظم وراقبوا حركتها داخل تلك الأوعية الشعريّة وخارجها ليثبتوا اكتشافهم بأدلّةٍ غنيّةٍ عديدةٍ.

اكتشافٌ مذهلٌ:

شكّل هذا الاكتشاف مفاجأةً كبيرةً لفريق البحث، وأخبر الكاتب الأوّل للدّراسة ماتياس كونزير، بروفيسور علم المناعة التجريبي في جامعة دويسبورغ إيسن في ألمانيا مجلّة Live Science عبر البريد الالكتروني: «لم نكن نتوقّع اكتشاف بنيةٍ تشريحيّةٍ جديدةٍ في عظام الإنسان والفئران في القرن الحادي والعشرين».

ولكن أراد كونزير أن يعرف إذا كان البشر يمتلكون أيضًا تلك الأوعية الشعريّة الغريبة، فتبرّع بنفسه ليكتشف ذلك!

أجرى تصويرًا بالرّنين المغنطيسي MRI استغرق ساعاتٍ طويلةً لساقه، على الرّغم من أن الصور الناتجة لم تُسفر بشكلٍ مباشرٍ عن وجود تلك الأوعية لكنّه لاحظ وجود «ثقوبٍ واضحةٍ في النّسيج العظمي» ، ويقول أيضًا: «يمكن أن يكون ذلك دليلًا على وجود هذه الأوعية الشّعريّة».

كما قال إن تلك النتائج بالإضافة إلى صورٍ وبياناتٍ أخرى تمّ جمعها قد شكّلت: “نقطة جيدًة جدًّا في مجال إثبات وجود TCV لدى البشر».

نُشرت العام الماضي دراسةٌ أخرى في مجلة Nature Neuroscience وجدت شبكاتٍ مشابهةً لتلك الّتي وجدناها لكن في عظام الجمجمة متّصلةً مع الدماغ، يقول كينزر: «تشكل نتائجهم إثباتًا مستقلّا لكن داعمًا لما وجدناه».

إذا تم إثبات ما اكتشفناه مؤخرًا بشكلٍ أكبر فسيكون له نتائجُ عديدةٌ “ذات أهمّيّةٍ كبيرةٍ” خاصًّة في تطوّر العلاجات الطّبّيةّ.

يقول كينزر: «وجد الباحثون على سبيل المثال ازدياد عدد ال TCVs في الفئران المصابة بالتهاب المفاصل الروماتيدي -اضطّرابٌ مناعيٌّ ذاتيٌّ في المفاصل- بالإضافة إلى هذه الزيادة كذلك في الفئران المعرّضة للإشعاع.

ومن المعلوم أنّ كلًا من الإشعاع والتهاب المفاصل الروماتيدي في الإنسان يؤدّي إلى أذيّةٍ عظميّةٍ»، كما يقول أيضًا: «إذا تمكّنّا من إيجاد طرقٍ لإيقاف تشكّل TCVs فإن ذلك سيساعد البشر كثيرًا».

  • ترجمة: رهف السّيّد
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: كارينا معوض
  • المصدر