تصدر اكتشاف سلالة جديدة نادرة من فيروس العوز المناعي البشري لأول مرة منذ ما يقرب من عشرين عامًا العناوين الرئيسية في مختلف أنحاء العالم. السؤال الأكبر هنا هو: ماذا يعني الاكتشاف بالنسبة للاستجابة الشاملة لوباء فيروس العوز المناعي البشري؟

فريق مكون من باحثات أمريكيات من آبوت -شركة أمريكية لتصنيع المعدات الصحية والطبية- بقيادة ماري رودجرس ومجموعة من الكُتاب المساعدين في جامعة ميسوري، أعلنوا عن اكتشافهم في دراسة نُشرت في مجلة متلازمة نقص المناعة المكتسبة.

هذه السلالة الجديدة هي الأولى التي يتم تحديدها منذ وضع المبادئ التوجيهية لتصنيف سلالات فيروس العوز المناعي البشري الجديدة لأول مرة في عام 2000.

تتعدد سلالات فيروس العوز المناعي البشري، وكغيره من الفيروسات، تطرأ التغييرات على سلالاته (الطفرات) عبر الزمن. وما اكتشافنا المستحدث هذا إلا سلالة جديد من فيروس العوز المناعي البشري. هذا لا يعني بالضرورة خطرًا جديدًا محدقًا بالصحّة العامّة، فالإصابة بهذه السلالة من الفيروس نادرة وتُعالج بكفاءة باستخدام عقاقير مضادة للفيروسات القهقرية كونها تستهدف خواص مشتركة بين جميع سلالات فيروس العوز المناعي البشري.

اكتشاف سلسلة جديدة من فيروس العوز المناعي البشري

اكتشاف السلالة الجديدة من الفيروس لن يغير من الخطة العلاجية بالعقاقير المضادة للفيروسات القهقرية إن لم تحدث في أي منها أي طفرات.

يقتضي هدف الدراسة إيضاحًا أكبر لمدى تعقيد فيروس العوز المناعي البشري ومسار تطوره وتوضيح أشمل لآلية عمل الفيروسات.

الفهم المتعمق لفيروس العوز المناعي البشري جوهري لضمان فاعلية اختبارات الكشف عن الفيروس ولاحقًا في تطوير لقاحات للمرض.

السلالات الفيروسية

هناك نوعان من فيروس عوز المناعة البشري، أكثرهم انتشارًا هو النوع الأول. النوع الثاني أقلّ انتشارًا وحالات الإصابة به قليلة.

يمكن تصنيف سلالات فيروس العوز المناعي المكتسب إلى أربع مجموعات: M وN وO وP. الإصابة بالسلالات التابعة للمجموعات O وP وM غير شائعة نوعًا ما، وتعد سلالات المجموعة M مسؤولة عن التفشي الكبير لوباء فيروس العوز المناعي البشري عالميا، وتعادل زهاء 95% من جميع الإصابات في جميع أنحاء العالم. أطلق على السلالة المكتشفة هذه -التي تعرف أيضاً باسم “السلالة أحادية السلف”- وتنتمي إلى المجموعة M، تسمية: النوع الفرعي L.

يطلق على السلالة الفيروسية الأكثر انتشارًا التي وُجدت في جنوب أفريقيا اسم النوع الفرعي C أو السلالة أحادية السلف C.

من المرشح استخدام أحد اللقاحات في علاج عوز المناعة البشرية في جنوب أفريقيا ويُعتقد بفاعليته ضد النوع الفرعي C. لكن من غير الممكن التنبؤ بفاعليته في علاج سلالات فيروسية منتشرة أخرى، هذا في حال ثبت نجاحه كلقاح في تلك المنطقة، فعلى سبيل المثال، السلالة الأكثر انتشارًا في الولايات المتحدة الأمريكية هي النوع الفرعي B.

يمكن أن تستغرق عملية تأكيد وجود سلالة جديدة من أي فيروس وقتًا طويلًا، إذ يجب تحديد ثلاث حالات منفصلة قبل الإعلان عن نوع فرعي جديد. اكتُشفت أول حالتين من هذه السلالة الجديدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 1983 و 1990 والحالة الثالثة في عام 2001. فهذه السلالة إذن بقيت تحت مجهر العلماء لثمانية عشر عامًا لدراسة الجينوم بشكل كامل قبل أن يُعلن عنها. فقد حال غياب التقنيات دون الإعلان المبكر عن هذه السلالة.

تسمح تقنيات تسلسل الجينوم المتكاملة المتوفرة اليوم للعلماء ببناء جينوم كامل بسرعة أكبر وبتكلفة أقل مقارنة بالسابق. ولتطويع استخدام هذه التقنية المتطورة بطريقة أمثل، عمد الباحثون المختصون لتطبيق التقنيات الحديثة التي تُعنى بالفيروس على كل عينة مأخوذة لضمان تسلسل الجينوم.

من وجهة نظر علمية، يدفعنا هذا الاكتشاف خطوة للأمام في مواجهة الفيروس. وعلاوة على ذلك، فإن الدور الذي لعبته التكنولوجيا الجديدة في الكشف عن السلالة الفيروسية دليل على المستوى الذي بلغناه من التقدم. ينبغي علينا الاحتفاء بما وصلت إليه الابتكارات والاكتشافات في التكنولوجيا وعلم الفيروسات الجزيئية.

تكلل الصراع ضد فيروس نقص المناعة البشرية ببعض النجاحات الهائلة في سير العلاج وفي نتائجه على المدى الطويل.

ووفقًا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس العوز المناعي البشري، انخفضت الإصابات الجديدة بنسبة 16% من 2.1 مليون إصابة في عام 2010 م إلى 1.7 مليون في عام 2017 م. ومما لا شك فيه أن الفضل في هذا الإنجاز يعود إلى خفض الإصابات الناتجة عن عدوى الأم لطفلها في جميع أنحاء العالم، ولكن من غير المستحب أن نرضى بتلك النتائج عند الحديث عن مرض بهذه الخطورة.

ضوء الطوارئ الأحمر

يغالط البعض بالاعتقاد بأن فيروس العوز المناعي البشري لم يعد خطرًا عالميًا في يومنا هذا. يهدد مفهوم خاطئ كهذا جهد الباحثين والعلماء كما يهدد مجتمعات كاملة ما تزال فيها الحاجة إلى اتباع الإجراءات الوقائية لمنع انتشار الفيروس.
وما ذلك إلا ضوء أحمر ينذرنا باستمرار الخطر والحاجة إلى الالتزام بتطبيق الإجراءات الوقائية بعناية وخاصة مع ثبات معدلات الإصابة وعدم تراجعها، كما هو مرجو.

الحل النهائي لهذا المرض هو علاج فعال ولقاح وقائيّ، وقد أجريت العديد من التجارب في جنوب أفريقيا، سميت بدراسات HVTN 702 سعيًا وراء اكتشاف لقاح وقائي ضد فيروس نقص المناعة البشرية على أمل اكتشاف لقاح فعّال.

أوقفت هذه الدراسات في بدايات شهر فبراير 2020، ما يؤكد على الحاجة إلى إعادة تركيز طاقاتنا وتسخير العلاج الفعال المتاح ووسائل الوقاية ومنع الانتشار وإتاحتها أمام كل من يحتاجها، سعيًا وراء اكتشاف لقاح وقائي ضد فيروس نقص المناعة البشرية على أمل اكتشاف لقاح فعّال. تم إيقاف هذه الدراسات في بدايات شهر فبراير 2020، ما يؤكد الحاجة إلى إعادة تركيز طاقاتنا وتسخير العلاج الفعال المتاح ووسائل الوقاية ومنع الانتشار وإتاحتها أمام كل من يحتاجها.

اقرأ أيضًا:

الأنواع الفرعية لفيروس العوز المناعي البشري

برمجة أجسام مضادة لمهاجمة سلالات فيروس العوز المناعي البشري

ترجمة: بشرى عيسى

تدقيق: سلمى عفش

المصدر