تبدو فكرة انتقاء الآباء أطفالًا مثاليين جينيًا مثل أفكار الخيال العلمي، لكن علماء الأخلاق في مجال البيولوجيا حذروا في تقرير حديث من أن بعض الشركات بدأت بتزويد الأزواج الذين يعتمدون على تقنية الإخصاب الخارجي في الزجاج المخبري لإنجاب أطفالهم بالوسائل اللازمة لاختيار أجنة أفضل من خلال التقييم متعدد الجينات.

قال باتريك تيورلي وهو أستاذ مساعد في مركز جامعة كاليفورنيا الجنوبية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في لوس أنجلوس: «يُعرَف التقييم متعدد الجينات بأنه متوسط إسهامات كل الجينات المعروفة من قبلنا ومحاولة التنبؤ بازدياد أو نقصان احتمالية إصابة شخص ما بمرض معين أو امتلاكه لصفة معينة».

يسعى الآباء من خلال تقنية التقييم متعدد الجينات إلى اختيار أجنة من المتوقع امتلاكهم صفاتٍ محددةً يرغبون بها مثل الطول والذكاء وتقليل العوامل الجينية المؤهبة لأمراض القلب والسرطان. لا يُعتبر التقييم متعدد الجينات حاليًا دقيقًا بما يكفي كما تدعي الشركات الجينية ويحذر الخبراء من وجود الكثير من المخاطر المحتملة الناتجة عن استخدامه لانتقاء الأجنة.

قال ميشيل مايير وهو المدير المساعد في الأبحاث الأخلاقية في مركز النظام الصحي جيسينجر للسياسة الصحية والأخلاقيات البيولوجية في دانفيل في بنسلفانيا: «الناس ضعيفون في فهم الاحتمالات ونحن لسنا جيدين أيضًا في هذا الأمر، وهذا ما يتضمنه التقييم متعدد الجينات، إذن فهي تقنية غير مضمونة تمامًا، نتحدث هنا عن التنبؤات التي هي أسوأ بكثير من تنبؤات الطقس التي نعرف جميعًا أنها غير صحيحة تمامًا».

على الرغم من امتلاك تقنية التقييم متعدد الجينات الكثير من المشاكل حاليًا فمن المتوقع تطورها قريبًا بعد ازيداد فهم الباحثين للمخاطر الجينية المترتبة عليها لاختيار الأجنة.

أضاف مايير الذي شارك في كتابة تقرير عن هذه التقنية نُشِر في الأول من تموز عام 2020 في مجلة نيو إنجلاند أوف ميديسن: «نظرًا للتفاوتات المتواجدة حاليًا في الطب فمن الممكن الاعتماد على هذه التقنية قريبًا. ستكون لدينا شريحة مجتمعية ضيقة قد تستفيد من التقييم متعدد الجينات أكثر من غيرها لذلك يجب أن نأخذ مخاطر ازدياد التفاوتات على محمل الجد».

يشعر الخبراء بالقلق حاليًا من إعطاء الآباء المحتملين وعودًا كاذبة حول تقنية التقييم متعدد الجينات لانتقاء أجنتهم.

ما يزال علمًا غير مؤكد

وعدت الشركات الجينية أن اختيار الأجنة اعتمادًا على التقييم متعدد الجينات سيقلل من مخاطر أمراض السرطان والقلب وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول والأمراض المعوية الالتهابية ومرض ألزهايمر والتخلف العقلي والعديد من الحالات الطبية الشائعة الأخرى.

قال مايير: «لا يعرف العلماء ما يكفي من المعلومات عن الجينات البشرية التي تؤهلهم لتقديم وعود مؤكدة بأن هذه التقييمات ستؤثر بشكل كبير في الصفات الفردية للأطفال المختارين، توجد الكثير من المخاطر ونحن قلقون حول معرفة الناس بها، إذ لا تمتلك الشركات الحافز لمساعدة المستهلكين على فهم حدود الخدمة التي يقدمونها فحافزهم الرئيسي هو التأكيد والمبالغة في التأكيد على الفوائد والتقليل من أهمية القيود».

أحد الأمثلة على ذلك هو رغبة الآباء باستخدام تقنية التقييم متعدد الجينات لتقليل خطر الحصول على طفل قصير القامة لكن النتيجة هي طفل أطول من المتوسط بواحد إنش فقط! لا تبدو المخرجات مفيدة عمليًا كفاية ومن الممكن أن تفاجئ الآباء الذين ظنوا أنهم انتقوا بنجاح أجنة طوال القامة.

أشار تيورلي في هذا السياق: «توجد مخاطر كبيرة من حدوث عواقب غير مقصودة اعتمادًا على قيام الجينات المفردة بالعديد من الوظائف في جسم الإنسان إذ لا تقوم الجينات غالبًا بوظيفة واحدة فقط، وعندما تنتقي جنينًا اعتمادًا على انخفاض خطر الإصابة بأحد الأمراض مثل السرطان والسكري فمن الممكن أن تزداد خطورة الإصابة بالعديد من الأمراض الأخرى التي لا نعلم الكثير عنها. على سبيل المثال، إذا اخترت جنينًا من المتوقع أن يمتلك مستوى تعليميًا مرتفعًا فأنت ترفع من الناحية النظرية احتمالية إصابته باضطراب ثنائي القطب».

ذكر التقرير في هذا السياق أن اختيار الجنين ذي المستوى التعليمي المرتفع سيزيد خطر إصابته باضطراب ثنائي القطب بنسبة 16%.

للآثار المجتمعية دور أكبر عندما نفكر عمن يمكنه تحمل الإخصاب الخارجي في الزجاج المخبري في المقام الأول ومن هي المجموعات البشرية المستفيدة من تطور علم الجينات البشري.

من يمكنه تحمل تكاليف هذه التقنية؟

تبلغ تكلفة انتقاء الأجنة اعتمادًا على التقييم متعدد الجينات عشرات الآلاف من الدولارات في الدورة الواحدة وهي غير مغطاة من قبل معظم التأمينات الصحية ما يجعله إجراءً لا يقدر على تحمله إلا الأغنياء، ومن المرجح أيضًا أن يكون الأشخاص ذوو الموارد المالية المرتفعة في الجانب الرابح من التفاوتات الصحية الموجودة حاليًا في الولايات المتحدة.

قال مايير في هذا السياق: «نواجه خطرًا كبيرًا مع مرور الوقت من شأنه أن يزيد التفاوتات الصحية والأنواع الأخرى من التفاوتات الموجودة حاليًا ما يشير إلى عدم قدرة الجميع على استخدام هذه التقنية في المستقبل».

يشير كاتبو التقرير إلى عدم قدرة الآباء الآسيويين أو اللاتينيين أو السود على الاستفادة من هذه التقنية على الرغم من قدرتهم المعيشية المرتفعة ويعود ذلك إلى أن معظم المعلومات الجينية المتوافرة بين أيدينا ركزت على الأفراد من الأصول الأوروبية ما يجعل استخدام هذه التقنية من قبلهم أكثر فاعلية ودقة.

يرغب مايير بتدخل لجنة التجارة الفيدرالية لحماية الأزواج من الوعود الكاذبة لشركات التحليل الجيني، إذ قال: «يجب أن تكون لجنة التجارة الفيدرالية على معرفة بهذه الشركات وكيف ظهر العديد منها في فترة زمنية قصيرة جدًا. يجب عليهم مراقبة موادهم التسويقية وحملاتهم الإعلانية والتأكد أن موادهم صادقة، لقد فعلوا ذلك مسبقًا مع عيادات أطفال الأنابيب عندما أعلنوا عن معدلات حمل معينة. إضافةً إلى ذلك يحتاج مجال التقييم متعدد الجينات إلى المزيد من الأبحاث لتحديد أفضل طريقة لتقليل المخاطر وإيصال هذه التقنية إلى أصحاب الدخل المتوسط».

قال مايير: «نحن في الطليعة، من يدرسون مخاطر هذه التقنية هم البداية فقط من أجل القيام ببحث تجريبي لمعرفة كيف يفهم الناس أو يفشلون في فهم التقييمات متعددة الجينات وكيف نستطيع أن نتواصل معهم لنوضح لهم هذه المخاطر. مُسَلحين بهذا البحث؛ يجب أن تُطور المجتمعات الطبية المهنية سياسات وتوجيهات حول استخدام تقنية التقييم متعدد الجينات وآليات لشرح هذه التقنية للأزواج، ونحتاج أيضًا إلى حوار بين كافة أطياف المجتمع حول رغبتنا باستخدام تقنية التقييم متعدد الجينات، وهل نريد اختيار أنواع أولادنا حقًا؟ ألا يجب أن ننظر إلى الأبوة كهدية وألا نحاول أن نختار أولادنا؟».

يُعتبر التشخيص الجيني قبل الزرع من الإجراءات الشائعة أثناء عملية الإخصاب الخارجي في الزجاج المخبري، ويستخدم من قبل الأزواج الذين يعانون خطر انتقال أمراض جينية محددة إلى أجنتهم.

قال مايير في هذا السياق: «عمل الأخلاقيون البيولوجيون على هذه القضايا في العقود الأخيرة لذلك فنحن نعلم الكثير من المعلومات عنها ويستخدم الكثير من الناس هذه التقنية من أجل اختيار صفات معينة أو رفضها مثل الصمم والقزامة ومتلازمة داون، إذ إن عدد المولودين مع متلازمة داون قد انخفض كثيرًا مؤخرًا بفضل التقنيات التناسلية».

اقرأ أيضًا:

أخلاقيات التعديل الجيني

ما هي أخلاقيات التعديل الجيني للأطفال ؟

ترجمة: حسن دعبول

تدقيق: نور عباس

المصدر