خلال الوقت المنصرم بعد إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء في عام 1957، سافر روّاد الفضاء إلى القمر، واكتشفت المسابير النظام الشمسي، واكتشفت المعدّات في الفضاء آلاف الكواكب حول نجوم أخرى.

لقد غامرنا نحن البشر في الفضاء منذ 4 أكتوبر عام 1957 عندما أطلق اتحاد الجمهوريات السوفييتية قمر سبوتنيك؛ وهو أول قمر صناعي يدور في مدار حول الأرض. حدث ذلك في فترة العداء السياسي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة التي عرفت باسم الحرب الباردة. تنافست القوتان العظمتان لعدة سنوات لتطوير الصواريخ النووية التي تدعى بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBM)، حاملة الرؤوس النووية بين القارات.

طوّر مصمم الصواريخ السوفييتي سيرغي كوروليف أول صاروخ (ICBM)، سمي الصاروخ R7، وبسببه اندلع سباق الفضاء.

وصلت هذه المنافسة أوجها بإطلاق القمر الصناعي سبوتنيك على متن صاروخ R7، وكان القمر قادرًا على إرسال نبضات راديوية. وبعد وصوله إلى الفضاء، دار سبوتنيك حول الأرض مرة واحدة كل 96 دقيقة، كان يمكن التقاط نبضة الراديو في منطقة ما من الأرض بينما يمر القمر فوقها، ليعلم البشر حول العالم أن القمر كان في مداره حقًا.

قلقت الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أدركت أن الاتحاد السوفيتي يملك قدرات تتفوق على التكنولوجيا الأمريكية، ويمكن لهذا أن يهدّد الأمريكيين. فقد حقق السوفييت بعدها بشهر في 3 نوفمبر 1957 إنجازًا أكثر إبهارًا في سباق الفضاء؛ كان ذلك قمر سبوتنيك 2، وهو قمر يحمل كائنًا حيًا؛ كلبةً تُدعى لايكا.

سبق إطلاق سبوتنيك تطوير الولايات المتحدة قدراتها الخاصة لإطلاق الأقمار الصناعية. فشلت الولايات المتحدة في محاولتين لإطلاق قمر صناعي قبل نجاحها بإطلاق صاروخ يحمل قمرًا صناعيًا يدعى إكسبلورر في 31 يناير 1958. تكوّن معظم الفريق الذي نجح بإطلاق أول قمر صناعي أمريكي من مهندسي صواريخ ألمانيين؛ الذين طوّروا الصواريخ الباليستية لألمانيا النازية سابقًا.

عمل مهندسو الصواريخ الألمان لصالح الجيش الأمريكي في ترسانة ريدستون في هانتسفيل في ولاية ألاباما تحت قيادة فيرنهير فون براون، وطوروا صاروخ V2 الألماني إلى صاروخ أقوى دعي جوبيتر سي أو جونو اختصارًا.

حمل صاروخ إكسبلورر عدة تجهيزات إلى الفضاء لإجراء تجارب علمية. أحد التجهيزات كان عداد جيجر لقياس الأشعة الكونية لصالح تجربة أجراها الباحث جيمس فان ألين الذي أثبت وجود ما يعرف الآن بأحزمة فان ألين الإشعاعية حول الأرض بالاستفادة من قياسات أقمار صناعية لاحقة.

جُمعت نشاطات اكتشاف الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1958 في وكالة حكومية جديدة، وهي الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضائية (ناسا). استولت ناسا عندما بدأت عملياتها في أكتوبر من عام 1958 على ما كان يعرف باللجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الجوية (ناكا) وعدة منشآت بحثية وعسكرية أخرى، وذلك يتضمن وكالة الصواريخ الباليستية التابعة للجيش (ترسانة ريدستون) في هانتسفيل.

كان أول رجل صعد إلى الفضاء هو رائد الفضاء السوفييتي يوري غاغارين الذي قام بدورة واحدة حول الأرض في 12 أبريل عام 1961، في رحلة دامت 108 دقائق. وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع أطلقت ناسا رائد الفضاء (آلان شيبيرد) إلى الفضاء. لم تكن رحلة مدارية بل تحت مدارية، وهي رحلة تصل إلى الفضاء ولكن لا تدور حول الأرض بشكل كامل. استمرت رحلة شيبيرد تحت المدارية أكثر من 15 دقيقة بقليل.

وبعد ثلاثة أسابيع وفي 25 مايو تحدّى الرئيس جون إف. كينيدي الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفٍ طَموح، معلنًا: «أنا أؤمن أنه على هذه الأمة أن تكرّس نفسها لتحقيق هذا الهدف قبل انقضاء هذا العقد، والهدف هو إيصال رجل إلى القمر وإعادته سالمًا إلى الأرض».

بالإضافة إلى إطلاق أول قمر صناعي وأول كلب وأول إنسان إلى الفضاء حقق الاتحاد السوفييتي إنجازات فضائية قبل الولايات المتحدة. تضمنت تلك الإنجازات القمر لونا-2؛ والذي أصبح أول غرض مصنوع من قبل البشر يصل إلى الفضاء في عام 1959، بعدها أطلق الاتحاد السوفييتي لونا-3 بعد أقل من أربعة أشهر من رحلة غاغارين في عام 1961، وهي مهمة سوفييتية بشرية ثانية حملت رائد فضاء برحلة حول الأرض ليوم كامل. حقق الاتحاد السوفييتي أيضًا أول عملية سير في الفضاء، وأطلق رحلة فوستوك 6 التي جعلت فالنتينا تريشكوفا أول امرأة تسافر إلى الفضاء.

حققت ناسا في ستينيات القرن العشرين تطورات تجاه تحقيق هدف الرئيس كينيدي بإيصال إنسان إلى القمر ببرنامج يدعى مشروع جيميني، وفيه اختبر رواد الفضاء تقنيات ضرورية للرحلات المستقبلية إلى القمر، واختبروا قدراتهم الخاصة على تحمل أيام متعددة في رحلات الفضاء.

انطلق مشروع أبولو بعد مشروع جيميني، الذي حمل رواد الفضاء إلى مدار حول القمر ومن ثم إلى سطح القمر بين الأعوام 1968 و1972، إذ أرسلت الولايات المتحدة في عام 1969 على متن أبولو-11 أول رواد فضاء إلى القمر، وأصبح نيل أرمسترونغ أول إنسان يطأ بقدمه سطح القمر.

جمع رواد الفضاء خلال مهمات الهبوط عيّنات من الحجارة والغبار القمري التي ما يزال العلماء يدرسونها لمعرفة المزيد عن القمر.

أطلقت ناسا خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين سلسلة من المسابير الفضائية تدعى مارينر، التي درست كواكب الزهرة والمريخ وعطارد.

مثّلت المحطات الفضائية المرحلة التالية من اكتشاف الفضاء. كانت أول محطة فضائية في مدار الأرض محطة ساليوت-1 السوفييتية، التي أطلقت في عام 1971. تبعتها محطة ناسا الفضائية سكايلاب، وهي أول مختبر مداري درس فيه رواد الفضاء والعلماء الأرضَ، وآثار رحلات الفضاء على الجسم البشري.

نفّذت ناسا خلال سبعينيات القرن الماضي مشروع فايكنج المتمثل بهبوط مسبارين على المريخ؛ واللذين التقطا العديد من الصور الفوتوغرافية، وأجريا فحصًا كيميائيًا لبيئة سطح المريخ، وفحصا تربة المريخ -التي تسمى ريغوليث- بحثًا عن وجود الكائنات الدقيقة.

منذ انتهاء برنامج أبولو القمري في عام 1972، اقتصر سباق البشر في الفضاء على مدار الأرض المنخفض، إذ تتشارك العديد من الدول في إجراء الأبحاث على محطة الفضاء الدولية. وعلى أيّة حال سافرت المسابير الآلية إلى جميع أجزاء نظامنا الشمسي، وحققت في السنوات الأخيرة باكتشافات متعددة، ومن ضمنها: احتواء القمرين أوروبا (أحد أقمار المشتري) وإنسيلادوس (أحد أقمار زحل) على محيطات تحت جليدهما السطحي، ويعتقد العلماء أنهما قد يحتويان على حياة.

في هذه الأثناء اكتشفت معدّات في الفضاء؛ مثل تلسكوب كيبلر بالإضافة إلى معدّات على الأرض، آلاف الكواكب الخارجية؛ وهي كواكب تدور حول نجوم أخرى. فقد بدأت حقبة اكتشاف الكواكب الخارجية هذه في عام 1995، وتسمح التقنيات الحديثة حاليًا للتجهيزات في الفضاء بتوصيف الغلاف الجوّي لبعض تلك الكواكب الخارجية.

اقرأ أيضًا:

السياحة إلى الفضاء تزيد الدمار الذي يتعرض له المناخ، والعلماء يبحثون عن حل

دراسة تكشف عن تأثيرات الفضاء على البنية العظمية لرواد الفضاء

ترجمة: علي باسم يوسف

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر