وصل مسبار وكالة الفضاء ناسا المسمى OSIRIS-REX إلى كويكب بينو Bennu وبعدها بأسبوع واحد فقط -في ديسمبر 2018- اكتُشِف أمر غير مألوف. إن الكويكب يُطلق جسيمات نحو الفضاء!

رصدت الكاميرا الملاحية الخاصة بالمسبار هذه الجسيمات، اعتقد العلماء في البداية إنها مجرد نجوم تظهر في خلفية الصور، لكنهم أدركوا بعد الفحص الدقيق إنها جسيمات صخرية، وشعروا بالقلق كونها قد تشكل خطرًا.

تُسمى الكويكبات التي تفقد أجزاءً من كتلتها الكويكبات النشطة active asteroids أو مذنبات الحزام الرئيسي main-belt comets، وتُخلف أحيانًا مسارات مؤقتة من الغبار والحطام، عندما رُصدت هذه الكويكبات أول مرة، اعتقد علماء الفلك أن المسارات المُخلفة ناتجة عن ذوبان الجليد وتشكلت مثلما يتشكل ذيل المذنب. لكننا نعلم الآن بوجود عدة آليات تتسبب في جعل الكويكب نشطًا.

لم يعثر علماء الفلك إلا على القليل من الكويكبات النشطة، التي يفقد أكثرها قدرًا من مادته كما تظهر في التلسكوبات، لكن أكثر الكويكبات مستقرة، في الواقع حتى كويكب بينو يبدو مستقرًّا وفق الرصد الأرضي.

وبالصدفة عثر العلماء المتشوفون لمعرفة المزيد على أحد هذه الكويكبات، ما أعطاهم الفرصة لدراسته من قرب.

صرح دانتي لوريتا، الباحث الرئيس في فريق عمل مسبار أوزريس-ركس: «يحمل الكويكب بينو العديد من المفاجآت، لقد أثار انطلاق الجسيمات فضولنا، وأمضينا الشهور السابقة في تحري هذا اللغز، إنها فرصة عظيمة لتوسعة معرفتنا حول سلوك الكويكبات النشطة».

إن أسباب نشاط الكويكبات متنوعة، منها تسامي الجليد والاصطدامات والدوران غير المستقر والكسور الحرارية والتنافر الكهربي.

نُشرت ورقة بحثية في مجلة ساينس في ديسمبر، قدم فيها لوريتا وفريقه نتائج رصدهم لكويكب بينو. توضح الورقة البحثية أن قذف الجسيمات دوري لا مستمر، وركز الفريق على أكبر 3 مجموعات من الجسيمات قُذفت دوريًّا، في 6 و19 يناير و11 فبراير.

كان الحدث الأكبر في 6 يناير، عندما رصد مسبار أوزريس-ركس نحو 200 جسيم تغادر سطح كويكب بينو بسرعة 3 أمتار في الثانية، وتراوحت أحجام الجسيمات بين 2.5 و 10 سنتيمترات. وقعت الأحداث الثلاثة في منتصف النهار في مواقع مختلفة على سطح الكويكب، أحدها في النصف الجنوبي واثنان قرب خط الاعتدال.

تمثل الخطوط الزرقاء الجسيمات المنطلقة من كويكب بينو في 19 يناير، وتنتهي بالانتقال إلى الظل. يبلغ قطر بينو نحو 500 متر. تمثل النقطة البنية في أعلى الصورة OSIRIS-REx، والمخروط البني الممتد هو زاوية رؤية المسبار

تمثل الخطوط الزرقاء الجسيمات المنطلقة من كويكب بينو في 19 يناير، وتنتهي بالانتقال إلى الظل. يبلغ قطر بينو نحو 500 متر. تمثل النقطة البنية في أعلى الصورة OSIRIS-REx، والمخروط البني الممتد هو زاوية رؤية المسبار

تدور الجسيمات فترًة بعد الانطلاق من سطح الكويكب، أيامًا معدودات ثم تعود إلى السطح، أو تنطلق نحو الفضاء. بعد بحث ظاهرة انطلاق الجسيمات، استبعد الباحثون بعض الأسباب المحتملة وتبقت 3 احتمالات: اصطدام نيزك، أوكسر الإجهاد الحراري، أو تحرير بخار الماء.

  1.  اصطدام النيازك meteoroid impacts: تتصادم الصخور الصغيرة المتجولة في الفضاء حول كويكب بينو خارج مجال رؤية المسبار، ما يؤدي إلى اهتزاز الجسيمات وانطلاقها نحو مدار الكويكب الخارجي أو إلى الفضاء.
  2.  كسر الإجهاد الحراري thermal stress fracturing: يُعَد الكسر الحراري تفسيرًا محتملاً أيضًا. يستغرق دوران بينو 4.3 ساعة، تتغير فيهم درجات الحرارة على سطح الكويكب. حدثت أحداث الانطلاق الثلاثة الكبرى في فترة ما بعد الظهيرة، ما يشير إلى ارتباطها بارتفاع درجات الحرارة، إذ ترتفع من أدنى مستوى لها ليلًا إلى أعلى مستوى لها نهارًا، وهو ما قد يسبب تصدع الصخور وانطلاق الجسيمات.
  3.  انطلاق بخار الماء release of water vapor: تحتوي تربة كويكب بينو على طين قابل لتشرب الماء بدرجة ملحوظة، يؤدي ارتفاع درجة الحرارة نهارًا إلى تمدد هذا الماء مولدًا ضغطًا في محاولته للهرب من سطح الكويكب، يتراكم هذا الضغط في الشقوق والثغرات الموجودة في الصخور، ويؤدي إلى ثوران الجسيمات الصخرية وانطلاقها من السطح.

قد يكون أحد هذه التفسيرات صحيحًا، وقد يختلف التفسير الصحيح عنها جميعًا، إذ يوجد العديد من الأسباب المحتملة الأخرى لكون الكويكب نشطًا. يقول ستيف تشيسلي، المؤلف المشارك في البحث: «قد يشترك سببان أو أكثر من الأسباب السابقة في تفسير الحدث، مثلًا قد يؤدي التكسير الحراري إلى تكسر مادة السطح إلى أجزاء صغيرة، ما يسهل بعد ذلك انطلاقها بفعل اصطدام النيازك».

يحتوي بينو على الماء، وهو في ذلك يختلف عن أكثر الكويكبات، يعني ذلك إن ظاهرة تحرر بخار الماء قد تمثل تفسيرًا مُحتملًا لانطلاق الجسيمات من بينو، لكنها لا تفسر حدوث الظاهرة نفسها في الكويكبات الأخرى (الجافة). أما اصطدام النيازك والتكسر الحراري فلا يتعارضان مع حدوث الظاهرة في الكويكبات الأخرى أيضًا.

سطح كويكب بينو من بعد 5 كيلومترات

سطح كويكب بينو من بعد 5 كيلومترات

سيجمع المسبار أوزريس-ركس عينات من كويكب بينو ويرسلها إلى الأرض في صيف 2020، تلك الجسيمات التي كانت تُلفظ وتعود لسطح الكويكب صغيرة بما يكفي لتؤخذ باعتبارها عينات، ويسهل إرسال بعضها إلى الأرض، لكن يصعب تحديد إذا كانت العينة قد لُفظت من قبل وعادت أم لا، إذا كانت العينة قد لفظها الكويكب فعلًا فسيساعدنا تحليلها على معرفة المزيد عن الكويكبات النشطة وأسباب قذف الجسيمات.

مازال أمامنا متسع من الوقت حتى الحصول على هذه العينات، وحتى ذلك الحين سيستمر المسبار في دراسة الكويكب بينو، ويمدنا بمزيد من المعلومات، وربما بمزيد من المفاجآت أيضًا!

اقرأ أيضًا:

ما الفرق بين المذنب والكويكب والشهاب؟

مركبة لإنقاذ الأرض من اصطدام كويكب على وشك الدخول في مرحلة التجميع.

ترجمة: مريم عادل

تدقيق: سمية المهدي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر