وُلِد إيمانويل كانط في مدينة كونغسبرغ البروسية -كاليننغراد الروسية حاليًا- في 22 أبريل 1724 وتوفي في نفس المدينة في 12 فبراير 1804. وهو فيلسوف ألماني أثّر فيمن لحقه من الفلاسفة -من أتباع المدرستين الكانطية والمثالية خصوصًا- تأثيرًا عظيمًا بعمله المنظم العميق في الإبستيمولوجيا (نظرية المعرفة) والأخلاق والأستاطيقا (فلسفة الجمال).

يُعد كانط من مفكري التنوير الطليعيين، ويُجادل بعض الدارسين بكونه أحد أعظم الفلاسفة على الإطلاق، إذ تضمنت أعماله الاتجاهات الجديدة التي بدأت مع عقلانية رينيه ديكارت (التركيز على المنطق) وتجريبية فرانسيس بيكون (التركيز على التجربة)، وبهذا بدأ كانط حقبة جديدة في مسيرة تطور الفكر الفلسفي.

عاش كانط -طوال حياته- في المقاطعة النائية التي وُلِد بها، وكان أبوه سرّاجًا ينحدر من مهاجر أسكتلندي، أو هذا ما قاله كانط مع أن الباحثين لم يجدوا ما يدعم زعمه، أما أمه فقد تميزت بشخصيتها الجميلة وذكائها الطبيعي.

اتّبع والدا إيمانويل كانط بإخلاص المذهب التقوي من الكنيسة اللوثرية، الذي يُعلّم الإنسان أن الدين يخص الحياة الباطنية ويُعبَّر عنه بالبساطة وطاعة القانون الأخلاقي.

إيمانويل كانط: سيرة شخصية - مفكري التنوير الطليعيين - أحد أعظم الفلاسفة على الإطلاق - التركيز على المنطق والتركيز على التجربة

ساعد قس الكنيسة على توفير التعليم لكانط الذي كان الرابع ترتيبًا بين إخوته لكنه الأكبر بين من بقي على قيد الحياة منهم، فدخل كانط -حين كان في الثامنة من عمره- المدرسة التقوية التي أدارها القس، وكانت مدرسة لاتينية انخرط فيها كانط مدة ثماني سنوات ونصف أهدته -كما يبدو- حبه للكلاسيكيات اللاتينية الذي استمر طوال حياته، وكانت أعمال الشاعر الطبيعي لوكريتيوس هي الأقرب إلى قلبه.

بدأ كانط دراسته في جامعة كونغسبرغ سنة 1740 طالبًا في اللاهوت فحضر دروسه وأضاف إلى ذلك أنه وعظ الرعية في مناسبات قليلة، إلا إنه مال أكثر إلى الرياضيات والفيزياء، فبدأ بقراءة أعمال الفيزيائي الإنكليزي إسحق نيوتن بمساعدة أستاذ شاب درس أعمال كريستيان وولف -أحد منظّمي الفلسفة العقلانية- وشُغف بأعمال نيوتن مثلما شُغف بها كانط نفسه.

بدأ كانط كتابة أول كتبه سنة 1744 وكان بعنوان «أفكار حول التقدير الصحيح للقوى الحية»، نُشر سنة 1746، وكان يتناول مسألة القوى الحركية.

قرر إيمانويل كانط الاتجاه إلى العمل الأكاديمي، لكن وفاة والده سنة 1746، وفشله في الحصول على منصب مدرس مساعد في إحدى المدارس الملحقة بالجامعة، جعلاه يغير طريقه ليتجه نحو عمل يوفر له أسباب المعيشة.

سرعان ما انتشرت الكانطية (الفلسفة النقدية) فدرّستها جميع الجامعات المهمة المتحدثة بالألمانية، وسافرت حشود الشبان إلى كونغسبرغ قاصدةً مزار الفلسفة، وقد أخذت الحكومة البروسية -في بعض الحالات- على عاتقها توفير الدعم المادي لهم، أما كانط فقد كان يُستشار في مختلف المسائل كأنه أحد العرافين، حتى أنهم طلبوا رأيه في جواز التلقيح الطبي، لكن لم يوقف هذا الولاء العظيم لكانط ممارسة الأخير عاداته اليومية.

لم يكن طول كانط يتجاوز 1.5 مترًا إلا بقليل وكان صدره مشوهًا وصحته متردية، فاتبع نظامًا قاسيًا طوال حياته إلى درجة أن الناس كانوا يوقتون ساعاتهم على ميعاد نزهته اليومية في الشارع الذي سُمي تقديرًا له «نزهة الفيلسوف»، إذ لم يفوّت كانط نزهة واحدة حتى منعه تقدمه في السن من ذلك، إلا في مناسبة واحدة حين استحوذت عليه قراءته رواية «إميل» لجان جاك روسو، فلم يغادر حينها البيت بضعة أيام.

بدأت صحة كانط بالتردي جديًا منذ سنة 1790 وكانت ما تزال لديه مشاريع أدبية كثيرة يريد إنهاءها، إلا إنه لم يستطع الكتابة أكثر من بضع ساعات يوميًا، وضمت الأعمال التي أكملها إسهابات في مواضيع لم تُعالج بالتفصيل سابقًا وإجابات عن الانتقادات وتوضيحات لما فُهم خطأ فيما سبق.

نشر كانط كتابه «الدين في حدود مجرد العقل» سنة 1793 فتورط في خلاف مع السلطات البروسية حول حرية التعبير الدينية، إذ وُجِد الكتاب عقلانيًا أكثر مما يتطلبه الذوق القويم فاتُهم بسوء استخدام فلسفته ما سبب «تشويه الكثير من العقائد الرئيسية الواردة في الكتاب المقدس والديانة المسيحية، والاستخفاف بها»، وقررت الحكومة منع كانط من المحاضرة في المواضيع الدينية أو الكتابة عنها.

وافق كانط على المنع علنًا لكنه فسره -سرًا- بأنه وعد شخصي للملك فريدريك فيلهلم الثاني، لذلك رأى نفسه في حِلٍ من وعده حين تُوفي الملك المذكور سنة 1797، وفي السنة التالية نشر كانط «صراع الكليات» وهو آخر مقالاته الأساسية بعد أن عاد للموضوع المحرم.

نشر كانط سنة 1797 «ميتافيزيقا الأخلاق» وهو العمل الذي يتضمن «فلسفة القانون» و«عقيدة الفضيلة». فلسفة القانون هو عمل مهم حول فلسفة كانط السياسية التي ناقشها أيضًا في «مشروع للسلام الدائم» (1795) و«حول الأمثولة القديمة التي قد تكون صحيحة نظريًا لكنها لا تعمل في الواقع» (1793).

نُشرت أجزاء من العمل الأكبر -الذي كرس له كانط وقته حتى وفاته- وشكلت آخر مجلدين من طبعة برلين الكبيرة لأعماله، وكان كانط ينوي جعل هذا العمل الإسهام الأكبر في فلسفته النقدية، لكن ما بقي منه ليس سوى سلسلة من الملاحظات تُنبئ عن مؤلَّف لم يُكتب أبدًا.

عُرف عمل إيمانويل كانط الأكبر بعنوان «العمل المستريح» وكان عنوانه الأصلي «الانتقال من الأسس الميتافيزيقية للعلوم الطبيعية إلى الفيزياء»، وربما كان هدف كانط في هذا العمل نقل النقاش إلى حد أبعد مما وصل إليه في «الأسس الميتافيزيقية للعلوم الطبيعية» المنشور سنة 1786 بتوضيح إمكانية إنشاء البديهيات لكثير من تفاصيل العلوم الطبيعية، لا لأطرها العامة فقط.

لكننا إذا تتبعنا الأجزاء الكثيرة الباقية من عمل كانط الأكبر فإننا لن نستطيع التحقق من أن هذا العمل -لو اكتمل- كان سيضيف الكثير إلى فلسفة كانط وسمعتها.

تدهورت حالة كانط تدريجيًا، الأمر الذي آلم أصدقاءه مثلما آلمه، وتوفي في كونغسبرغ في 12 فبراير 1804 وكانت كلماته الأخيرة هي: «إنه أمر جيد»، ونُقش قبره -في الكاتدرائية- بكلمات ألمانية تعني «السماوات ذات النجوم فوقي، والقانون الأخلاقي فيّ»، وهو ما أعلنه في نهاية عمله النقدي الثاني: «املأ العقل دومًا بالجديد والإعجاب والجلال المَزيد، ففيهم يتأمل فكرنا بتكرار وانتظام».

اقرأ أيضًا:

لمحة عن عصر التنوير

هذا هو الكتاب الذي تم التصويت عليه ليكون الكتاب الأكاديمي الأكثر تأثيرًا بالتاريخ

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر