يستخدم العلماء بعض القوى الطبيعية للتلاعب بالمواد، تستخدم الملاقط الصوتية تردد الصوت للتلاعب بالأجسام الصغيرة، وتستخدم الملاقط الضوئية الليزر لاستغلال قوة الضوء. لم يكتف العلماء بذلك، فقد صمم الفيزيائيون جهازًا للتلاعب بالمواد باستخدام قوة العدم.

للتبسيط، عندما نذكر العدم فإننا نُشير إلى قوة التجاذب بين سطحين في الفراغ، المعروفة باسم «قوة كازيمير». لم يزودنا البحث الجديد بطريقة للتلاعب بالأجسام غير المتصلة فقط، بل قياسها أيضًا.

تشمل التطبيقات عدة مجالات، بدءًا من الكيمياء وعلم فلك الموجات الثقالية، وصولًا إلى شيء أساسي وواسع الانتشار هو علم القياس.

يقول الفيزيائي مايكل توبار من جامعة أستراليا الغربية: «إن استطعنا قياس قوة كازيمير والتلاعب بها، فسيكون بمقدورنا تطوير حساسية القوة وتقليل الخسائر الميكانيكية، مع القدرة على التأثير في العلم والتكنولوجيا».

توقع عالم الفيزياء النظرية هندريك كازيمير سنة 1948 وجود قوة كازيمير، وقد اتضحت بنفس القيم المُتوقَّعة سنة 1997.

منذ ذلك الوقت، ولّدت قوة كازيمير الكثير من الاهتمام، ليس بها بحد ذاتها، لكن بكيفية استخدامها في مجالات أخرى من البحث.

توقع كازيمير نشوء قوة تجاذب بين سطحين موصلين في الفراغ، لوجود تناقضات في تقلبات الكم في المجال الكهرومغناطيسي.

أضاف توبار: «لفهم ذلك، يجب أن نخوض في غرابة عالم الكم. في الحقيقة لا يوجد فراغ كامل، حتى في الفضاء عند درجة حرارة صفر، تومض الجسيمات الافتراضية مثل الفوتونات داخل الوجود وخارجه. تتفاعل تلك التقلبات مع الأجسام الموجودة في الفراغ وتزداد مع ازدياد درجة الحرارة، مسببةً قوة قابلة للقياس من العدم، تُعرَف باسم قوة كازيمير».

أُجريَت تجربة الفريق في درجة حرارة الغرفة. استخدموا غلافًا معدنيًّا صغير الحجم، مصممًا لحجز أنواع معينة من الإشعاع الكهرومغناطيسي، سُمِّي تجويف إعادة دخول الموجات الدقيقة.

استخدام قوة العدم للتلاعب بالأجسام - الملاقط الصوتية وتردد الصوت - الملاقط الضوئية والليزر - تقلبات الكم في المجال الكهرومغناطيسي

بعيدًا عن التجويف بفجوة حجمها نحو واحد ميكرومتر، يوجد غشاء مطلي بنيتريد السيليكون، يُستَخدم بوصفه نابض كازيمير.

استطاع الفريق التحكم في فجوة إعادة الدخول بدقّة عالية بتطبيق قوة كهروستاتيكية. ما سمح لهم بالتحكم في الغلاف بقوة كازيمير التي نشأت عندما كانت الفجوة صغيرةً بما يكفي.

قال توبار: «بسبب قوة كازيمير بين الجسيمات، تحرك الغشاء المعدني ذهابًا وإيابًا، وتغيرت الذبذبات التي تشبه حركة النابض كثيرًا، واستُخدمت للتحكم في خصائص الغلاف ونظام تجويف إعادة الإدخال بطريقة فريدة. ما سمح بتحسن حساسية القوة، والقدرة على التحكم في الحالة الميكانيكية للغشاء».

سمح التحكم في الفجوة للباحثين بقياس القوة. أصبحت قوة كازيمير أضعف عند فتح الفجوة، حتى وصلت إلى نقطة حيث لم تعد تؤثر في الغشاء. مع دراسة التغيرات في الغشاء، يستطيع الفريق الحصول على قياسات عالية الدقة.

إنها طريقة جديدة لقياس العدم، مع أن الأساليب الأخرى استخدمت مواد صغيرةً سريعة الحركة للسيطرة على القوة التي تنتج من الاختلافات في مجالات الكم الشاغرة.

استخدمت دراسات أخرى القوة بطرق أقل دقة، لمساعدة أجهزة السيليكون الصغيرة على الحفاظ على مسافة بينها.

كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «التقنية المستخدمة لديها قدرة عالية على إنشاء أنظمة وأجهزة بالتلاعب في قوة كازيمير الحرارية».

مثلًا، تُصمم أنظمة «في الموقع in situ» الرشيقة القابلة للبرمجة، للتلاعب في هيكلة الوضع، وتقليل خسائر الرنان حسب الحاجة عند درجة حرارة الغرفة، وتشمل تطوير ومعالجة المذبذبات الميكانيكية الطوبولوجية.

اقرأ أيضًا:

العدم- مناقشة علمية وفلسفية

سلسلة شيءٌ من عدم طاقة العدم ونشوء الكون

ترجمة: حازم أبو العمرين

تدقيق: رزوق النجار

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر