هل راودك شعور أنك قد نسيت أمرًا مهمًا كنت تعلمه مؤخرًا؟ إن محاولة تذكر المعلومات والحكايات باستمرار أمر مزعج في أغلب الأوقات، ويكون الأمر أصعب إن كنت لا تحظى بقسط كاف من النوم.

ماذا لو وجدنا طريقة لاستعادة الذاكرة المفقودة عند الحرمان من النوم؟

تُشير دراسة جديدة أُجريت على الفئران أنه تمكن استعادة الذكريات التي تنساها بعد مرور عدة أيام من حدوثها، بتنشيط خلايا دماغية محددة، أو باستخدام دواء يُستخدم عادةً في البشر لعلاج مرض الانسداد الرئوي المزمن، وهو مصطلح يشمل مجموعة من الأمراض التي تُصيب الرئتين والممرات الهوائية، متضمنةً انتفاخ الرئة والتهاب الشعب الهوائية المزمن والربو.

قد يبدو الأمر غريبًا، لكن عند التفكير أن الذكريات موجودة في خلايا الدماغ بوصفها شيفرات كيميائية، أي إنها ليست مجرد خيال، عندها يبدو الأمر منطقيًا.

ومع أن إمكانية تحقق مثل هذا الأمر لم تثبت لدى البشر حتى الآن، فإن الدراسة تكشف معلومات عن إمكانية استعادة الذكريات الجديدة التي اعتقدنا أننا فقدناها في ليالي الأرق.

أظهرت الأبحاث السابقة كيف تؤثر قلة ساعات النوم في عمليات الذاكرة، وتُغير من مستويات البروتين وبنية خلايا الدماغ. لكن الباحثين ما زالوا غير متيقنين، هل يُضعف نقص النوم كيفية تخزين المعلومات، الأمر الذي يُصعب الوصول إليها لاحقًا؟ أم أن الدماغ يفقد الذكريات المتكونة حديثًا عندما لا نحصل على قسط كافٍ من النوم؟

حاول عالم الأعصاب روبرت هايكس وزملاؤه من جامعة غرونيجن الإجابة عن هذا السؤال، باستخدام فئران حُرمت من النوم مدة 6 ساعات، بعد جعلها تستكشف قفصًا مليئًا بعدة أشياء.

بعد أيام، لم تنجح الحيوانات في اكتشاف أن أحد الأشياء قد نُقل إلى موضع جديد، إلا بتحفيز الخلايا العصبية في منطقة الحصين باستخدام الضوء. يوضح هذا أن الفئران قد تتذكر المكان الأساسي لوجود الأشياء إذا مُنحت الخلايا العصبية في الحصين التحفيز المناسب.

يوضح هايكس: «كانت المعلومات مُخزنة في الدماغ في الواقع، لكن كان من الصعب استرجاعها».

تُشير النتائج إلى أن الذكريات التي يُعتقد أنها مفقودة قد تبقى موجودة، لكن يصعب الوصول إليها، ويمكن استرجاعها باستخدام محفز خارجي، على الأقل في الفئران.

للوصول إلى الذاكرة المفقودة، تُستخدم تقنية تسمى علم البصريات الوراثي، وهي تقنية تجريبية تتطلب تعديلًا جينيًا لجعل الخلايا حساسة للضوء. ما زال الطريق طويلًا لتطبيق مثل هذه التقنيات على البشر.

لإجراء المزيد من التجارب على الفئران بطريقة أبسط وأقل توغلًا، لجأ الباحثون إلى دواء يُستخدم لعلاج مرض الانسداد الرئوي المزمن، يُسمى «روفلوميلاست». إذ إن من بين تأثيراته الصيدلانية المتنوعة، لوحظ أنه يُعزز من مستويات إشارة معينة تَضعُف عادةً عندما تتراجع الذاكرة بسبب قلة النوم.

يقول هايكس: «بإعطاء الدواء للفئران المدربة التي حُرمت من النوم، تذكرت مكان الأشياء المنقولة، تمامًا كما حدث عند تحفيز الخلايا العصبية».

كانت تأثيرات استعادة الذكريات مع روفلوميلاست واضحة بعد 5 أيام من التدريب الأولي، واستمرت مدةً أطول عند استخدام الدواء والتحفيز الضوئي معًا.

يركز عمل هايكس وفريقه على كشف الآليات الجزيئية للذاكرة وكيفية استعادتها، ويثير بحثهم الجديد بعض الأسئلة القديمة حول كيفية ترميز الذكريات في أنسجة المخ، خاصةً الذكريات التي تغمرك بالسعادة عند تذكرها وتعطي الحياة معنى.

بحث العلماء طويلًا عن شبكات خلايا الدماغ التي اعتقدوا أن الذكريات المميزة مخزنة فيها. يُعتقد أن اتصال هذه الشبكات وقوتها هو مفتاح تخزين الذكريات.

سابقًا، كان تفسير الذكريات بوجود مثل هذه الشبكات موضع شك. لكن حديثًا، شهدت الأبحاث الجديدة المتعلقة بها تطورًا، إذ أصبح لدى العلماء الأداة الصحيحة للتعامل مع التجمعات الفردية لخلايا الدماغ، وهو علم البصريات الوراثي.

باستخدام علم البصريات الوراثي، أثار الباحثون في الفئران استجابات التجميد المرتبطة بالخوف، إذ يتجمد الفأر عند إصابته بالخوف الشديد، بإعادة تنشيط مجموعة فرعية من الخلايا العصبية الحُصينية التي كانت نشطة خلال تجربة سابقة مخيفة.

أيضًا، زرعوا ذاكرة خاطئة تسببت في خوف الفئران عند صدم أقدامها -حتى في غياب المؤثرات الخارجية التي تحدد عادةً طريقة استجابتها، وحفزوا استرجاع الذاكرة لدى الفئران، في النماذج المستخدمة لعلاج ألزهايمر المبكر.

مع أن البحث ما زال حتى الآن منحصرًا في مجال الدراسات على الحيوانات، فإن الهدف بعيد المدى من هذا النوع من البحث هو فهم كيفية اكتساب المعلومات وتخزينها وتذكرها لدى البشر، وقد نجد يومًا ما طريقة لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في تذكر الأحداث الجديدة.

اقرأ أيضًا:

إلى أي حد يعد فقدان الذاكرة أمرًا طبيعيًا مع تقدم العمر؟

كيف يمكن تحسين مشكلات الذاكرة قصيرة المدى باستخدام بالليزر؟

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر