فكرة أن كوننا يتمدد صعبة التخيُّل، فعندما نفكّر في شيءٍ يتمدد، عادةً ما نفكّر في أنه يتمدد داخل شيء آخر، وبما أنّ الكون في كل مكان، فما الشيء الذي يتمدد داخله كوننا؟ ألا يحتاج إلى حواف كي يتمدد؟

هناك وسيلتان تُستخدمان عادةً في مساعدة الناس على تخيّل كون متمدد، فقد آمن علماء الفلك أن كوننا لا نهائي غير محددٍ من الخارج. دعنا نهمل بعدًا من الأبعاد المكانية، تخيّل الكون كلوح لانهائي من المطاط.

إذا مُدد ذلك اللوح لا يهم إذًا أين تقف عليه؛ لأنك ستلاحظ ذلك التمدد من تباعد الأشياء من حولك، ستلاحظ أيضًا أنّ اللوح لايتمدد داخل شيء، إنما يتمدد داخل نفسه وأنه لا يملك حواف.

لم يكن وقتًا طويلًا حتى وجد العلماء دليلًا قويًا على لا نهائية الكون، ويمكن أيضًا أن يكونوا مخطئين ويكون الكون محدودًا. ولكن هذا لا يعني أنه يجب أن يكون لديه حواف.

دعنا نهمل بعدًا مرة أخرى، وتخيّل سطح كرة، إنه محدود ولكن ليس لديه حواف، يمكنك أن تمشي حوله للأبد ولن تسقط من حافةٍ ما. شكل الكون يمكن أن يكون نظيرًا ثلاثي الأبعاد لسطح الكرة، هذا صعب التخيّل ولكن يمكن وصفه بسهولة باستخدام النماذج الرياضية.

والآن تخيّل نقاطًا كثيرة مرسومة على سطح كرة تتمدد مثل البالون، إذا كنت حشرة صغيرة تعيش على سطح تلك الكرة، سترى كل هذه النقاط تبتعد عنك، إذا لم يكن لديك فكرة عن داخل أو خارج تلك الكرة كل ما تستطيع قوله أنّ الكون الخاص بك يتمدد.

ليس من المنطقي أن تسأل ما هو الشيء الذي يتمدد فيه؛ لأنك لا تستطيع أن تدرك ذلك الفضاء المحيط، لذا حشرة عاقلة كهذه لن تسأل مثل هذا السؤال.

ولكن يظل التشابه يدل على أن هناك فضاء محيطًا، بعدًا ثالثًا، بحيث يتمدد فيه كون الحشرة. ولأن كون الحشرة منحنٍ فهو كرة كأي سطحٍ منحنٍ آخر لا يمكن التفكير فيه إلّا وهو داخل فضاء أكبر منه.

بتطبيق هذا على كوننا الذي يمتلك بعدًا إضافيًا أكثر من كون الحشرة، التشابه بين الحالتين يقترح أن كوننا ثلاثي الأبعاد يوجد داخل فضاء رباعي الأبعاد ويتمدد بداخله، فضاء ناتج عن بعد إضافي لا يمكننا إدراكه.

الفضاء المحيط أيضًا يحدد مدى انحناء كوننا من الخارج. إذا كنّا نؤمن أن كوننا يجب أن يكون محدودًا، ألا يجب علينا أن نحاول أن نكتشف أكثر عن هذا البعد الإضافي؟ ربما هناك طريقة لنحدده بعد كل ذلك.

يمكننا المحاولة و لكننا لن نبتعد كثيرًا. الفضاء رباعي الأبعاد الذي يحتوي كوننا ثلاثي الأبعاد هو أيضًا يمتلك انحناءً، هذا صعب التخيّل ولكن التعريف الرياضي للانحناء يمكن تطبيقه على أي بعد. السؤال التالي، ما الذي يحدد انحناء ذلك الفضاء رباعي الأبعاد؟ إذا كانت الإجابة كونًا يمتلك بعدًا إضافيًا آخر، إذًا ما الذي يحدد انحناءه؟

كما ترى تأملاتنا قادتنا إلي لا شيء تمامًا، لقد رفعت المشكلة إلى بعد مكاني أعلى لا أكثر.

لذا هل نحن عالقون في فكرة الكون المتمدد؟ لحسن الحظ لا. في الواقع لا نحتاج إلى فضاء بأبعاد مكانية أكثر لنحدد انحناء فضاء آخر بأبعاد مكانية أقل بداخله. هناك مفهوم رياضي يدعى الانحناء الجوهري (intrinsic curvature)، والذي يسمح لنا بتحديد انحناء أي فضاء دون الحاجة إلى فضاء أعلى منه.

مفهوم الانحناء الجوهري طُوِّر علي يد الرياضيٍ برنارد ريمان (Bernhard Riemann) من بعد كارل جاوس (Carl Gauss) من قبْل اهتمام الفيزيائيين به.

وصفنا الرياضي للكون، والذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على نظرية آينشتاين للنسبية العامة، يعتمد على الانحناء الجوهري. الرياضيون لا يهتمون بأي فضاءٍ محيط بكوننا، يمكنهم ببساطة التعامل مع مفهوم المسافات بين تمددات الكون بدون القلق من الفضاء المحيط الذي قد يتمدد فيه كوننا.

أفضل إجابة على سؤال كيف نتخيّل الكون يتمدد؟ هو ببساطة «لا تحاول»، فنحن لا نحتاج إلى أن نتخيّل ذلك لأننا لدينا الأدوات الرياضية لفهم ذلك ومحاولات تخيله لا تجدي نفعًا، إدراكنا للكون من حولنا محدود جدًا لنأتي بتصوّر أو تخيّل كامل عن تمدد الكون وشكله. قد يكون هذا غير مرضٍ، ولكنه انتصار آخر للرياضيات كأداة لوصف شيء نعجز عن تخيله.

بالتأكيد سمعت عن فيزيائيين يحاولون اكتشاف أبعادٍ إضافية في مصادم الهادرونات الكبير (LHC) في سيرن (CERN). هذا لن يجدي نفعًا في موضوع تمدد الكون.

الأبعاد الإضافية اقترحتها نظرية الأوتار (String Theory). بخلاف قطار تأملاتنا الذي لم يجدِ نفعًا، نظرية الأوتار -إذا كانت صحيحة- تستطيع أن تفسر الكثير. لقد طوِرت لتحل أهم الألغاز الأساسية في الفيزياء الحديثة؛ لذا أي دليل على صحتها مثل الأبعاد الإضافية يستحق النظر.


  • ترجمة: عبدالله محمد أبوعرب
  • تدقيق: صهيب الأغبري
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر