قد يتسائل الكثيرون عن سبب الحاجة إلى محاكاةِ الكون. ببساطة فإن تطور هذا الكون ليسَ بسيط الفهم أبدًا، فقد بدأ تطورهُ منذ مليارات السنين وما زال مستمرًا حتى يومنا هذا، ومحاكاة هذا الكون الذي يمتد تاريخه إلى 13.7 مليار سنة ستساعد العلماء على فهم ماهية تطور هذا الكون منذُ نشأتهِ وحتى الآن.

وحسب التقويم الكوني الذي يمثل تاريخ هذا الكون منذ نشأتهِ بسنةٍ أرضيةٍ واحدة فإن ظهور الإنسان الحديث سيكون في الدقيقة الأخيرة من اليوم الأخير من هذهِ السنة الأرضية أي تحديدًا في 31 من ديسمبر أي أن الإنسان لم يَكن حاضرًا لمراقبةِ ومتابعة تطور الكون لمدة 13.7 مليار سنة.

هذا ما دفع العلماء إلى العمل على اكتشاف أدوات تساعدهم على معرفة تطور الكون عبر مليارات السنين، وبعد جهدٍ كبير أنشئت عدة أدوات وكان فيما بينها المحاكاة لتشكل البنى الشاسعة وتطورها، التي تمتد في الفضاء المنظور.

باستخدام الحواسيب الفائقة أنشأ فريقٌ عالمي من العلماء -بقيادةٍ من جامعةِ هلسنكي في فنلندا- المحاكاة الأكبر والأدق حتى الآن، إذ مثلت هذه المحاكاة تطور الكون المحلي.

ساعدت محاكاة هذا الكون المحلي على فهم ديناميكيات تطور الكون مع استمرارهِ بالتطورِ حتى الآن، بما في ذلك المادة المظلمة الطاقة المظلمة ومدى أهميتهما في تطور الكون خلال 13.7 مليار سنة.

يقول عالم الفلك والفيزيائي كارلوس فرنك من جامعة دورهام في المملكةِ المتحدة: «إن المحاكاة لهذا الكون تكشف ببساطة عواقب قوانين الفيزياء وتأثيرها في المادة المظلمة والغازات الكونية وذلك طوال عمر كوننا البالغ 13.7 مليار سنة. فإن قدرتنا على إعادة صنع هذه البنى المألوفة وفرت لنا دعمًا مؤثرًا وخطوةً أضافيةً لاكتشاف المادة المظلمة الباردة القياسية، وهذا ما يجعلنا على الطريق الصحيح لمعرفة تطور هذا الكون بأكمله واستكشافه».

تغطي هذه المحاكاة مساحةً من الفضاء تصل حوالي 600 مليون سنة ضوئية من النظام الشمسي ويُطلَقُ عليها اسم SIBELIUS-DARK.

شملت المحاكاة مجموعةً كبيرةً من المجرات بما في ذلك مجرة فيرغو وكوما وبيرسيوس وأيضًا مجرة درب التبانة ومجرة أندروميدا.

تغطية المحاكاة لهذه المساحة الضخمة من الفضاء تحتاج إلى حسابِ نحو 13 مليار من الجسيمات ولقد تم حساب هذهِ الجسيمات على امتداد عمر هذا الكون وبدقةٍ تعتبر الأعلى من أي وقتٍ مضى خلال عدة أسابيع وذلك باستخدام حاسوب عملاق في جامعة دورهام يُدعى “COSMA” منتجًا بيتا بايت من البيانات .

بعد ذلك، قارن الباحثون النتائج مع المسوحات الرصدية للكون الحقيقي وهذا ما سمح باستكشاف ما يسمى نموذج المادة المظلمة الباردة في علم الكون، الذي يُعد المعيار الأساسي لرسم خرائط تطور هذا الكون ويعتمد بدوره على شبكةٍ كونيةٍ واسعة من المادة السوداء.

تُعد الكتلة الغامضة غير المرئية مسؤولةً عن إضافة الجاذبية إلى هذا الكون، وذلك يتجاوز ما يُمكن حسابه بالمادة العادية.

يقول عالم الفلك في جامعة لايدن في هولندا ماثيو تشالر: «إن مشروع المحاكاة مشروع رائد حقًا. هذه المحاكاة تثبت أن نموذج المادة المظلمة الباردة القياسية يستطيع أن يُولّد كُل المجرات التي نراها في منطقتنا، وإن اختبار هذا النموذج هام للغاية من أجل ضمان نجاحه».

وقد أظهرت المحاكاة SIBELIUS-DARK أن الفضاء المحلي قد يكون غير اعتيادي، والذي يبدو أنه قد تطور من كثافةٍ محليةٍ منخفضة على نطاقٍ واسع من المادة المظلمة مُنذ البداية. ويبدو أن سبب ظهور هذه الكثافة المنخفضة في الشبكة الكونية المبكرة سيحتاج أن يكون موضوعًا للاستكشافات المستقبلية.

في غضون ذلك، سيُجري الفريق مزيدًا من التحليلات والاختبارات على المحاكاة ويشمل ذلك اختبار نموذج المادة المظلمة الباردة لعلم الكون.

ختامًا، ومن خلال حديثنا عن المحاكاة وعملها، فقد أصبح واضحًا مدى أهمية هذا المشروع وقدرته على مساعدة العلماء والباحثين بمعرفة تفاصيل تطور هذا الكون ونشأته، وباختصار فإن مشروع المحاكاة يوفر جسرًا مهمًا بين عشراتِ السنين من الملاحظات النظرية والفلكية.

يقول الفيزيائي ستيوارت مكالبين من جامعة هلسنكي: «من خلال محاكاة هذا الكون كما نراه فإننا نقترب أكثر فأكثر من فهم طبيعة كوننا».

اقرأ أيضًا:

هل صُنع كوننا الحالي في مختبر؟

دراسة جديدة حول توقعات ستيفن هوكنغ عن المادة المظلمة والثقوب السوداء

ترجمة: يزن دريوس

تدقيق: حسين الجُندي

المصدر