نالت شركة Retro Bioscience مبلغ 180 مليون دولار من سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، وتسعى هذه الشركة عبر أبحاثها إلى إطالة عمر الإنسان نحو عشر سنوات صحية أخرى. يدفع الأغنياء الملايين في سبيل أبحاث إطالة الحياة، ولكن هل لها قيمة أخلاقية؟

إحدى الطرق المتبناة لإطالة عمر الإنسان هي (تجديد الدم) وتستند هذه الفكرة إلى دراسات سابقة وجدت أن الفئران المتقدمة بالعمر أظهرت علامات تراجع الشيخوخة عند حقنها بدماء فئران شابة.

وتبيّن أن ألتمان ليس المهتم الوحيد في دعم الجهود المبذولة في دراسات إطالة الحياة. بل تطول القائمة لتتضمن بيتر تيل أحد مؤسسي PayPal، وجيف بيزوس مؤسس موقع أمازون، ولاري بيج أحد مؤسسي جوجل، جميعهم قد بذلوا الملايين في المشاريع التي قد تؤثر في فهم كيف نعيش حياتنا.

السؤال الأول المطروح كان علميًا: هل تعمل تقنيات إطالة العمر التي تُدرس؟ وقد كانت هناك أسباب للتفاؤل والشك.

أما السؤال الثاني الذي لا يقل أهميةً عن الأول، حتى لو كانت إطالة العمر ممكنة، هل ستكون أخلاقية؟

نشرح في هذا المقال بعض الجدالات الأخلاقية الشائعة حول أبحاث إطالة العمر، ولماذا هي ليست راسخة كما تبدو عليه، ونطرح تفسيرًا آخر حول لماذا نسعى أن نعيش إلى الأبد؟ إذ لا يبدو أن الأمر يستحق كل هذا العناء.

هل يستحق الأمر العناء إن كنت سنموت على أي حال؟

قد يجادل البعض أن إطالة العمر ليست إلا دفعًا للذي لا مفر منه: وهو أننا جميعًا سنموت. المشكلة في وجهة النظر هذه هي أن أي إنقاذ للحياة سوف يُعد إنقاذًا مؤقتًا، وإطالة العمر مدة عشر سنوات أشبه بإنقاذ سباح غارق، فقط كي يموت في حادث مرور بعد عشرة أعوام. ومع أننا قد نكون حزينين على موتهم في نهاية المطاف، لكن نبقى سعداء أننا قد أنقذناهم.

ينطبق ذلك أيضًا على الطب التقليدي، فحتى لو عالج الطبيب شخصًا ما من الالتهاب الرئوي، فإنه سيموت في النهاية بسبب شيء آخر، لكن هذا لا يعني أن الطبيب أو عائلة المريض سيحزنون أو يندمون على إنقاذه.

لا بد هنا من إلقاء نظرة أبعد حول المكان الذي ستقودنا إليه أبحاث إطالة العمر. بحسب الخبراء و في أكثر السيناريوهات التي طرحوها تفاؤلًا، حتى المكاسب القليلة وقصيرة الأمد التي نحصل عليها قد تساعد الناس على إضافة قرون إلى حياة الأفراد، لأن الفوائد دائمًا ما تتوالى. فمثلًا، كل سنة إضافية من العمر ستزيد من احتمالية البقاء على قيد الحياة حتى الوصول إلى النقطة التي ستُحدث التحول المنتظر.

هل يبقى الأمر يستحق إذا أصبح الخلود مملًا؟

جادل الكثيرون ضد إطالة العمر لأسباب أخلاقية، قائلين أنهم لن يستخدموا هذه التقنيات. لكن لماذا قد يعارض شخص ما ذلك؟

أحد المخاوف هو أن الحياة الطويلة جدًا قد تكون غير مرغوبة. قال الفيلسوف برنارد ويليامز إن الحياة تصبح ذات قيمة بإشباع ما يسميه (الرغبات المطلقة)، أي الرغبات التي تعطينا سببًا للرغبة في العيش.

ويعتقد ويليامز أن هذه الرغبات مرتبطة بمشاريع الحياة الكبرى، مثل تربية طفل أو كتابة رواية، لكن بوسعنا القلق حول نفاذ هذه المشاريع إن امتلكنا حياة طويلة بما يكفي. وإن كان هذا الأمر صحيحًا، فالخلود سيصبح مملًا حقًا.

من غير الواضح إن كان ويليامز على حق، إذ يشير بعض الفلاسفة إلى أن الذكريات البشرية غير معصومة عن الخطأ، وقد تندلع بعض الرغبات عندما ننسى تجاربنا السابقة. بينما يؤكد آخرون أن رغباتنا تتطور، إذ أن تجاربنا تعيد تشكيل اهتماماتنا وهذا يستمر طوال حياتنا. ففي كلتا الحالتين، لن تنفذ رغباتنا -وبالنتيجة أسباب عيشنا- على مدى حياة طويلة جدًا.

وحتى لو أصبح الخلود مملًا، فإن هذا لن يُحتسب سلبيًا ضد إطالة العمر، إذ قد يجادل الكثيرون بأن 80 عامًا ليست وقتًا كافيًا لاستكشاف قدرات الفرد.

شخصيًا، سوف نرحب بعشرين أو حتى خمسين عامًا إضافيًا لكتابة رواية، أو بدء مهنة جديدة كمنسق موسيقي (DJ).

ماذا عن الفقراء؟

يوجد قلق آخر حول تقنيات إطالة العمر وهو المساواة. إذ ستكون هذه التقنيات باهظة الثمن، ومن غير العادل أن يحتفل الأغنياء بأعياد ميلادهم 150 بينما يموت البقية في سن 70 أو 80.

يبدو هذا الاعتراض مقنعًا، فقد يرحب معظم الناس بالتدخلات التي من شأنها تعزيز المساواة الصحية، ما يترتب عليه مطالب مجتمعية أوسع لتحقيق الرعاية الصحية لجميع الأفراد، وأن أنظمة الرعاية الصحية الشاملة هذه تعزز المساواة بمحاولة تحسين وضع الأفراد غير ميسوري الحال. وهنا لا بد أن ننتبه للفرق أنه ومن ناحية أخرى، منع تطوير تقنيات إطالة العمر سوف يفاقم وضع أولئك الميسورين.

الرغبة الأخلاقية في المساواة على أساس (التسوية) غير واضحة. إذ إن موت الأستراليين الأكثر فقرًا قبل سن 75 مرجح أكثر بمرتين من موت الأستراليين الأغنى. ومن جهة أخرى يجادل آخرون حول ضرورة التوقف عن تطوير تقنيات إطالة عمر من تزيد أعمارهم عن 75 عامًا.

ويبقى في نهاية الأمر احتمال أن ينخفض سعر تقنيات إطالة العمر هذه في المستقبل.

المشكلة الحقيقية

يُعتقد أن هناك اعتراضًا أخلاقيًا واحدًا جادًا ينطبق على الحالات القصوى لإطالة الحياة، وهو إذا عاش البشر روتينًا في حياة طويلة جدًا، فإن هذا قد يقلل من قدرة السكان على التكيف، ويسبب ركودًا اجتماعيًا.

حتى الزيادات المتواضعة في متوسط العمر المتوقع ستزيد تعداد السكان. ولتجنب الاكتظاظ السكاني، سنحتاج إلى تقليل معدلات الولادة، ما يبطئ بدوره من تعاقب الأجيال كثيرًا. وكُشف في بحث سابق أن هذا قد يضر بالتقدم المجتمعي لأنه سوف:

  •  يزيد من تعرضنا للتهديد بالانقراض.
  •  يعرض رفاهية الفرد للخطر.
  •  يعرقل التقدم الأخلاقي.

مع إن الكثير من المجالات سوف تستفيد من تدفق العقول الشابة القادمة التي ستبني على عمل أسلافها. وحتى لو ظلت أدمغة العلماء الأكبر سنًا حاذقةً، فإن انحيازهم التأكيدي (أي الميل إلى البحث عن المعلومات وتفسيرها على النحو الذي يؤكد معتقداتهم السابقة) قد يسبب بطئًا في استيعاب النظريات العلمية الجديدة.

حتى معتقداتهم الأخلاقية هي أيضًا عرضةً للانحياز التأكيدي، ففي عالم يتسم بأعمار مديدة، الأفراد الذين كانت آراؤهم الأخلاقية واضحة في شبابهم (ربما قبل مئة عام) سيظلون في مواقع السلطة.

ونحن نعتقد أن مجتمعات الماضي كانت مخطئة مثلًا حين أيدت العبودية، أو جعلت المثلية الجنسية غير قانونية، ولكن يبدو أن حتى القواعد الأخلاقية لمجتمعنا مخطئة أيضًا ولو في بعض النواحي على الأقل. فتباطؤ تعاقب الأجيال سيؤخر في النهاية النقطة التي ندرك عندها كوارثنا الأخلاقية ونحلها، خاصةً تلك التي لم نستطع أن نراها حتى الآن.

اقرأ أيضًا:

الخلود الرقمي: هل تمكن إعادة الموتى إلى الحياة؟

المعضلات الأخلاقية للسعي نحو الخلود البشري

ترجمة: تيماء القلعاني

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر