كان هذا الأمر شيئًا غير مقبول في الماضي، لكن الأوقات العصيبة قد تقتضي بعض الاستثناءات.

الأيروسول :

أو الهباء الجوي الكبريتي في طبقة الستراتوسفير  -Stratospheric sulfur aerosols.

هو عبارة عن جسيمات غنية بالكبريت توجد في منطقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي للأرض. هذه الجسيمات تتكون من خليط من حمض الكبريتيك والماء، وتنشأ بشكل طبيعي عن طريق التحلل الضوئي الكيميائي للغازات التي يدخل الكبريت في تركيبها.

عندما تكون موجودة على مستويات عالية من سطح الأرض، وليكن بعد انفجار بركاني قوي مثل (جبل بيناتوبو-Mount Pinatubo) ، فإنها تسبب تأثير التبريد للأرض كونها تعكس أشعة الشمس، وقد يستمر أثر هذا التبريد لبضع سنوات قبل سقوط الجسيمات.

تكمن الفكرة ببساطة في رش ملايين الأطنان من الأيروسولات الكبريتية في السماء لخلق نوع من المظلة الكيميائية التي تعكس الحرارة القادمة من الشمس ما سيؤدي بالتالي إلى التخفيف من حدة الاحتباس الحراري.

قد يكون هذا الشكل من قرصنة الغلاف الجوي خطيراً، لكن مع إحكام قبضة التغيير الكارثي للمناح على الكوكب، بدأ الباحثون في جامعة هارفارد يأخذون فكرة الهندسة الجيولوجية الشمسية على نحو أكثر جدية.

وقال بيتر كوكس الخبير في ديناميكيات النظام المناخي في جامعة إكسيتر لصحيفة الغارديان: «إن قيام بعض الباحثين في إحدى الجامعات الكبرى في العالم بتقييم تكلفة مثل هذا المخطط الجذري يظهر مدى إلحاح مشكلة تغير المناخ».

ولن تكون تكلفة تمويل هذا المشروع كبيرة إذ تشير أبحاث هارفارد أن استخدام أسطول من الطائرات المصممة خصيصاً لرش جزيئات الكبريت بشكل دوري في طبقة الستراتوسفير السفلى قد تجعلنا قادرين على تبريد الكوكب بسعر جيد في متناول العديد من الدول.

ويتنبأ أصحاب الفكرة أنه إذا أُطلِق البرنامج في عام 2018م فسيكلف حوالي 3.5 مليار دولار، بالإضافة لـ 2.25 مليار دولار ستخصص كل عام لصيانة البرنامج. وقد يبدو هذا المبلغ في الوهلة الأولى كبيرًا لكن لكي نرى الأمر من المنظور الصحيح يجب أن نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن العالم ينفق حاليًا نحو 500 مليار دولار سنويًا على التكنولوجيات الخضراء، وهو استثمار ذو حجم أكبر بكثير.

وخلص الباحثون إلى أن عشرات الدول سيكون لديها الخبرة والمال لإطلاق مثل هذا البرنامج، فحوالي 50 دولة لديها ميزانيات عسكرية تزيد على 3 مليارات دولار، هذا بالإضافة إلى أن 30 دولة آخرى تنفق أكثر من 6 مليارات دولار في هذا المجال.

ولإنجاز هذه الخطة الراديكالية ، سيذهب جزء كبير من النفقات في إنشاء أسطول جديد من الطائرات النفاثة المبطنة للكبريتات، فالطائرة هي الخيار الوحيد الرخيص والمعقول لتوزيع الأيروسول. لكن المشكلة حاليًا هي عدم توافر طائرة يمكنها أن تحلق بسرعة 20 كيلومترًا بينما تحمل أيضًا حمولة هائلة من الأيروسول. ووجود هذا النوع من الطائرات مهم إن أردنا أن تلتصق جسيمات الكبريت في الغلاف الجوي لأكثر من عام.

ولذلك قام الباحثون بتصميم طائرة جديدة بالكامل يمكن أن تخدم مثل هذا الغرض بالتحديد، وتتميز هذه الطائرة بجسم ضيق وأجنحة كبيرة بشكل غير متناسب، هذا بالإضافة إلى محركين إضافيين.

سيبدأ المشروع بأسطول مكون من ثماني طائرات فقط وينتهي في النهاية بحوالي 100 طائرة، وسيكون قادرًا على إكمال أكثر من 60٫000 مهمة سنويًا خلال 15 عامًا فقط.

قد تساعد هذه التكنولوجيا في إخفاء بعض أعراض تغير المناخ، لكنها لن تحل المشكلة تمامًا، إذ ستترك تحمض المحيطات والعواقب الأخرى لتزداد سوءًا. وزيادة على هذا، لم يتم الى حد الآن التطرق بإيجاز للشكوك والمخاطر التي قد تتضمن مثل هذه الخطة.

في حين أن الهندسة الجيولوجية الشمسية غالبًا ما توصف بأنها “سريعة ورخيصة وغير كاملة” ، إلا أن دراسة هارفارد تؤكد فقط الادعاءين الأولين، فاليوم لا تزال عيوب هذه التكنولوجيا مبهمة وخطيرة للغاية.

إن ضخ ما يكفي من الكبريتات في الغلاف الجوي لمحاكاة انفجار بركاني يعد عملًا محفوفًا بالمخاطر، وهو أيضًا أحد تلك الحلول التي لا يمكن إيقافها بمجرد البدء فيها. وفي حالة إنهاء البرنامج لأي سبب من الأسباب، يعتقد العلماء أن معدل الاحتباس الحراري سيعود على الأرجح بنية الانتقام، ما سيرفع بسرعة درجات الحرارة العالمية وبالتالي سيترك للمجتمع البشري وللنظم البيئية وقتًا أقل للتكيف.

ويقارن بعض العلماء هذه الفكرة بإلقاء دبٍّ وأسد في ساحة للقتال: «ربما سيتقاتلون ويقتلون بعضهم البعض، أو ربما يقتلونك». ويذهب بعض الخبراء أبعد من ذلك إذ يعتبرون الهندسة الجيولوجية الشمسية تهديدًا للديمقراطية ويتساءلون: «ماذا يحدث إذا سيطر بلد ما على المناخ العالمي من خلال الهندسة الجيولوجية الشمسية؟ وماذا لو فعلوا ذلك دون الحصول على موافقة بقية العالم؟».

وفي هذا الصدد، فإن دراسة هارفارد تتضمن بعض التطمينات وتشير النتائج إلى أن برنامج رش الأيروسول يتطلب عملًا واسع النطاق من شأنه أن يجعل عملية إخفاء المشروع عن بقية العالم يكاد يكون مستحيلًا.

يقول سميث: «لا يمكن أن نتوقع على نحو معقول لأي برنامج عالمي لرش الأيروسول بطبقة الستراتوسفير بنفس الحجم والطبيعة التي نوقشت هنا أن يحافظ على السرية».

وحتى في عامنا هذا، فإن برنامجًا واحدًا للرش يستلزم 4000 رحلة على ارتفاعات عالية بشكل غير عادي تقوم بها  طائرة ذات حجم يماثل طائرات الخطوط الجوية في ممرات متعددة في كل من نصفي الكرة الأرضية. ويعد هذا النشاط من الطيران كثيرًا جدًا حتى يظل غير مكتشف، ويمكن ردع مثل هذا البرنامج وبمجرد اكتشافه.

ربما يومًا ما سنقرر أن الأمر  يستحق المجازفة.

نُشرت الدراسة في رسائل البحوث البيئية.


  • ترجمة: عبد الله آيت وشن
  • تدقيق: مرح منصور
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر