لا يستجيب ما يقارب 30% من مرضى الصرع للأدوية المضادة لنوبات الاختلاج، وفي هذه الحالات يلجأ الطبيب المختص إلى محاولة العثور على المزيج الصحيح من الأدوية وذلك من خلال التجربة والخطأ، بينما من الممكن أن يمثل العلاج القادر علىاستهداف السبب الجذري للصرع بادرة أمل لهؤلاء المرضى.

لا يعتبر تحديد سبب المرض أمراً يسيراً،إذ يوضح دكتور جاك ميشود أستاذ طب الأطفال والعلوم العصبية في كلية الطب بجامعة مونتريال قائلاً: “هناك العديد من الجينات المعنية بالأمر، فمن المحتمل أن يكون لدى كل طفل طفرات وراثية مختلفة، وفي أغلب الأحيان لا تعكس الأعراض السريرية بوضوح أسباب الصرع مما يجعل اختيار العلاج المناسب أكثر صعوبة”.

أجرى دكتور ميشود دراسة حديثة واسعة النطاق بفحص 200 طفل يعانون من اعتلال الدماغ المرتبط الصرعي (epileptic encephalopathy) –وهو مرض يكون فيه الصرع متضمناً خللاً في الجانب الإدراكي أو عجز كامل لوظائف النمو لدى الطفل–بالإضافة إلى عائلات هؤلاء الأطفال في محاولة لوضع استراتيجية أكثر عقلانية لعلاج الصرع.

وحدد الفريق البحثي ثمانية جينات جديدة متورطة في هذا النوع من الصرع بفضل استخدامهم لتسلسل الجينوم بأكمله وذلك ولم يحدث من قبل في دراسة الصرع وقد نشرت نتائج الدراسة مؤخراً في مجلة “American Journal of Human Genetics”.
يضيف ميشود: “من خلال دراسة الفيزيولوجيا المرضية للجينات المعنية، نأمل في المضي قدماً نحو العلاج الأنسب وتوفير الوقت المستغرق في الفحوص الطبية المرهقة”.

وكان لهذا الاكتشاف آثاراً بعيدة المدى، فلا النتائج لا تثبت فقط التسلسل المنهجي للجينوم بأكمله بل تظهر أيضاً أن طفرات دي نوفو(de novo mutations)-والمعروفة باسم الطفرات العفوية التي لا يورثها الآباء والأمهات-هي السبب الرئيسي لهذا النوع الشديد من الصرع.

يقول دكتور ميشود: “لقد تمكنا من تحديد التغير الجيني الذي أدى إلى اعتلال الدماغ الصرعي في 32 % من مرضانا، وهو أمر رائع جدًا”.

لقد خضع هؤلاء الأطفال لفحوصات وتقييمات طبية واسعة، ولكن لم يستطع أحد أن يجد السبب الرئيسي، وإذا تم إجراء هذا التحليل في وقت مبكر، قبل إجراء جميع الفحوص الطبية، حينها قد يكون العائد أكبر من ذلك”.

مجهود جماعي على نطاق دولي

يوضح دكتور ميشود أن استخدام تسلسل الجينوم بأكمله في بيئة سريرية قد أضاف قيمة علمية مقارنة بالنهج الأكثر تقليدية على أساس الإكسوم (Exome)، الذي يمثل أقل من 2 % من الجينوم. ويضيف: “بفضل تسلسل الجينوم كنا قادرين على تحديد عدد أكبر من الطفرات”.

في المستقبل، ومع تطوير أساليب جديدة لتحليل بيانات تسلسل الجينوم الكامل سوف يصبح من الممكن تحسين الأداء التشخيصي، وقد تحقق هذا التقدم العلمي بفضل الجهود الجماعية التي بذلها أكثر من 100 باحث من مختلف أنحاء العالم.

يقول ميشود: “لقد قمنا بإنشاء شبكة من المتعاونين في المملكة المتحدة، والعديد من الدول الأوروبية الأخرى وكذلك في أستراليا لتحديد 30 طفلاً آخرين لديهم طفرات في الجينات ذاتها، وهذه هي الطريقة التي تمكننا من التحقق من صحة النتائج التي توصلنا إليها”.

وأضاف أنه في سياق دراسة مرض الصرع، يبدو أن طفرات دي نوفو تنطوي على آليات تعطل الجينات بطريقة تختلف عن أولئك الذين يعانون من إعاقة ذهنية،إذ تميل الطفرات في الصرع إلى التأثير على مناطق محددة من الجين، بينما تتوزع الطفرات المرتبطة بالإعاقة الذهنية في الجين بأكمله.

يشير هذا النمط إلى أن الطفرات في الصرع تنقل خصائص محددة للبروتينات المقابلة لها، والتي قد تظهر بعد ذلك على هيئة انخفاض أو زيادة في نشاط البروتين، وفي حالة الإعاقة الذهنية، فإن الطفرات ستقوم ببساطة بتعطيل الجين.

تٌعد معرفة آليات العمل هذه أمراً بالغ الأهمية لتطوير العلاجات الشخصية للصرع، ومع ذلك هناك حاجة إلى المزيد من العمل قبل أن تكون هذه العلاجات أكثر ملائمة مع المحتوى الوراثي للمرضى.


  • ترجمة: علي أبوالروس.
  • تدقيق: داليا المتني.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر