وجدت دراسة جديدة أنه كانت لأبناء عمومتنا من سلالة النياندرتال القدرة على السماع وإصدار أصوات الكلام (الصوتيات) نفسها التي لدى الإنسان المعاصر.

تحسم هذه الدراسة وبناءً على التحاليل التفصيلية وعملية إعادة البناء الرقمية للعظام في جماجم النياندرتال جدلًا امتد لعقود حول القدرات اللغوية لإنسان النياندرتال.

يقول عالم الحفريات البشرية في جامعة بينغهامتون رولف كوام: «إنها واحدة من أهم الدراسات التي شاركت فيها خلال مسيرتي المهنية».

ويتابع: «إن النتائج قوية وتظهر جليًاأنه كان لدى النياندرتال القدرة على فهم وتكوين كلام البشر. وهي واحدة من طرق البحث الحالية القليلة جدًا والمعتمدة على الأدلة الأحفورية لدراسة تطور اللغة والمعروف بكونه من المواضيع الشائكة في الأنثروبولوجيا (علم دراسة تطور المجتمعات البشرية)».

واتضح أن النظرية السائدة بأن النياندرتال كانوا أكثر بدائية من الإنسان المعاصر «الهوموسيبيان» قد بطلت، إذ أظهرت مجموعة من الدلائل المتزايدة خلال السنوات السابقة أنهم كانوا أكثر ذكاء مما كنا نفترض، فلقد طوّروا تقنية خاصة بهم وأدوات يدوية الصنع وفنًا تشكيليًا وأقاموا العزاء لموتاهم. ومع ذلك يبقى لغزًا فيما إذا كانوا قد تحدثوا فعليّا إلى بعضهم أو لا.

وتشير سلوكياتهم المعقدة إلى أنهم كانوا قادرين على التواصل فيما بينهم إلا أن بعضًا من العلماء لديه قناعة بأن الإنسان المعاصر فقط من كانت لديه القدرة العقلية للقيام بالعمليات اللغوية المعقدة.

إنسان النياندرتال كان ينطق بكلمات مشابهة للإنسان الحالي - لدى سلالة النياندرتال القدرة على السماع وإصدار أصوات الكلام نفسها التي لدى الإنسان المعاصر

وفي هذه الحالة سيكون من الصعب جدًا إثبات ذلك بطريقة أو بأخرى، وأول خطوة لذلك ستكون تحديد قدرة النياندرتال على فهم وتكوين الأصوات ضمن المدى الأمثل للتواصل الكلامي.

إليكم ما فعله الفريق الذي يقوده عالم الحفريات البشرية مرسيدس كوندي فالفيريدي في جامعة الكالا في اسبانيا:

بدايةً، أخذوا صورًا مقطعية عالية الدقة بالأشعة السينية لجماجم خمسة أفراد من النياندرتال لإنشاء نماذج مرئية ثلاثية الأبعاد لهياكل الأذن، وصاغوا أيضًا نماذج لهياكل الأذن البشرية وأحفوريات أقدم من ذلك بكثير، مثل جمجمة سيما دي لويس هويسوس والمعروفة أيضًا بسيماهومنين وهي سلف النياندرتال بالعودة لنحو 430 ألف سنة مضت.

وظف نموذجُ قدرةٍ سمعيةٍ من هذه الهياكل بالاستعانة بالهندسة الحيوية السمعية لفهم النطاق الترددي لمعرفة أي من هذه الآذان أكثر حساسية ويعرف باسم النطاق الترددي المشغول. ويكون النطاق الترددي المشغول للإنسان المعاصر هو النطاق البشري الصوتي.

ووجد الفريق أنه كان لدى النياندرتال تفوق سمعي بمدى 4 إلى 5 كيلوهرتز عن سلفه من السيما وأن النطاق الترددي المشغول للنياندرتال كان أقرب منه للإنسان المعاصر من سلفه السيماهومنين وهذا التفوق يشير إلى أن أفراد النياندرتال كانوا بحاجة لسماع أصوات بعضهم.

يقول كوندي فالفيردي: «إنه حقًا المفتاح. يُظهر وجود قدرات سمعية متشابهة وخصوصًا النطاق الترددي أن النياندرتال حاز على نظام تواصل معقد وفعال مماثل للكلام عند الإنسان المعاصر».

يمتد النطاق الترددي المشغول للنياندرتال وبشكل مثير للاهتمام لترددات فوق 3 كيلوهرتز تشارك بشكل أساسي في عملية التكوين الكلامي المتناغم. ونوّه الفريق أن هذا ما يميز نُطق النياندرتال عن النطق المعتمد على الأحرف الصوتية عند الرئيسيات غير البشرية والثدييات الأخرى. ويقول كوام :«ركزت معظم الدراسات السابقة حول قدرات النياندرتال الكلامية على قدرتهم على إصدار الأحرف الصوتية الرئيسة في اللغة الإنجليزية».

ويضيف:«مع ذلك نشعر أن هذا التأكيد في غير محله نظرًا لأن استخدام الأحرف الساكنة يعد طريقة لتضمين معلومات أكثر ضمن الإشارة الصوتية، وهي تفصل أيضًا الكلام واللغة البشريين عن نماذج التواصل الأخرى عند كل الرئيسيات الأخرى تقريبًا. وحقيقةً إن وقوفنا على هذه الدراسة هو جانب مهم جدًا من البحث وطرحٌ غير مألوف مسبقًا فيما يتعلق بالقدرات اللغوية لأسلافنا الأحفورية».

نبّه الباحثون أنه ليس بالضرورة أن يعني امتلاك القدرة التشريحية على تكوين وإصدار وسماع الكلام أن النياندرتال امتلكوا الإمكانية المعرفية للقيام بذلك، ولكنهم أشاروا أيضًا أنه لا يوجد دليل أن السيماهومنين أظهروا السلوكيات الرمزية المعقدة كإقامة التعازي والفن التي وجدناها عند النياندرتال.

ويوازي هذا الاختلاف السلوكي الاختلاف في القدرات السمعية بين النياندرتال والسيماهومنين الذي يقول الباحثون أنه يقترح تطورًا مشتركًا للسلوكيات المعقدة والقدرة على التواصل الشفهي.

«وتعزز نتائجنا المكتوبة في هذه الورقة البحثية إلى جانب الاكتشافات الأخيرة التي تتناول السلوكيات الرمزية المعقدة عند النياندرتال فكرة حيازتهم على نوع من اللغة البشرية، نظام مختلف جدًا بتعقيده وفعاليته عن أي من أنظمة التواصل الشفهية الأخرى المستخدمة بواسطة الكائنات غير البشرية على كوكبنا هذا».

اقرأ أيضًا:

هل كان إنسان النياندرتال ذكيًا؟ وما سبب انقراضه؟

نشأ أطفال النياندرتال وفطموا بطريقة مماثلة للبشر الحاليين

ترجمة: زياد جمال

تدقيق: محمد الأسطى

المصدر