نشأ كوننا هذا من رماد كون ميت، والفضل يرجع في ذلك إلى قوّة “شبحيّة” دفعت هذا الكون إلى الوجود، على الأقلّ هكذا يقول نموذج رياضي جديد، يؤيد فكرة أن الكون لم يولد مع الإنفجار العظيم. النّموذج يذهب إلى أبعد من ذلك بالتخلي عن الفكرة الشائعة أن الكون الرضيع تضخم حجمه بشكل سريع في فترة تعرف بفترة التضخم الكوني (Inflation).

أقدم ضوء بإمكاننا رصده في الكون هو إشعاع الخلفية الميكرويفي الكوني، الذي يعود لقرابة الـ 380 ألف سنة بعد ولادة الكون. الغريب في الأمر هو أنّ هذا الإشعاع منسجم في كلّ الإتّجاهات التي ننظر إليها. هذا لا يمكن أن يكون الحال إذا كان الكون قد نشأ ببطئ من إنفجارٍ واحد.

التّفسير الأكثر قبولاً لهذه الظّاهرة يقترح أنّ الكون مرَّ بمرحلة من التضخّم السّريع في أجزاء من الثّانية الأولى بعد ولادة الكون. هذا التضخّم السّريع هو الذي ساهم بالحفاظ على انسجام الكون، والتقلّبات الكموميّة هي التي أسست للتراكيب الضّخمة في الكون، مثل المجرّات.

على الرّغم من شيوع فكرة التضخّم الكوني، إلاّ أنّها تعاني من بعض الفجوات والصعوبات. بدايةً، لا أحد يعلم حتّى الآن ما الذي أدّى إلى الكون ليبدأ بالتضخّم. وبعض الحلول لنموذج التضخّم تعطينا عددًا لا نهائيًّا من الأكوان التي ستظهر بجانب كوننا هذا.

النموذج الجديد والذي تقدّم به علماء في جامعة برينستون تحت قيادة الفيزيائي بول ستيندهارت، يؤيد الفكرة أن الكون الذي سبق ظهور كوننا ذهب إلى حالة انكماش حتّى نقطة معيّنة، ومن ثمّ أخذ بالتوسّع مرّة أخرى، مؤدّيًا بذلك إلى كونٍ جديد (وهو كوننا). الإنكماش يُفسّر الإنسجام الكوني بدون الحاجة للتضخّم، وذلك لأنّ الضّغط الشّديد في أثناء عمليّة الإنكماش سيقوم بإزالة الشوائب في مبنى الكون.

نموذج ستيندهارت وزملاؤه يقترح أنّ القوّة التي أدّت إلى توسّع الكون مرّة قد أخرى قد تكون ناتجة عن حقل غير معروف. في النّموذج الحسابي، قام الفريق بإستخدامي حقل “شبحي”، وهو حقل بسيط رياضيًا ويتمتع بطاقة حركيّة سالبة. مع أنّ الحقل غير واقعي فيزيائيًا، إلا أنّ ستيندهارت قال أنّ استبدال الحقل بحقل أكثر واقعيّة من النّاحية الفيزيائية لن يُغيّر نتائج النّموذج، ولكنّه سيتطلّب معادلات أكثر تعقيدًا. هذا الحقل الشّبحي ضعيف لدرجة أنّنا بإمكاننا تجاهله في غالب التّطبيقات الفيزيائيّة المعروفة، بإستثناء لحظة الإرتداد، حيث يكون الكون في غاية الصّغر والكثافة.

ستيندهارت يعترف أنّ لهذا النّموذج نقاط ضعفه، فحتّى هذا الحقل الشّبحي المفترض هو مجرّد افتراض حسابي لا يختلف جوهريًّا عن افتراضات التضخّم الكوني. ولكن يتمنّى العلماء ان تمكّننا هذه النّماذج والدّراسات النّظريّة من وضع تنبّؤات وتوقّعات قابلة للإختبار والتّجربة. والحكم الذي قد يفصل بين الرّؤيتين في آخر المطاف هو البيانات التي جمعناها عن الكون حتّى الآن، مثل البيانات التي جمعها المرصد الفضائي بلانك.


 

مصدر