منذ بداية استخدام الساعات الذرية على نطاق واسع في ستينيات القرن الماضي، كان على منظمي التوقيت الأرضي إضافة ثانية كبيسة؛ ليحافظوا على التزامن مع التوقيت الشمسي الذي يُحدد عبر موقع الأرض بالنسبة للشمس والقمر والنجوم.

تُعرّف الثانية في الساعات الذرية على أنها 9,192,631,770 فترة من الإشعاع المنبعث من ذرة السيزيوم 133 خلال انتقالها بين مستويي حالة الاستقرار.

خلال الخمسين سنة التي مضت استغرقت الأرض أكثر من 24 ساعة أو ما يعادل 86,400 ثانية لتتم دورة كاملة حول محورها؛ لهذا السبب أضاف منظمو التوقيت الأرضي 27 ثانية كبيسة إلى الساعات الذرية منذ سبعينيات القرن الماضي.

تضاف الثواني الكبيسة عادة في اليوم الأخير من شهر يونيو أو في اليوم الأخير من شهر ديسمبر، عند الساعة 23 و59 دقيقة و59 ثانية حسب التوقيت العالمي المنسق.

أضيفت الثواني الكبيسة آخر مرة في ليلة رأس السنة عام 2016، إذ توقفت كل الساعات في العالم مدة ثانية واحدة (تُضاف الثواني الكبيسة في وقت واحد في جميع أنحاء العالم حسب التوقيت العالمي المنسق).

2020 كان عامًا فريدًا جدًا!

بصرف النظر عن أن عام 2020 كان عامًا غريبًا بالفعل بسبب كوفيد-19، لكن شيئًا ما أكثر غرابة بدأ بالحدوث.

سرعة دوران الأرض ازدادت بدلًا من نقصانها كما كان يحدث طوال القرن الماضي، وأصبحت الكرة الأرضية تستغرق أكثر من 24 ساعة بقليل لتتم دورة كاملة.

كان على منظمي التوقيت في المركز الدولي لدوران الأرض والنظم المرجعية-IERS، اتخاذ القرار بشأن إضافة ثانية كبيسة سالبة، وهو أمر غير مسبوق.

حدث هذا التغيير في منتصف عام 2020، وتحديداً في التاسع عشر من شهر يوليو الذي كان أقصر يوم مسجل في التاريخ بتوقيت يقل عن 24 ساعة بنحو 1.4602 ميلي ثانية.

في الواقع، سجل 28 يومًا من عام 2020 أرقامًا قياسية تتجاوز اليوم الذي كان يحمل الرقم القياسي لأقصر يوم في التاريخ (وهو يوم في عام 2005).

قال عالم الأبحاث الأول في مجموعة الوقت والتردد في المركز البريطاني الوطني للفيزياء في بيان لصحيفة التلغراف: «من المؤكد أن الأرض تدور الآن أسرع مما كانت عليه في الخمسين سنة الماضية، وقد نحتاج إلى إضافة ثوانٍ كبيسة سالبة في حال ازداد معدل دوران الأرض، ولكن ما زال الإقرار بحدوث ذلك باكرًا».

في يوليو 2020 أعلن المركز الدولي لدوران الأرض والنظم المرجعية عدم إضافة ثوانٍ كبيسة سالبة في نهاية العام، ولكن الفرصة القادمة لفعل ذلك ستكون في اليوم الأخير من شهر يونيو لعامنا الحالي 2021.

علماء الكواكب ليسوا قلقين من زيادة السرعة؛ لأنهم يعلمون أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر في دوران الكواكب، بما فيها جاذبية القمر ومعدل تساقط الثلوج وتآكل الجبال وتعريتها، وربما الاحتباس الحراري.

من ناحية أخرى، فإن علماء الحواسيب لديهم الكثير للقلق بشأنه؛ لأن الكثير من التكنولوجيا الحديثة مبنية على ما يسمى «الوقت الحقيقي».

في الأول من يوليو عام 2012 أضيفت ثانية كبيسة، وعطّل ذلك العديد من المواقع الأكثر شهرة في ذلك الوقت، ومنها موقع ريديت وفور سكوير ولينكد إن وجواكر وكانتاس.

هذه الثانية الإضافية أربكت خوادم العديد من الشركات، التي تتوقع استمرار الدقيقة مدة 60 لا 61 ثانية بالطبع.

تأثيرات قِصر اليوم.

في المتوسط، أيامنا الحالية أقصر من 24 ساعة بنصف ثانية، وبالطبع لم يسبق لك أن لاحظت ذلك، ولكن هذه النصف ثانية تؤثر تأثيرًا مهولًا في الأقمار الصناعية ومعدات الاتصال وأجهزة الحاسوب، التي تتطلب تطابق التوقيت الشمسي مع الوقت الذي تحتفظ به الساعات الذرية.

يواجه المبرمجون صعوبة في التعامل مع الثواني الكبيسة السلبية منها والإيجابية؛ لأنها تجعل الوقت يبدو كأنه يتقدم أو يتراجع.

بالنسبة لسوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة، تحدث إضافة الثانية الكبيسة خلال يوم التداول، وقد تتسبب بالخسائر.

بعد إدخال ثانية كبيسة في 30 يونيو عام 2015، اضطرت شركة بورصة انتركونتينينتال لإيقاف عملياتها مدة 61 دقيقة، وتسببت أيضًا في توقف خدمات تويتر وانستجرام ونيتفلكس وأمازون وخدمة موسيقى آبل مدة 40 دقيقة.

أما جوجل فتعاملت مع هذه الثانية الكبيسة عبر توزيعها على مدى 24 ساعة على خوادمها، واتبعت أمازون شكلًا مختلفًا، ما أدى إلى مشكلة في المزامنة بينهما استمرت يومًا كاملًا.

شرح أحد المعلقين على موقع واي المدمج مشكلةَ إضافة ثانية كبيسة سالبة قائلًا: «عمومًا، عند الرجوع ثانية واحدة في نظام لينوكس؛ فإن الوقت ينتقل من 23:59:59.999999 إلى 23:59:59.000000، ثم يستمر التوقيت إلى 23:59:59.999999 مرة أخرى، ثم ينتقل في النهاية إلى 00:00:00.000000، من منظور العرض النموذجي لنظام يونكس، لا توجد طريقة لتمثيل الثانية الحادية والستين، إنها تختفي ببساطة».

ما الذي يسبب زيادة سرعة دوران الأرض؟

حسب مجلة العلوم المتقدمة، عزَت دراسة -أُجريت عام 2015-الزيادةَ في سرعة دوران الأرض إلى الاحتباس الحراري، الذي يسبب ذوبان الجليد، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر، وهذا التغيير في توزيع الكتلة يجعل الأرض أكثر استدارة، ما يجعلها تدور بسرعة أكبر.

في الحادي عشر من أبريل عام 2011، ضرب زلزال مدمر بقوة تسع درجات على مقياس ريختر شمالي شرق اليابان، حدث على أثره تسونامي قوي أودى بحياة نحو 16000 شخص، وتسبب في انهيار محطة «فوكوشيما دايتشي» للطاقة النووية، ما أدى إلى إزاحة أجزاء من القشرة الأرضية من مكانها.

كل هذه الأحداث أثرت في سرعة دوران كوكب الأرض، ما جعل الحادي عشر من أبريل أقصر من بقية أيام ذلك العام بقرابة 1.6 جزء من المليون من الثانية.

بعيدًا عن مشاعرنا حول بطء مرور 2020، لدى كوكبنا كان له رأيه الخاص في هذه المسألة، ووحده الوقت سيحدد إن كان هذا التزايد سيستمر.

اقرأ أيضًا:

ماذا سيحصل في حال توقفت الأرض عن الدوران حول نفسها فجأة ؟

تباطؤ ضئيل في سرعة دوران الأرض يمكن أن يسبب زلازل كُبرى

ترجمة: رضوان يوسف

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: تسنيم الطيبي

المصدر