إنكسار الإلكترونات سلوك موجي اكتشف حديثًا


كان الجرافين على الدوام مادة تستحق الدراسة وهي مكونة من كربون في هيئة بنية بلورية سداسية في طبقة واحدة، ولايزال الجرافين يقدم لنا المزيد من المفاجآت، فقد رصد الفيزيائيون للمرة الأولى إلكترونات في هذه المادة الذرية الرقيقة تسلك سلوك الضوء، بل أفضل.

هذا السلوك الغريب تم التنبؤ به سنة 2007، لكن لم تظهر فيه تقارير مخبرية إلى الآن، وقد تقود الظاهرة إلى طريقةٍ جديدةٍ تماماً لصنع إلكترونيات فائقة الكفاءة.

في الدراسة الجديدة، أظهرت الإلكترونات «انكسار سلبي – negative refraction» وهي ظاهرة كهرومغناطيسية تنكسر فيها أشعةُ الضوءِ على سطح ما بطريقة معاكسةٍ لما هو متوقع، وما حصل مع الإلكترونات يعني أنها غيرت مسارها عندما عبرت حداً بين منطقتين من الجرافين، وهذا يعني أنه يمكن التلاعبُ بالإلكترونات باستخدام الأجهزة البصرية كالعدسات والمناشير.

يقول الباحث الرئيسي في هذه الدراسة، كوري دين من جامعة كولومبيا : « القدرة على التلاعب في الإلكترونات كما نتلاعب بالضوء في مادة موصلة تفتح لنا طرقاً جديدةً تماماً للتفكير بالإلكترونات، كاستخدامها في المفتاح الذي يشغل أجهزة الحاسوب والذي يستهلك طاقة كبيرة».

يضيف الباحث بأنه عن طريق إستخدام مواد تشتت الضوء وتغيرمن لونه نستطيع توجيه «الشعاع» الإلكتروني بين الأقطاب الكهربائيةِ و يكون فعالاً بشكلٍ كبير، وبهذه الطريقة سوف نتخلص من إحدى العقبات في طريقنا لصنع إلكترونياتٍ أسرع وأكثر فعالية.

يمتلك الجرافين خصائصَ عديدة مذهلة، أشهرها موصليته الفائقة، قادراً على أن يجعل الإلكترونات تعبر خلال بنيته الكربونية بسرعات عالية، وعند هذه السرعات تستطيع الإلكترونات السفر في خطوط مستقيمةٍ دون تشتت – تماماً كأشعة الضوء – وهنا تبدأ خصائصها البصرية في الظهور.

واحدة من أشهر خصائص الضوء أنه يغير من اتجاهه أو ينكسر عندما يعبر من وسط إلى آخر- يُقصد بالوسط أي المادة – وهذا هو سبب ظهور قدميك بشكل غريب تحت الماء، وهو أيضاً سبب تمكننا من استخدام العدسات والمناشير لتوجيه أو تركيز الضوء.

تمتلك المواد الاعتيادية كالزجاج ما يُعرف بمعامل الانكسار الإيجابي، ما يعني أن هذه المواد تنحني بطريقة متوقعة، لكن هناك أيضاً مواد خارقة «metamaterials» تمتلك معامل انكسار سلبي، تحني الضوء بطريقة معاكسة، يترتب على هذا الانكار تبعاتٍ رائعة، كتمكين الباحثين من جعل الأشياء غير مرئية من خلال حني الضوء حولها.

الانكسار السلبي هو ما كان الفريق يبحث عنه في الإلكترونات، وكان الباحثين قد أظهروا قبل فترة أن هذا الأمر بات ممكناً، وأنهم وجدوا في الواقع أن تنفيذه في الإلكترونات أسهل منه في الضوء!

في حين يتطلب الضوء مواد خارقة خاصة ومهندسة بإتقان، نجد الإلكترونات تحقق انكساراً سلبياً بشكل طبيعي
أثناء عبورها نوعين مختلفين من الموصلات، المعروفة باسم وصلة تسمى بي-إن .

تتكون الوصلة من جزئين؛ الأولى هي «P» وتمثل الجزء الموجب من الوصلة وتسمى بالموصل من نوع الثقب، والثانية هي «N» وتمثل الجزء السالب من الوصلة وتسمى بالموصل من نوع الإلكترون، وتستطيع رؤية الانكسار السلبي أثناء حصوله في الصورة أدناه حيث يعبُر الإلكترون حدود وصلتي الجرافين.

namnlos

في الماضي، لم يستطع الباحثون تحقيق هذه الانكسار السلبي في الإلكترونات إلا في المواد الغريبة تحت درجات حرارة فائقة الانخفاض – الأمر العديم الأهمية في إلكترونيات الوقت الحاضر-.

أما اليوم، تمكن فريق من جامعة كولومبيا من إنجاز شيء ما عند درجة حرارة الغرفة، مما يعني أن خصائص الإلكترون الضوئية دخلت أخيراً إلى القرن الحادي والعشرين.

لم يكن طريقهم بالسهل، فقد كانت هنالك عقبتين أساسيتين وجب عليهم التغلب عليهما؛ أولهما اضطرارهم صنع جرافين فائق النظافة، دون أي عيوب في بنيته لضمان سفر الإلكترونات في خطوط مستقيمة كأشعة الضوء دون أي تشتت، وثانيهما أنهم رسموا بتفصيل كيفية عبور الإلكترونات خلال وصلة البي-أن، حتى يتوصلوا إلى كيفية تركيز الضوء على الوصلة بالطريقة الصحيحة التي تحقق انكسارًا سلبياً.

وأخيراً استطاعوا أن يحققوا هذا الإنجاز باستخدامهم مجالاً مغناطيسياً كنوع من العدسات التي بدورها ركزت الإلكترونات على وصلة البي-إن، وشوهدت الإلكترونات وهي تنحني خلالها – مؤكدة بذلك أول سلوك تم التنبؤ به منذ عقد على الأقل.

لا تزال الطريق طويلة قبل أن نرى هذه القدرة يتم استخدامها في الإلكترونيات، لكنها قد تكون المفتاح لاستغلال المقدرة الحقيقية للجرافين، أما الآن فسيبحث الفريق عن كيفية استخدام هذه الخاصية الشبيهة بخصائص الضوء في إيقاف تيارالإلكترونات بشكل أكثر سهولة.

يعقب أحد الباحثين، أفيك جوش على هذا البحث :

« إذا عمل هذا الإنجاز في صالحنا، عندها ستقع أيدينا على مفتاح كهربائي منخفض الطاقة وفائق السرعة لكلٍ من الإلكترونيات الرقمية والتناظرية، وهكذا سوف نقلل العديد من التحديات التي نواجها مع الكلفة العالية للطاقة وميزانيتها في الوقت الحاضر».


ترجمة : قصي أبوشامة
تدقيق : أسامه القزقي
المصدر