الماء جزيء غريب، وبغض النظر عن عدد الأشياء الغريبة التي نكتشفها فيه، يبدو أن هناك دائمًا مفاجآت غير متوقعة محتملة الحدوث بانتظارنا حتى بعد قرون من البحث فيه. في دراسة جديدة، اكتشف العلماء في الولايات المتحدة أنه تحت ظروف معينة، يمكن للماء أن ينتج بيروكسيد الهيدروجين تلقائيًا، وهي ميزة خاصة للكيمياء الأساسية مختبئة عن مرأى الجميع، وهو ما تعذرت ملاحظته بطريقة ما حتى الآن.

يقول الكيميائي ريتشارد زار Richard Zare من جامعة ستانفورد: «الماء أحد أكثر المواد الموجودة شيوعًا، وقد دُرِس لسنوات وسنوات وربما نعتقد أنه لم يعد هناك شيء إضافي يمكن معرفته عن هذا الجزيء، لكن هنا لدينا مفاجأة أخرى».

لاحظ العلماء حدوث هذه الظاهرة في الماء النقي فقط، وليس في أي شكل من أشكال المياه. ووفقًا للفريق البحثي، يمكن أن يحدث الإنتاج التلقائي لبيروكسيد الهيدروجين عند تذرية الماء إلى قطرات صغيرة مجهرية بحجم 1 إلى 20 ميكرومتر.

واحد ميكرومتر هو مجرد واحد من الألف من المليمتر، لذلك نحن نتحدث هنا عن قطرات صغيرة بشكل لا يصدق.

إنتاج بيروكسيد الهيدروجين من الماء تلقائيًا كيفية صنع جسيمات الذهب النانوية والأسلاك النانوية باستخدام قطرات الماء قطرات الماء الميكروية

على هذا النطاق اللا نهائي، يبدو أن التكوين التلقائي لبيروكسيد الهيدروجين يحدث دون الحاجة إلى وجود أي شيء آخر غير الماء.

يقول العلماء في بحثهم الجديد: «لا تتطلب هذه العملية أي كاشف كيميائي أو محفز أو جهد كهربائي مطبق أو إشعاع، مجرد وجود الماء النقي على شكل قطرات ميكروية في الهواء ضروري لظهور بيروكسيد الهيدروجين».

اكتشف الفريق هذه النتيجة المفاجئة صدفةً في بحث سابق، خلال تحقيقهم في كيفية صنع جسيمات الذهب النانوية والأسلاك النانوية باستخدام قطرات الماء. وكشفت تلك التجارب أن قطرات الماء الميكروية لا تسرع من تخليق الهياكل النانوية للذهب فحسب، بل وتسبب أيضًا تكوينها التلقائي.

في البحث الجديد، أجرى فريق زار عددًا من الاختبارات، بما في ذلك رش عينات صغيرة من الماء النقي على شريط اختبار، والذي يتحول إلى اللون الأزرق عند وجود بيروكسيد الهيدروجين وبالفعل أصبح لونه أزرق.

كشفت تجربة أخرى أن إنتاجية بيروكسيد الهيدروجين تتناسب عكسيًا مع حجم القطرات الميكروية. بمعنى آخر، تنتج القطرات الميكروية الأصغر حجمًا جزيئات بتراكيز أعلى.

ولكن لماذا يحدث هذا أساسًا؟ وكيف؟

من الصعب أن نعرف على وجه اليقين، لكن الباحثين يتوقعون أن الأكسدة التلقائية للماء على الأرجح تحدث بسبب وجود مجال كهربائي قوي داخلي في السطح البيني بين الماء والهواء للقطرات الميكروية، إذ يوّلد المجال الكهربائي جذور الهيدروكسيل Hydroxyl التي تتجمع بدورها إلى بيروكسيد الهيدروجين.

وفي حين أن الأمر سيستغرق إجراء أبحاث مستقبلية لاختبار هذه الفرضية، إلا أن الفريق يؤكد على أن إنتاج بيروكسيد الهيدروجين بحد ذاته أمر مؤكد لا لبس فيه، وقد يؤدي إلى طرق جديدة وأكثر استدامة من الناحية البيئية لتصنيع هذه المادة الكيميائية الشائعة.

يضيف الباحثون: «نود الإشارة إلى أن هذا الاكتشاف يفتح العديد من الفرص المبتكرة بما في ذلك الإنتاج الصديق للبيئة وغير المكلف لبيروكسيد الهيدروجين، والتصنيع الكيميائي الصديق للبيئة، والتنظيف الآمن، والصناعات الغذائية».

بالنسبة لزار نفسه -الكيميائي المؤثر الحائز على عدة جوائز بما لا تقل عن 11 درجة دكتوراه فخرية- هذا الاكتشاف مهم بقدر ما يثير الدهشة. إذ يقول: «أعتقد أنه يمكن أن يكون أحد أهم الأشياء التي قمت بها على الإطلاق».

اقرأ أيضًا:

الكيمياء العبقرية وراء ألوان الألعاب النارية

الكيمياء الكمية تجيب أخيرًا عن سبب وجود عدد كبير من الأحماض الأمينية لنشأة الحياة.

ترجمة: سرمد يحيى

تدقيق: جعفر الجزيري

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر