دراسة حديثة تمكن فيها العلماء من التشخيص المبكر للفصام عن طريق تصوير النشاط العصبي في الدماغ، الأمر الذي سوف يساعد الأطباء في الكشف عن المرض قبل ظهور الأعراض الذهانية.

الفصام -أو ما يُعرف باسم الشيزوفرينيا – هو اضطراب نفسي مزمن يَصعُب علاجه، يتميز بوجود تصُّورات وأفكار شاذة، وتشتمل الأعراض وجود هلاوس وأوهام وضعف في القدرات المعرفية، غالبًا ما تظهر الأعراض في أواخر مرحلة المراهقة أو في بدايات العشرينات من العمر، في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يؤثر المرض على 0.25 : 0.64 بالمئة من السكان.

كُلَّما كان تشخيص الحالة مبكرًا زادت فعالية العلاج، لكن المشكلة تَكمن في صعوبة التشخيص المبكر، إذ لا يتم تشخيص المريض بأنَّه مُصاب بالفصام إلا بعد أنْ يمر بأول حالة ذُهانية، لكن عند هذه النقطة يكون الشخص قد فقد بعض جوانب الواقع.

مؤخرًا، قرر فريق من الباحثين مكوُّن من عدة مؤسسات مختلفة (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج، مركز بيت إسرائيل ديكونيس الطبي في بوسطن، مستشفى بريغهام للنساء، مركز شنغهاي للصحة العقلية في الصين)، قرر هذا الفريق إعادة النظر بالتفصيل في أنماط النشاط العصبي، آملين التوصل إلى تحديد كيفية اتصال أجزاء الدماغ ببعضها قبل ظهور الأعراض، الأمر الذي لا يُعد تحديًا سهلًا.

نشر هذا البحث في المجلة العلمية (Molecular psychiatry).

الأعراض الأولى:

قبل أن يمر الشخص بأول حالة ذُهانية له، يُلاحظ عليه تغيرات طفيفة في طريقة التفكير، على سبيل المثال، تبديل المواضيع فجأة اثناء الحديث، أو تقديم إجابات لا علاقة لها بالأسئلة.

بالرغم من ذلك، فقط 1 من 4 أشخاص يمرون بهذه الحالة يحدث أنْ يصابوا بالفصام بعد ذلك؛ لذلك يسعى الباحثون إلى إيجاد طريقة للتنبؤ أكثر دقة.

تمّ اختيار مركز شنغهاي للصحة العقلية لإجراء الدراسة، حيث يُعد مكانًا مثاليًا؛ نظرًا لاستقباله عددًا كبيرًا من المرضى.

حدد الباحثون 158 شخصًا (تتراوح أعمارهم بين 13 و 34 عاما)، ظهرت لديهم الأعراض الأولى للفصام من قبل، وقاموا أيضًا بتحليل 93 مشاركًا ممن لم تظهر عليهم هذه الأعراض.

استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي MRI scans، بتقنية resting state networks، أي تصوير التفاعلات التي تحدث بين مناطق الدماغ أثناء الراحة وعدم المشاركة في أي مهام معرفية.

توضح سوزان ويتفيلد جابريلي، إحدى الباحثين الرئيسيين: «كنَّا مهتمين بالبحث في البنية الوظيفية الداخلية للدماغ لمعرفة إذا كان بإمكاننا تحديد أي اتصال غريب من نوعه  بين أجزاء الدماغ، عند الأشخاص المرشحين للإصابة بالفصام».

أُجري فحص بالرنين المغناطيسي على المشاركين، ثم تَلاهُ فحص آخر بعد عام، وخلال هذا العام، 23 شخصًا من بين الـ 158 تم تشخيصهم بالفصام، وعند فحص هؤلاء ال23 ومقارنتهم ببقية المشاركين، تمكن الباحثون من تحديد الأنماط التي حدثت عندهم فقط.

التلفيف الصَدغيّ العلويّ (Superior temporal gyrus)

إحدى المناطق التي لفتت انتباه الباحثين عند الفحص هي منطقة التلفيف الصدغيّ العلويّ، تحتوي هذه المنطقة على القشرة السمعية الابتدائية (Primary auditory cortex)، التي تُعد منطقة مهمة في عملية معالجة الأصوات، وغالبًا ما تتصل بمناطق التحكم الحركي والإدراك الحسّيّ، لكن في الأشخاص الذين ظهر لديهم أعراض ذُهانية، كانت منطقة التلفيف الصدغيّ العلويّ متصلة أكثر بمناطق الجهاز الحوفي (limbic regions) المسؤولة عن الانفعالات والعواطف، الأمر الذي قد يفسر سبب وجود الهلاوس السمعية عند الأشخاص المصابين بالفصام.

يقول جوسجي كولين، المسؤول عن هذه الدراسة: «يمكننا اعتبار هذا النمط إحدى العلامات الأولى التي تُنبئ بمن يمكن أنْ يصاب بالأعراض الذُهانية، ويمكن أيضًا استخدامه في وضع الخطة العلاجية».

يأمل العلماء أنَّه كُلَّما تمكنّا من الكشف عن هذه الأنماط مبكرًا، ساعدنا هذا على التنبؤ بالأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، وزاد الأمل في علاجهم، وربما يصل الأمر إلى حد منع الاضطرابات النفسية، مثلما تقول سوزان ويتفيلد جابريلي.

يقوم الباحثون الآن بدراسات مشابهة، ولكن على أشخاص أصغر سنًا، بالإضافة إلى إجراء المزيد من التحاليل حول عمليات فحص الدماغ المُستخدمة في التجربة الحالية؛ من أجل البحث عن اختلافات إضافية في مناطق اتصال المادة البيضاء(White matter) .


  • ترجمة: شيماء ممدوح
  • تدقيق: محمد قباني
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر