رجلٌ أمريكيٌ أراد الإقلاع بصاروخٍ منزلي الصنع لإثبات أنّ الأرض مسطّحة.

(مايك هيوز)، هو رجلٌ أمريكيٌ متهور، يرفض حقيقة أن الأرض مكورة، أعلن بنفسه على شريط فيديو على صفحته في فيسبوك قبل فترة أنه يعتزم إطلاق نفسه من ممتلكاته الخاصة إلى ارتفاع 1800 قدم (550 متر) يوم السبت 3 شباط.

وكان هيوز قد ألغى وأجّل عملية الإطلاق من قبل، لذلك لم يتضح ما الذي سيحدث يوم السبت.

وبقي صاروخه المنزلي على منصة الإطلاق في أمبوي، كاليفورنيا، لمدة 11 دقيقة تقريبًا في بثٍ مباشرٍ على الإنترنت لإطلاق الصاروخ، ولكن لم يذهب إلى أي مكان ولم يحدث إطلاق.

ومع ذلك، فإنه هذا الأمر يسلط الضوء على ثقافةٍ فرعيةٍ بدأت باكتساب المزيد من الشهرة على الانترنت.

إن هذه الثقافة الفرعية هي ثقافة مسطَحي الأرض، وهم الأشخاص الذين يجادلون بأن الملاحظات التي بدأت منذ قرون والتي تقول بأن الأرض كروية (بما في ذلك صور رواد الفضاء ومسارات رحلات السفر في جميع أنحاء العالم) إما أنها مخطئةٌ أو جزءٌ من مؤامرة واسعة لإخفاء الحقيقة.

وبدلا من ذلك، يعتقد مسطَحي الأرض أن هذا الكوكب هو في شكل قرص.

وهذا الشكل يختلف من شخص لآخر، لكن العديد من المصدقين بالأرض المسطحة يقولون بأن جدران الجليد تحيط بحافة القرص، وأن الكواكب والأقمار والنجوم تحوم فوقها على شكل قبّة فوق الأرض، والكثير منها أقرب إلى الأرض مما هي عليه حقًا.

ومثل بقية نظريات المؤامرة فهي واسعة الانتشار.

إذًا ما الذي يجعلها بهذه الجاذبية؟

بالنسبة لكثيرٍ من المؤمنين بنظرية الأرض المسطحة، إنها مسألة عدم ثقةٍ في النخبة العلمية والرغبة في رؤية الأدلة بأعينهم.

ويقول علماء النفس أن منظري مؤامرة الأرض المسطحة لهم نفس احتياجات المؤمنين في مؤامرات أخرى: الانتماء الاجتماعي، والحاجة إلى المعنى والسيطرة، ومشاعر السلامة في عالمٍ غير مؤكد.

تصميم نظرية المؤامرة

نظريات الأرض المسطحة ليست جديدة. ويعود تاريخها في العصر الحديث إلى كاتبٍ إنجليزي يدعى صمويل روبوثام، الذي كانت لديه مجموعة متنوعة من التفسيرات الإبداعية للكون في منتصف القرن التاسع عشر.

وقال فيرين سوامي، وهو عالمٌ نفسيٌ اجتماعيٌ في جامعة أنجلياروسكين في كامبريدج بإنكلترا، بأنه كان هناك اهتمامٌ بالغٌ في الخمسينيات بإنشاء الجمعية الدولية للأرض المسطحة، ولكن يبدو أن عودة النظرية اليوم مستمدةٌ من وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد عزز المشاهير الصغار، مثل مغني الرابB.o.Bوشخصية التلفزيون تيلا تيكيلا، ملف المؤامرة من خلال تغريداتهم عن شكوكهم بأن الأرض مكوّرة.

وقال سوامي إن فكرة الأرض المسطحة في عصر الإنترنت مازالت حديثة جدًا بحيث لم يقم أحد بأي بحثٍ نفسيٍ عليها، على الرغم من أن أحد طلابه يعمل على مشروع حول الظاهرة الآن.

ومع ذلك، درس علماء النفس لماذا نظريات المؤامرة جذابة، بشكل عام. وقالت كارين دوغلاس، وهي أستاذة في علم النفس الاجتماعي في جامعة كنت في كانتربري بإنكلترا، إن الأسباب تندرج في ثلاث فئاتٍ رئيسية.

السبب الأول له علاقة بالبحث عن المعرفة واليقين.

الأشخاص الذين يشعرون بعدم اليقين يميلون إلى التوجه نحو المؤامرات. يحدث هذا الأمر على النطاقات الصغيرة والكبيرة على حدٍ سواء، حيث وجدت دراسة نفسية في عام 2015 أنه عند وضع الناس في حالة يشعرون فيها بعدم السيطرة، فإنهم يميلون أكثر لتصديق نظريات المؤامرة.

وهناك أيضًا أدلةٌ على أن التصديق بالمؤامرة يرتفع خلال أوقات الأزمة الاجتماعية، مثل ما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر، وفقًا لورقة نشرت في العام الماضي في مجلة دراسات الذاكرة (Memory Studies).

أما السبب الثاني كما قالت دوغلاس، فعلى الرغم من أن تخيل وجود جمعيات سرية جهنمية خلف كل أمرٍ قد يبدو مخيفًا، فإن نظريات المؤامرة يبدو أيضًا أنها تقدم للمصدقين بها وعودًا بالسيطرة والتحكم في شكل معرفة وبصيرة يفتقر إليها الآخرون.

فنظرية المؤامرة تقول: «لديك حاجةٌ إلى الأمن والسيطرة، ولا تملك ذلك،حاول التعويض عنها بالمعرفة».

وأخيرًا، يمكن لنظريات المؤامرة أن تعطي المصدقين بها دفعةً من احترام الذات وتسمح لهم بأن يشعروا بالرضا عن المجموعات التي ينتمون إليها.

وتقول دوغلاس إن بعض الدراسات تشير إلى أن النرجسية والتصديق بنظرية المؤامرة مرتبطان، كما أن العديد من المؤامرات تقسم العالم إلى (رجال طيبون) (على سبيل المثال، نجم يوتيوب الأخلاقي الذي يستهدف البحث عن الحقيقة) و (الأشرار) (مثل الحكومة أو مجموعة إثنية معينة).

رفض الأساسيات

قال مايكل وود، وهو محاضر في علم النفس في جامعة وينشستر في إنجلترا، إن الناس غالبًا ما يدركون الأسباب الكامنة وراء اعتقادهم بالمؤامرات.

وقال وود: «الشيء الوحيد الذي وجدته مثيرًا للاهتمام في بحثي عن فكرة الأرض المسطحة على يوتيوب هو أن الناس غالبًا ما يكونون على درايةٍ تامةٍ بدوافعهم».

سيقولون إنهم يجدون أنه من المروع أن يصدقوا الكون كمكان هائل وغير مكترث، وأنه يبدو أكثر منطقيةً أن نتصور أن الأرض صنعت للبشر ككرة ثلج مثالية.

وأشار مايكل وود أن بعض المصدقين بالأرض المسطحة دافعهم ديني. كما أن البعض يعيد ذكر ما كتب عن ثبات السماوات.

وبالنسبة للآخرين، يبدو أن التصديق بالأرض المسطحة مرتبط بالمؤامرات الأخرى ذات الصلة بالفضاء، مثل الاعتقاد بأن الهبوط على القمر كان مزيفًا.

وقال وود:«إذا قرأت مناقشة مجموعات الأرض المسطحة فستلاحظ أن الناس يتحدثون عن وكالة ناسا، وهم يكرهونها حقًا».

وأشار سوامي أن فهم فيزياء الكون أمرٌ صعبٌ جدًا وهو يعتبر جزءًا من المشكلة.ولدى مسطحي الأرض الحق، إلى حدٍ ما، في اعتبار العلم نخبويًا: فهو يتطلب المال والمعرفة والوقت في التعليم العالي لتكون قادرا على إطلاق قمر صناعي في الفضاء أو فهم الرياضيات التي تبين لماذا الكوكب مكورًا.

(ومع ذلك، يمكنك بسهولة إثبات أن الكوكب مكوّر مع الأساليب المنزلية.) فنظريات الأرض المسطحة تبسَط كل التعقيدات ولا تتطلب من المصدقين بها أي إيمان في العلم أو العلماء.

ومن المثير للاهتمام، أن الدراسات التي تتعلق بالأطفال تشير إلى أنه على الرغم من أن الإنسانية قد عرفت أن الكوكب مكورٌ منذ عصر اليونانيين القدماء، لكنه ليس اعتقادًا بديهيًا.

حيث يقول طلاب المدارس الابتدائية إن الأرض كروية عند سؤالهم، وفقًا للدراسات التي يعود تاريخها إلى السبعينيات والثمانينيات، ولكن المزيد من الاستجواب يكشف في كثير من الأحيان أن صورتهم الذهنية للأرض الكروية ضبابيةٌ تمامًا.

قد يعتقدون، على سبيل المثال، أن الأرض في الفضاء كروية، ولكن من الواضح أن ما نسير عليه مسطح. أو قد يقولون بأن الأرض كروية، ولكن أيضًا من الممكن أن تسقط من الحافة.

هذه المعتقدات المتناقضة كانت شائعة في الأطفال حتى سن 10 أو نحو ذلك، وفقًا لدراسة عام 1985.

وعند بلوغهم سن الثالثة عشر، يكون معظم الأطفال قد استوعبوا مفهوم الأرض الكروية على الرغم من أن البعض لا يزال حائرًا قليلًا حول كيفية عمل الجاذبية.

وقال سوامي أنه لسوء الحظ، بمجرد تبني معتقد المؤامرة، فإنه من الصعب التغيير لأن الناس تميل إلى التمسك بمعتقداتهم.

إن حججهم ومناقشاتهم تميل فقط إلى ترسيخ تلك المعتقدات، لأن الناس يميلون إلى الانخراط فيما يسمى ب (مفاعلات نفسية)، ويمضون الوقت في شحذ حججهم الخاصة مقنعين أنفسهم أكثر وأكثر بأنهم على صواب.

وقال سواني أنه بدلًا من ذلك، فالوقاية تعد أساسية. وقد تبين أن المفكرين التحليليين والناقدين أقل عرضةً لمعتقدات المؤامرة.

وقال سواني: «إن تعلم مهارات التفكير النقدي والتحليلي هو حقًا مفتاح الوقاية من نظرية المؤامرة ».


  • ترجمة: أشرف بن نصر.
  • تدقيق: م. قيس شعبية.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر