كم مرة ستوافق على إيذاء جارك بصدمة كهربائية مقابل بعض النقود؟ قد تكون إجابتك أكثر مرونة مما تعتقد. توصلت دراسة جديدة إلى أن نوعين من الأدوية، أحدهما مضاد للاكتئاب والآخر علاج لمرض باركنسون، قد يؤثران في قراراتنا الأخلاقية، وهو اكتشاف قد يساعد على كشف آليات محددة وراء العدوانية، ما قد يساعد الباحثين على تصميم علاجات للسلوكيات المعادية للمجتمع.

وجدت الأبحاث السابقة رابطًا بين اثنين من النواقل العصبية، والرغبة في إلحاق الضرر بالآخرين. يبدو أن السيروتونين يساعد على بقائنا متحضرين، وتقل مستوياته في أدمغة المجرمين العنيفين، في حين ثبت أن الدوبامين يحفز العدوانية لدى الحيوانات، وتزداد مستوياته في أجزاء معينة من الدماغ لدى الأشخاص العدوانيين.

من الصعب قياس كيفية مساهمة هذه النواقل العصبية في اتخاذ القرارات الأخلاقية في المختبر. تعتمد العديد من الدراسات على الأسئلة النظرية، مثل ما يُسمى معضلة القطار، إذ تسأل الشخص هل سيعيد توجيه قطار قادم لقتل شخص ما إذا كان سينقذ حياة عدة أشخاص آخرين؟ مع ذلك، قد لا تعكس إجابة الشخص دائمًا كيف سيتصرف في الحياة الواقعية.

طورت عالمة الأعصاب مولي كروكيت من جامعة أكسفورد وفريقها اختبارًا يعطي نتائج أكثر واقعية. إذ طلبوا من المشاركين اتخاذ سلسلة من القرارات حول عدد الصدمات الكهربائية المؤلمة باعتدال التي يعطونها لأنفسهم أو للآخرين. طُرح على المتطوعين أسئلة، نصفها يعرض عليهم فرصة كسب المال بإيذائهم لأنفسهم. مثلًا: «هل تفضل تحمل 7 صدمات لتكسب 10 دولارات أم 10 صدمات لتكسب 15 دولارًا؟». النصف الآخر من الأسئلة يتعلق بإيذاء شخص آخر. في نهاية التجربة، سيقع على المشارك تنفيذ أحد القرارين عشوائيًا: يحصل على المال ويتلقى هو أو شخص آخر ينتظر في غرفة أخرى سلسلة من الضربات المؤلمة. تصميم التجربة بهذه الطريقة يجبر المشارك إلى حد بعيد على أن تكون إجابته حقيقية.

حسب الباحثون النقود الإضافية التي عليهم دفعها للشخص ليقبل تلقي صدمة إضافية واحدة. في بحث سابق، وجد الفريق أن المقابل يختلف باختلاف الشخص الذي يتعرض للأذى، إن كان الشخص ذاته أم شخص آخر. عمومًا، يصبح الشخص أكثر ترددًا بشأن الاستفادة من ألم شخص آخر مقارنةً برغبته في الاستفادة من ألمه الذاتي، ما يسميه العلماء «فرط الغيرية».

في الدراسة الجديدة، اختبر العلماء هل يمكن للأدوية أن تغير مقدار «الألم مقابل المال»؟ أُعطي الأشخاص قبل ساعات قليلة من الاختبار إما حبة دواء وهمي وإما أحد عقارين: عقار سيتالوبرام المضاد للاكتئاب الذي يعزز السيروتونين، أو علاج مرض باركنسون «ليفودوبا»، الذي يزيد مستويات الدوبامين.

وسطيًا، كان الأشخاص الذين يتناولون العلاج الوهمي على استعداد للتنازل عن 55 سنتًا لكل صدمة مقابل تجنب إيذاء أنفسهم، و69 سنتًا لتجنب إيذاء الآخرين. تضاعفت هذه القيم تقريبًا لدى من تناولوا دواء سيتالوبرام، إذ أبدوا عمومًا تجنبًا أكبر لإلحاق الأذى بالآخرين، لكنهم ظلوا يفضلون الاستفادة من ألمهم الذاتي. أما دواء ليفودوبا فكان له تأثير معاكس، إذ زاد من استعداد الشخص لإيذاء الآخرين مقابل المال.

قال الباحث المشارك في الدراسة جوشوا بوكهولتز، إن النتائج تميز بين عنصرين مميزين يقودان سلوكنا الاجتماعي: الطريقة التي نتصور بها إلحاق الأذى بالآخرين، وتفضيلنا لتحمل الضرر بدلًا من إلحاقه بغيرنا. يبدو أن الدوبامين -على عكس السيروتونين- يغيّر من هذا التفضيل.

وفقًا لكروكيت، تشير النتائج إلى عدة آليات محتملة. ربما تجعل زيادة الدوبامين نظام المكافأة في الدماغ أميل إلى تجنب الأذى الشخصي، أو أنها تقلل من إحساسنا بعدم اليقين بشأن ما يشعر به شخص آخر، ما يجعلنا أقل ترددًا في التخلص من الألم. بالمقابل، يبدو أن تأثير السيروتونين يتمثل عمومًا في تجنب الأذى، وليس مجرد زيادة القلق بشأن الآخرين. قد تساعدنا هذه المعلومات على تطوير عقاقير لعلاج اضطرابات السلوك الاجتماعي.

يشير جاي جينجريتش، عالم الأعصاب التنموي في المركز الطبي بجامعة كولومبيا، إلى أن الدراسة لا تعاير مستويات الدوبامين أو السيروتونين في الدماغ لتأكيد ارتفاعها في أثناء إجراء الأشخاص للاختبار، على هذا ليس من المؤكد أن جرعة واحدة من سيتالوبرام تزيد مستويات السيروتونين في غضون بضع ساعات، يقول: «ربما هم بصدد اكتشاف مهم، لكني قلق من أنهم يبالغون في تفسير التأثيرات الدوائية».

تقول كروكيت إنها اعتمدت على الأبحاث السابقة لتحديد النقطة التي يكون فيها امتصاص الأدوية أعلى ما يمكن، لكن لا يمكن تأكيد مستويات الناقل العصبي دون إجراء اختبارات باضعة، مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET).

أيضًا، أُعطي الدواء في التجربة لأشخاص أصحاء، لكن قد يكون له تأثير مختلف في السلوك الاجتماعي إذا تناوله شخص لعلاج مرض ما. مثلًا، يستعيد الدواء المستويات الطبيعية للدوبامين لدى مرضى باركنسون الذين يعانون نقص الدوبامين، بدلًا من إضافة فائض منه.

اقرأ أيضًا:

هل ستكون عمليات زرع الدماغ ممكنة، وما القضايا الأخلاقية التي يجب التعامل معها؟

مضادات الاكتئاب والمعلومات المضللة على الإنترنت

ترجمة: تيماء الخطيب

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر