في كل ثانية، تخترق تريليونات التريليونات من الجسيمات دون الذرية متناهية الضآلة في الكتلة المسماة بالنيوترينوات أجسادنا في صمت منطلقة من الشمس، وتَنتُج تلك النيوترينوات عن نوعين من التفاعلات الاندماجية في الشمس. حتى الآن اكتشف العلماء مجموعة واحدة فقط من تلك التفاعلات وهي تلك الناتجة من اندماج البروتونات معًا لتشكيل الهيليوم.

الآن وللمرة الأولى، يقول الفيزيائيون العاملون في تجربة بوريكسينو في إيطاليا إنهم رصدوا المجموعة الغامضة الثانية من النيوترينوات «المفقودة» التي تنتج عن الطريقة الثانية لتشكيل الهيليوم وتُعرف بنيوترينوات السي إن أو CNO نسبة إلى دورة الكربون-الهيدروجين-النيتروجين في الشمس التي ظل العلماء يبحثون عنها لعقود، وبتحليلها بطريقة أفضل، ربما سنتمكن من حل مشكلة جوهرية متعلقة بالشمس وهي مقدار المعادن التي تحتويها الشمس أو ما يُعرف بمعدنية الشمس.

«تكشف مخرجات تجربة بوريكسينو بصورة كاملة عن العمليتين اللتين تزودان الشمس بالطاقة» وفقًا لتصريح وارد في ساينس نيوز منسوب للفيزيائي جيواتشينو رانوتشي من معهد إيطاليا الوطني للفيزياء النووية في ميلان.

اكتشاف جسيمات النيوترينوات المفقودة المتولدة في قلب الشمس - التفاعلات الاندماجية في الشمس - الجسيمات دون الذرية متناهية الضآلة في الكتلة

قدم رانوتشي تلك النتائج في مؤتمر النيوترينو 2020 الذي جرى عقده افتراضيًا، وتجدر الإشارة إلى أنه لم تُراجَع التفاصيل من قبل الباحثين الآخرين بعد، لكن النتيجة جلبت انتباه مجتمع الفيزياء، ومنهم ليندسي بيجنيل عالم فيزياء الجسيمات في أستراليا الذي استرعى البحث انتباهه رغم عدم مشاركته في الدراسة، وصرح قائلًا: «تمثل القياسات المعروضة في تجربة بوريكسينو ذروة المجهودات المضنية لإزالة الضوضاء والتشويش في كاشفاتهم بما يكفي لقياس نيوتريونات السي إن أو، وتُعد نتائج التجربة مهمة للغاية لفهم طبيعة شمسنا وحل مشكلة معدنية الشمس».

لا نستطيع إلى الآن تحديد مقدار معدنية الشمس، ورغم الغرابة البادية في ذلك فإنها الحقيقة، فما لدينا الآن هو تنبؤات معتمدة على طريقتين مختلفتين بنسبة 28% تقريبًا، وتكمن أهمية اكتشاف نيوتريونات السي إن أو في أنها يمكن أن تكون العامل المرجح لصحة إحدى الطريقتين إن كانت أيًا منهما صحيحة.

يُعزى السبب وراء صعوبة اكتشاف نيوتريونات السي إن أو إلى أنَّها صعبة التمييز عن الأنواع الأخرى من النيوترينوات التي تنتجها الشمس – خاصة في وجود التيارات المشوِّشة والتغيرات الحرارية الناتجة عن كاشف بوريكسينو.

تتكون إعدادات التجربة من كرة فولاذية ضخمة مصممة لالتقاط الومضة السريعة من النيوترينوات المُراوِغة فور اصطدامها بجزيئات مُذِيب يُدعى 4،2،1-ثلاثي ميثيل البنزين، وتُغمر التجربة بالكامل داخل خزان مياه ومن ثم تُحمى في صخرة لتجنب التداخل مع جزيئات الإشعاع.

يتشكل قلب كاشف بروكسينو من أقل من 300 طن من المذيب بقليل، لذلك، لك أن تُشبِّه الوميض الناتج بأضواء احتفالات يوم الاستقلال.

لكن، لا تفصح النيوترينوات عن نفسها إلا من خلال القوى النووية الضعيفة ما يستلزم مرورها من نافذة بالغة الصغر بحجم 10 مرفوعة إلى الأس سالب 46 سنتيمترًا مربعًا لتحظى بأي أمل في هز نواة الذرة، ويعني هذا أنه بالرغم من إمطار الذرة بالجسيمات الضئيلة فإنه لا تتوافر الفرصة إلا لعشرات من النيوترينوات لإطلاق ومضة ضوء، وتُستعمل تجارب مثل هذه لقياس إشعاعات النيوترينوات منذ ستينيات القرن الماضي لرصد الانفجارات الكونية البعيدة والتفاعلات النووية القريبة والجسيمات الصادرة عن الشمس.

تتكون معظم النيوترينوات الصادرة عن أقرب نجم إلينا من أيونات الهيدروجين المندمجة لإنتاج جسيم هيليوم من النوع ألفا، لذلك من غير المفاجئ أن تعطينا البقايا المتحللة من النيوترينوات المصطادة فكرة جيدة عن ذلك التفاعل النجمي الفريد.

ضُبط المذيب في تجربة بوريكسينو بدقة لالتقاط النيوترينوات التي تمتلك تأثيرًا كبيرًا ما يسمح لها بالتركيز على أنواع أخرى من التفاعلات النووية، وسُجلت أيضًا ومضات تعود إلى إنتاج النظائر مثل البريليوم 7 والبورون 8 منذ عام 2007 ما ساعد الباحثين على تأكيد الرياضيات التي يقوم عليها النموذج المعياري «زوو zoo» للجسيمات، لكن كانت نيوتريونات سي إن أو أصعب قليلًا في اكتشافها.

تُعد دورة السي إن أو بديلًا معقدًا لطريقة «بروتون زائد بروتون» التي تستخدم الكربون والأكسجين والنيتروجين بوصفها خطوات مرحلية أساسية في طريق صناعة الهيليوم، وسيساعدنا اكتشاف آثار دورة السي إن أو على إيجاد حدوده وكذلك في معرفة خليط العناصر الغامضة المُشَكِّلة للشمس خاصة عند الحديث عن دورها في تخليق نوى العناصر الأخرى في الجدول الدوري.

«لا تقتصر فوائد استعمال النيوترينوات على كونها وسيلة مستقلة لقياس معدنية الشمس فحسب، ولكنها أيضًا الطريقة الوحيدة الحساسة بصورة مباشرةً لمعدنية قلب الشمس» وفقًا لبيجنيل.

عُرضت الدراسة في مؤتمر النيترينو الافتراضي 2020.

اقرأ أيضًا:

ما هي النيوترونات ؟ تعريف النيوترون

النيوترينو

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر