قبل 66 مليون سنة، صدم كويكب ضخم الأرض بقوة تعادل انفجار مليار قنبلة نووية، وتغطت السماء بغلاف من الرماد والغبار والصخور المتبخرة، التي تساقطت على الأرض ببطء.

رغم الموت الجماعي للحيوانات والنباتات، عاشت أميبات صغيرة جدًا في قاع البحر تسمى المنخربات، واستمرت بالتكاثر بواسطة بناء قواقع قوية من الكالسيوم والمعادن الأخرى الموجودة في قاع البحر، وذلك منذ مئات ملايين السنين، وعندما ماتت كل المنخربات أو سحقت وتحولت إلى ترسبات في قاع البحر، بقي القليل من تاريخ الأرض القديم حيًا في قواقعها المتحجرة.

درس العلماء هذه القواقع عقودًا عدة محاولين إيجاد معلومات عن حرارة محيطات الأرض قديمًا، وكمية الكربون فيها، وتركيب المعادن المتدفقة عبر الهواء والبحار.

في دراسة نُشرت في سبتمبر 2020 في مجلة Science، حلل العلماء العناصر الكيميائية الموجودة في آلاف من عينات المنخربات للحصول على السجل الأكثر تفصيلًا عن مناخ الأرض، وقد أظهر هذا السجل مدى سوء مناخنا الحالي.

شملت الدراسة الجديدة عقودًا من مهام التنقيب في أعماق البحار في سجل واحد، وفصَّلت تحولات المناخ عبر كامل حقبة الحياة الحديثة، خلال 66 مليون سنة بدأت بموت الديناصورات وامتدت إلى العصر الحالي، عصر تغير المناخ الذي سببه الإنسان.

تظهر النتائج كيفية تحول الأرض عبر أربع حالات مناخية مختلفة نتيجة التغيرات في مدار الأرض، ومستوى الغازات الدفيئة، واستمرار توسع كتل الثلوج القطبية. تعرف هذه الحالات بحالة المنزل الدافئ، والمنزل الساخن، والمنزل البارد، والمنزل المتجمد.

الأرض متجهة إلى حالة لم تشهدها طوال 50 مليون سنة - صدم كويكب ضخم الأرض بقوة تعادل انفجار مليار قنبلة نووية من 60 مليون سنة

ينتهي الرسم البياني ذو الخط المتعرج بذروة منفتحة. ووفقًا للباحثين، فإن تزايد الاحتباس الحراري الناتج عن الأنشطة البشرية حاليًا تجاوز كثيرًا تقلبات المناخ المرصودة في كامل حقبة الحياة الحديثة، إذ يُحتمَل انتقال كوكبنا سريعًا من طور منزل متجمد دام طويلًا إلى حالة منزل ساخن حارقة.

قال المؤلف المشارك في الدراسة جيمس زاكوس، أستاذ علوم الأرض والكواكب في جامعة كاليفورنيا: «نجحنا في التعرف على تقلب المناخ الطبيعي، ما أتاح لنا معرفة أن الاحتباس الحراري المتوقع الذي يسببه الإنسان سيتجاوز ذلك كثيرًا».

تتوقع الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ عام 2300 ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى مستوى لم يشهده الكوكب طوال 50 مليون سنة. تُعد الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ مجموعةً تابعةً للأمم المتحدة، تعمل على تقييم علم تغير المناخ ومخاطره وتأثيراته في كوكب الأرض.

حالة المنزل الساخن

فحص مؤلفو الدراسة أحافير قواقع منخربات من أعماق البحار ونوى الصخور وترسبات وميكروبات مستخرجة من محيطات العالم على امتداد عدة عقود ماضية، لتجميع خارطة المناخ الحديثة العائدة إلى حقبة طويلة.

تُعد المنخربات عوالق مجهريةً ظهرت في المحيط منذ نحو مليار سنة، وكلما حفر العلماء أعمق في قاع البحار، اكتشفوا عينات منخربات أقدم.

تحمل نسب نظائر الكربون والأوكسجين في قواقع المنخربات معلومات مناخيةً مهمة، فمثلًا تدل نسبة الأكسجين-18 إلى الأكسجين-16 على درجة حرارة المياه المحيطة عندما أنشأت المنخربات قواقعها، فيدل ارتفاع النسبة على برودة المياه.

وتظهر نسبة الكربون-13 إلى الكربون-12 مدى توفر الكربون العضوي لتغذية الميكروبات، يرافق ارتفاع هذه النسبة ازدياد الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

يغطي سجل المناخ الجديد فترةً زمنيةً طويلةً جدًا، ما دفع الباحثين إلى ملاحظة تأثيرات التغيرات الفلكية في مناخ الأرض، أي كيف يؤثر التغير البطيء لمدار الأرض وميله نحو الشمس في كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى أنحاء الأرض في مختلف الأوقات، تُسمى هذه الظاهرة دورات ميلانكوفيتش.

عندما قارن الفريق بيانات مدار الأرض ببيانات النظائر المناخية، وجدوا أن الاختلافات المدارية خلقت تغيرات واضحةً في المناخ العالمي لكنها صغيرة نسبيًا.

وفقًا للباحثين، كانت كل القفزات الكبيرة بين حالات المناخ نتيجة تغير كبير في مستويات الغازات الدفيئة، فمثلًا بعد نحو 10 مليون سنة من انقراض الديناصورات، قفزت الأرض من حالة المنزل الدافئ إلى الساخن، في حدث يعرف بالحد الحراري الأقصى بين العصر الأيوسيني والباليوسيني، وقد بلغ ازدياد درجات الحرارة في هذا الحدث عن الدرجات الحديثة 16 درجةً مئويةً وفقًا لزاكوس، وذلك بسبب الانتشار الكبير للكربون في الغلاف الجوي، الذي يُظَن أنه نتيجة انفجارات بركانية كبيرة في المحيط الأطلسي الشمالي.

مع اختفاء ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي خلال 20 مليون سنة التالية، تشكلت كتل ثلجية في القارة القطبية الجنوبية، ودخل الكوكب طور المنزل البارد، إذ بلغ متوسط درجات الحرارة السطحية نحو 4 درجات مئوية أعلى من المستويات الحديثة.

قبل نحو 3 ملايين سنة، دخلت الأرض طور المنزل المتجمد، بسبب الازدياد والتناقص المتتابع في الكتل الثلجية في نصف الكرة الشمالي.

تسبب انبعاثات الغازات الدفيئة التي يخلفها الإنسان اليوم زيادةً في درجات حرارة إلى حد لم يشهده الكوكب منذ عشرات ملايين السنين.

ختم الباحثون بأن هذا الارتفاع أكبر بكثير من التغيرات الناتجة عن تغير مدار الأرض، وإذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة على هذا المنوال، فقد ترتفع حرارة المناخ فجأةً إلى مستويات لم يشهدها الكوكب منذ الحد الحراري الأقصى بين العصر الأيوسيني والباليوسيني، قال زاكوس: «لن يستغرق الانتقال من حالة المنزل المتجمد إلى المنزل الدافئ ملايين السنين، بل مئات السنين».

قال المؤلف الرئيس للبحث توماس ويسترهولد، مدير مركز علوم البيئة البحرية في جامعة بريمن في ألمانيا: «نعلم الآن بدقة أكبر الأوقات حين كانت الأرض أكثر دفئًا أو برودة، وبتنا نفهم المتغيرات الأساسية والعمليات التي تديرها فهمًا أفضل. للفترة بين 66 و34 مليون سنة مضت أهمية خاصة، فقد كان الكوكب أدفأ بكثير مقارنةً باليوم، وهو بذلك يمثل محاكاةً من الماضي لما قد تسببه التغيرات البشرية في المستقبل».

اقرأ أيضًا:

وجد العلماء مؤخرًا سبب أول احتباس حراري للأرض.. والذي أدى إلى انقراض جماعي!

كلما اخضرّ كوكب الأرض، انخفضت وتيرة الاحتباس الحراري

ترجمة: وسام برهوم

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر