عرف العلماء منذ سنوات عدّة أن الأنظمة الغذائية غير الصحية -خاصة الأطعمة فائقة المعالجة وتلك التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والسكر- قد تسبب تغيرات ضارة بالدماغ تؤدي إلى التدهور المعرفي.

معظم العوامل التي تساهم في حدوث التدهور المعرفي تكون خارجة عن سيطرة الأشخاص مثل العوامل الوراثية والعوامل الاجتماعية والعوامل الاقتصادية. وتشير الأبحاث المستمرة إلى أن النظام الغذائي السيئ هو عامل خطر يؤدي الى الإصابة بضعف في الذاكرة خلال فترة الشيخوخة ويزيد من خطر الإصابة بمرض ألزهايمر.

البحوث المستمرة حول تأثير تناول الأطعمة المعالجة بالحد الأدنى وتناول الأطعمة فائقة المعالجة ضئيلة حتى الآن ولكن ما يحصل الآن هو تقييم ما تسببه بعض الأنظمة الغذائية من تدهور يؤثر على صحة الدماغ مع التقدم في العمر.

تشير دراستان حديثتان إلى أن تناول الأطعمة فائقة المعالجة قد يؤدي إلى تفاقم التدهور المعرفي المرتبط بالعمر ويزيد من خطر الإصابة بالخرف. ومن ناحية أخرى، ذكرت دراسة حديثة أخرى أن استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة لم يكن مرتبطًا بحدوث تدهور في الإدراك خاصةً لدى الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا.

على الرغم من الحاجة إلى مزيد من الأبحاث في كيفية تأثير النظام الغذائي على الإدراك على المدى البعيد، وجد أن هذه الدراسات المبكرة تساعد على إظهار أهمية التغذية على صحة الدماغ.

الكثير من المكونات الغذائية الحاوية على نسب قليلة من العناصر الغذائية

تتكون الأطعمة فائقة المعالجة من نسب قليلة من العناصر الغذائية والألياف ونسب عالية من السكريات والدهون والأملاح مقارنة بالأطعمة غير المصنعة أو المصنعة جزئيًا. وتشمل الأمثلة على الأطعمة فائقة المعالجة الصودا والكعك المغلف ورقائق البطاطا والوجبات المجمدة والمكسرات المنكهة واللبن المنكه والمشروبات الكحولية المقطرة والوجبات السريعة. وحتى الخبز المغلف الذي يحتوي على نسبة عالية من الحبوب الكاملة المغذية يكون مؤهلًا لكونه فائق المعالجة في كثير من الحالات بسبب المواد المضافة والحافظة التي يحتوي عليها.

تحليل البحث

في دراسة أجريت في ديسمبر 2022، قارن الباحثون معدل التدهور المعرفي على مدى ثماني سنوات تقريبًا بين مجموعات عديدة من الأشخاص الذين استهلكوا كميات مختلفة من الأطعمة فائقة المعالجة.

عند بداية الدراسة، أبلغ أكثر من 10000 مشارك يعيشون في البرازيل عن عاداتهم الغذائية خلال 12 شهرًا. بعد ذلك وخلال السنوات التالية قيّم الباحثون الأداء المعرفي للمشاركين بالاختبارات القياسية للذاكرة واختبارات تتعلق بالوظائف التنفيذية وفقًا للذين اتبعوا نظامًا غذائيًا يحتوي على كمية كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة، إذ لوحظ في بداية الدراسة انخفاض إدراكي بنسبة أكبر مقارنة بالذين اتبعوا النظام الغذائي ذا الكمية القليلة من الأطعمة فائقة المعالجة.

كان هذا اختلافًا نسبيًا بسيطًا في معدل التدهور المعرفي بين المجموعات الخاضعة للتجربة. ولم يتضح بعد ما إذا كان الاختلاف الصغير في التدهور المعرفي المرتبط باستهلاك الأطعمة فائقة المعالجة بنسب كبيرة سيكون له تأثير واضح على الأفراد.

الدراسة الثانية التي شارك فيها حوالي 72000 مشارك في المملكة المتحدة بحثت في العلاقة بين تناول الأطعمة فائقة المعالجة والخرف.

كانت النتائج بالنسبة للمجموعة التي تناولت أعلى كميات من الأطعمة فائقة المعالجة شُخّص فيها ما يقارب 1 من كل 120 شخصًا مصابًا بالخرف على مدى 10 سنوات، أما بالنسبة للمجموعة التي استهلكت القليل من الأطعمة فائقة المعالجة أو لم تستهلك، كانت نسبة المصابين 1 من 170.

يُستخدم تصنيف NOVA ضمن الأبحاث التي تبحث في العلاقة بين الصحة والأطعمة فائقة المعالجة، وهو نظام تصنيف يعتمد على حجم المعالجة المطبقة على الأغذية الصناعية ونوعه.

انتقد بعض خبراء التغذية تصنيف NOVA لعدم وجود تعريفات واضحة حول معالجة الأغذية، ما قد يؤدي إلى سوء تصنيف الأغذية. ويقول الباحثون إن المخاطر الصحية المحتملة من تناول الأطعمة فائقة المعالجة يمكن تفسيره وفقًا لاحتوائها على مستويات منخفضة من الألياف والمغذيات ومستويات عالية من الدهون والسكريات والأملاح ضمن النظام الغذائي بدلاً من تصنيفها وفقًا لمقدار المعالجة المطبقة عليها.

معظم الأطعمة فائقة المعالجة غنية بالمواد المضافة أو المواد الحافظة أو الملونات، وتحتوي أيضًا على سمات أخرى للأنظمة الغذائية غير صحية مثل انخفاض الألياف والمغذيات. وبالتالي من غير الواضح ما إذا كان تناول الطعام الخاضع لمزيد من المعالجات له تأثير سلبي إضافي على الصحة يتجاوز اتباع أنظمة غذائية ذات جودة منخفضة.

مثلًا يمكن تناول الوجبات السريعة والبطاطا المقلية من سلسلة مطاعم مختصة بإعداد الوجبات السريعة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والسكريات والأملاح بالإضافة إلى تطبيق المعالجات الفائقة. بينما يمكن إعداد نفس الوجبة في المنزل والتي قد تكون أيضًا غنية بالدهون والسكريات والأملاح ولكن لن تكون فائقة المعالجة. وتبقى هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لتحديد الأمر الأسوأ بينهما.

الأنظمة الغذائية الصحية للدماغ

يخضع دماغ المسن لتغيرات كيميائية حيوية وبنيوية ترتبط بالتدهور المعرفي بالرغم من عدم حدوث أي إجراءات مؤدية إلى الخرف.

ولكن بالنسبة إلى البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 55 عامًا فإن اتباع نظام غذائي صحي قد يزيد من احتمالية الحفاظ على الوظائف الدماغية لديهم. ويُفسر ارتباط النظام الغذائي المتوسطي والنظام الغذائي الكيتوني بالحفاظ على مستوى إدراك أفضل مع التقدم في السن.

يؤكد النظام المتوسطي الغذائي على استهلاك الأطعمة النباتية والدهون الصحية مثل زيت الزيتون والبذور والمكسرات. أما النظام الغذائي الكيتوني فهو غني بالدهون وقليل الكربوهيدرات ويترافق مع مصدر ألياف أساسي من الخضار. كلا النظامين الغذائيين يقللان أو يقضيان على استهلاك السكريات.

يُظهر البحث أن كلا النظامين الغذائيين قد يعكسا بعض التغييرات ويحسنا من الوظيفة الإدراكية ربما عن طريق تقليل الالتهابات التي تصيب الجسم.

على الرغم من أن الالتهاب هو استجابة مناعية طبيعية ضد الإصابات الجرثومية أو الفيروسية فإن الالتهاب المزمن قد يضر بصحة الدماغ. وأظهرت الدراسات أن السكر الزائد والدهون قد يساهموا في حدوث الالتهابات المزمنة، وقد تؤدي الأطعمة فائقة المعالجة أيضًا إلى تفاقم الالتهابات.

توجد طريقة أخرى قد يؤثر بها النظام الغذائي والأطعمة فائقة المعالجة على صحة الدماغ، إذ تظهر التأثيرات على الأمعاء والدماغ بالتواصل الذي يحدث بين الدماغ وميكروبيوم الأمعاء، أو عبر الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش ضمن الجهاز الهضمي.

لا يساعد ميكروبيوم الأمعاء في الهضم فحسب، بل يؤثر أيضًا على جهاز المناعة، فهو ينتج الهرمونات والناقلات العصبية الضرورية لعمل وظائف الدماغ.

أظهرت الدراسات أن الأنظمة الغذائية الكيتونية ونظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي تغير تكوين الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء بطرق تفيد الشخص. يرتبط استهلاك الأغذية فائقة المعالجة أيضًا بالتغييرات في نوع ووفرة الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء التي لها آثارًا أكثر ضررًا.

الشكوك

يعد فصل التأثيرات المحددة للأطعمة الفردية على جسم الإنسان أمرًا صعبًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحفاظ على سيطرة صارمة على الأنظمة الغذائية للأشخاص لدراستها على مدى فترات طويلة من الزمن يمثل مشكلة. علاوة على ذلك، فإن إجراء التجارب العشوائية ذات الشواهد -أكثر أنواع الدراسات موثوقية لتحديد السببية- أمر مكلف.

أظهرت معظم الدراسات الغذائية، بما في ذلك هاتان الدراستان، ارتباطات بين استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة والصحة. لكن من غير الممكن استبعاد أنماط الحياة الأخرى مثل ممارسة التمارين الرياضية والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية والاقتصادية والروابط الاجتماعية والتوتر والعديد من المتغيرات التي قد تؤثر على الوظيفة المعرفية.

وهنا تكون الدراسات المخبرية القائمة على استخدام الحيوانات مفيدة كثيرًا، إذ تُظهر الفئران تدهورًا معرفيًا خلال مرحلة الشيخوخة يشابه ما يحصل عند البشر. ويكون من السهل التحكم في الأنظمة الغذائية للقوارض ومستويات نشاطها داخل المختبرات. ويظهر انتقال الفئران من منتصف العمر إلى مرحلة الشيخوخة خلال أشهر قليلة، ما يساعد على تطبيق دراسات وأبحاث خلال فترات زمنية قصيرة.

ستساعد الدراسات المخبرية على الحيوانات على تحديد ما إذا كان للأطعمة فائقة المعالجة دور رئيسي في إحداث التدهور المعرفي والخرف لدى البشر. مع تقدم سكان العالم في العمر وزيادة عدد كبار السن المصابين بالخرف، يكون من الصعب الحصول على معلومات كافية خلال الفترة الزمنية القريبة.

اقرأ أيضًا:

هل يسرع التقاعد المبكر من التدهور المعرفي؟

دواء جديد لمرض ألزهايمر مصمم لإبطاء التدهور المعرفي

ترجمة: سارة دامر

تدقيق:هزار التركاوي

المصدر