آخر الإبداعات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي!


تخيل الحالة التي تتركك بكامل وعيك لكنك غير قادر على الحركة أو التواصل، مثل ضحايا السكتات الدماغيَّة أو غيرها من تجارب الإصابات العصبيَّة.

هذه هي متلازمة المنحبس*(1)، عند انقطاع الاتصالات الخارجة من الدماغ إلى بقية العالم.

وقد بدأت التكنولوجيا تتوعَّد بإيجاد طرق لإعادة تشكيل هذه الاتصالات، لكن هل هو إبداعنا أو إبداع الأدمغة الذي سيجعل ذلك يحدث؟

ومنذ القرن الثامن عشر قام عالم الأحياء (لويجي جالفاني-Luigi Galvani) بجعل ضفدع ميت يرتعش وعرفنا بذلك بأنَّ هناك علاقة بين الكهرباء وعمليات الجهاز العصبي.

كما أنَّنا نعلم الآن أنَّ الإشارات في الخلايا العصبيَّة في الدماغ يتم بثها كنبضات من الجهد الكهربائي، وهذه الآثار يمكن الكشف عنها بواسطة أقطاب كهربائيَّة قريبة مجاورة.

لذلك من حيث المبدأ، يجب أن نكون قادرين على بناء نظام عصبي وسيط مُصدِّر للأوامر – بمعنى آخر جهاز يُحوِّل الفكرة إلى فعل.

وفي الواقع، لدينا بالفعل أول نظام عصبي وسيط مُصدِّر للأوامر ليتم اختباره على البشر.

ويُدعى بوابة العقل ويتألف من منظومة من الأقطاب الكهربائيَّة الدقيقة، تم غرسه في جزء من الدماغ المسؤول عن التحكُّم بحركات اليد.

فالإشارات التي تصل من الأقطاب الدقيقة يتم تحليلها وتُستخدم للتحكُّم بحركة مؤشر على شاشة، أو حركة ذراع آليَّة.

والميزة الهامة لهذه الأنظمة هي الحاجة إلى نوع من ردود الفعل.

فالمريض يجب أن يكون قادرًا على رؤية تأثير أنماط إرادتهم من الأفكار على حركة المؤشر.

والأمر اللافت هو قدرة الدماغ على التكيف مع هذه النظم الصناعيَّة، وتعلُّم السيطرة عليها بشكل أفضل.

الواقع الافتراضي

الوسيط العصبي المستقبِل – ذلك التي يُقدِّم معلومات إلى الدماغ – يعتمد أيضًا على قدرة الدماغ على التكيف معها.

والزراعة القوقعيَّة، بإمكانها استعادة بعض القدرة على السمع للصُم والبكم، كانت قريبة منذ عدة عقود ماضية وحتى الآن.

وتؤخذ هذه الإشارات من السماعات الخارجيَّة، وبعد معالجة الإشارة، تنتقل سلسلة من النبضات إلى الأقطاب الكهربائيَّة التي تُثير العصب السمعي.

وقد تم تصميم النبضات لتُحاكي طريقة ترجمة الترددات المختلفة من قوقعة الأذن – ولكن المحاكاة ليست مثالية – واستعادة القدرة على فهم الكلام.

وعلى سبيل المثال، تعتمد على القدرة المذهلة للدماغ ليتعلَّم أن يتكيف مع الأنواع الجديدة من المعلومات المُدخلة إليه.

وقد أخذت التجارب الأولى لزرع شبكيَّة العين مكانً االآن، وهي التي تستخدم إشارات من كاميرا لتحفيز الخلايا العصبيَّة للشبكيَّة لدى المرضى المُصابين بضعف في الرؤية، ويُبين نظام (البصر الثاني أرغوس2) بعض النتائج المُشجعة، مع مرضى قادرين على انتقاء الأشكال وكشف حركة الأجسام.

ولأول مرة، الناس الذين أصيبوا بالعمى نتيجة تخريب الخلايا المُستقبِلة للضوء – والتي تُحوِّل الضوء إلى إشارات ضمن العين – يمكنهم استعادة بعض القدرة من الرؤية الصناعيَّة.

والرسالة الرئيسيَّة من كُل ذلك أنَّ وسائط الدماغ هي الآن حقيقة واقعة وهذه الإصدارات الحالية مما لا شك فيه أنها سوف تتحسَّن.

وفي المستقبل القريب، من أجل الكثير من الناس الصُم والمكفوفين، ومن أجل الأشخاص الذين يُعانون من إعاقات شديدة – وتتضمن، متلازمة المنحبس – هناك احتمالات حقيقيَّة جدًا أنَّ بعض القدرات المفقودة يمكن على الأقل استعادتها جزئيًا.

وحتى ذلك الحين، تبقى أنظمة الوسائط العصبيَّة الحاليَّة بسيطة جدًا.

وأحد المشاكل هي الحجم: الأقطاب الكهربائيَّة الصغيرة المُستخدَمة حاليًا، والتي تصل أقطارها إلى عشرات الميكرونات، قد تبدو دقيقة، ولكنها لا تزال خشنة مقارنة بالأبعاد المجهريَّة لأحد الألياف العصبيَّة.

وهناك مشكلة المقياس.

ونظام بوابة العقل، على سبيل المثال، يتكوَّن من 100 من الأقطاب الكهربائيَّة الصغيرة ضمن نسق مربع: قارن ذلك مع العديد من عشرات المليارات من الخلايا العصبيَّة في الدماغ.

وحقيقة عمل هذه الأجهزة ربما أكبر دليل على أنَّ قدرة الدماغ البشري على التكيف مقارنةً بتفوقنا التكنولوجي.

نماذج مصغرة

يكمن التحدي في وسائط عصبيَّة بمقاييس تتطابق بشكل أفضل مع هياكل الأحياء.

وهنا، نتحرك ضمن عالم تكنولوجيا النانو.

كان هناك الكثير من العمل في المختبر لصناعة أقطاب كهربائيَّة بتقنية النانو صغيرة كفاية لقراءة نشاط خلية عصبيَّة واحدة.

وفي تسعينات القرن الماضي، (بيتر فروميرز – PeterFromherz)، في معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيويَّة، كان رائدًا في استخدام ترانستورات تأثير حقل السيليكون، مماثلة لتلك المُستخدمة في المعالجات التجاريَّة، للتفاعل مع خلية عصبيَّة كاملة النمو.

وفي 2006، نجحت مجموعة (تشارلز ليبر – CharlesLieber) في استخدام الترانزستورات المصنوعة من أنابيب الكربون النانوية «باستخدام تكنولوجيا النانو» – شعيرات من الكربون بقطر واحد نانو متر – لقياس انتشار نبضة عصبيَّة واحدة على طول الألياف العصبيَّة.

ولكن هذه النجاحات التي تحقَّقت، ليس في كل الأجسام، ولكن في الخلايا العصبيَّة كاملة النمو التي عادةً تكون على شيء مثل سطح رقاقة السيليكون.

والتي ستُشكِّل تحديًا لتمديد هذه الطريقة إلى ثلاثة أبعاد، لتتفاعل مع الدماغ الحي.

وربما سيكون الاتجاه الواعد بإنشاء اندماج ثلاثي الأبعاد للإلكترونيات النانوية «هيكل»، ومن ثم حث الخلايا العصبيَّة على التسلُّل من أجل خلق ما قد يكون نسيج سايبورغ – الخلايا الحية والإلكترونيات غير العضويَّة الممزوجة بشكل وثيق.

وقد يكون هذا الاحتمال قابل للتحقُّق في حياتنا، ولكن الذي يبقى بعيد جدًا هو حلم الإنسانيَّة بأن تكون قادرة على الحصول على قراءات كاملة من الدماغ – نسخة طبق الأصل عن حالة الدماغ.

كما ستبقى الوسائط العصبيَّة إحدى أضيق النوافذ وأكثرها تشعُّبًا على التعقيد الهائل للحياة الداخليَّة للدماغ، وعلى الرغم من أنَّ هذه النافذة الجزئية سوف تكون نقطة تحوُّل في حياة البعض.

ومع تحسُّن وسائط الدماغ، فسوف تُحقِّق فوائد حقيقية للكثيرين، وبعض القضايا الأخلاقية أيضًا.

كما هو الحال مع التقنيات التي أصبحت أكثر روتينيَّة، فمن المُحتمل أنَّ الناس ستجد الاستخدامات غير الطبيَّة لها.

وقد نجد أنفسنا نتحكَّم بألعاب الحاسوب، أو السيطرة المباشرة على الآلات في العمل.

ولكن رؤية الخيال العلمي للسايبورغ ستصبح حقيقيَّة بشكل كافٍ لتُعطينا وقفة للتفكير.

*(1) متلازمة المُنْحَبِس – Locked-in syndrome: هي الحالة المرضية التي يكون فيها المريض في حالة استيقاظ ووعي
ولكنه غير قادر على التواصل الشفهي مع الآخرين بسبب كونه في حالة شلل كامل لكل عضلاته الإرادية عدا عضلات
العينين.


إعداد: مجد ميرو
تدقيق: هبة فارس

المصدر