يعد الاكتئاب مرضًا صعبًا. فضلًا عن أنه يجعل المرء يشعر بالسوء، تنتشر عنه كغيره من الأمراض العقلية العديد من المفاهيم والمعلومات المغلوطة. حتى المختصون طبيًا والمتوقع أنهم المسؤولون عن هذا الأمر، يشعرون بالحيرة أحيانًا تجاه بعض جوانب هذا المرض. ومع أننا في هذا العصر نعرف عن الدماغ أكثر من أي وقت مضى، فإننا لا نعرف ما يحصل داخله في أثناء هذا الخلل.

لكن هذا على وشك أن يتغير، إذ ادعى باحثون في كلية بايلور للطب في هيوستون، تكساس أنهم طوّروا جهازًا «مفسرًا للمزاج» أي يقرأ الحالة العاطفية للأشخاص عبر النظر إلى نشاط الدماغ.

يقول الجراح العصبي وقائد هذا المشروع سمير شيث: «هذا أول إثبات لتفسير مزاج البشر على نحو ناجح ومتسق في مناطق الدماغ هذه». وأفضل ما في الأمر أن الفريق وجد طريقة لتحفيز المزاج الإيجابي في أدمغة المرضى.

قال جون، المريض الذي خضع لهذه التجربة: «أصاب الفريق منطقة ما، فقلت حينها: أشعر وكأني عدت حيًا! المعاناة من الاكتئاب أشبه بشيء يثقل روحك طوال الوقت، عندما لمس الفريق هذه البقعة الصغيرة المثالية، كأنما أزالوا هذا الثقل».

يجعل الوصف السابق المشروع يفقد تعقيده، فالبقعة الصغيرة التي يتحدث عنها هي في الواقع منطقة داخل دماغ جون. زرع فيها الفريق ستة أقطاب إلكترونية. يعتمد هذا العلاج على ما يسمى DBS أو التحفيز العميق للدماغ. تتضمن هذه العملية توليد نبضات كهربائية مباشرة لمناطق محددة من الدماغ.

نجح إجراء DBS سابقًا في علاج بعض الأمراض مثل باركنسون والصرع، وهي اضطرابات تتوضع في مناطق محددة من الدماغ. لكن يختلف العلماء على إمكانية تطبيقها في حالة الاكتئاب. يشرح شيث قائلًا: «لا نعرف كيف يمكننا إيصال DBS بذكاء لأي شخص مصاب بالاكتئاب. هذا العلاج غير ناضج أبدًا».

حتى في هذه الدراسة الحالية، طُبقت DBS على بعض الأشخاص فقط: جون، بالإضافة إلى أربعة آخرين، وجميعهم يعانون الاكتئاب الشديد المقاوم للعلاج. وصممت هذه الدراسة بحيث تكون العينة صغيرة. إذ يخطط الفريق لدراسة ١٢ شخصًا فقط.

قال شيث: «نحن نأمل أن نتوصل من دراستنا هذه إلى نتائج يمكن تعميمها». لكن يعتقد الفريق أن توسيع الدراسة سيؤدي لتقليص الفوائد المرجوة منها، فبعد كل شيء، هذا الإجراء مكلف وخطير وغازٍ ويمكن أن يعطي فكرة فقط عن حالات فردية للاكتئاب.

مع ذلك، توصل الفريق إلى بعض النتائج المذهلة. بتنفيذهم لتسجيلات دماغية لثلاثة متطوعين فقط حتى الآن، كشف المشروع عن نشاط في منطقة الدماغ المعروفة باسم القشرة الحزامية التي يبدو أنها متعلقة بالمزاج الجيد أو السيئ لدى المرضى.

قال الفريق في أثناء عرضهم لنتائجهم في اللقاء السنوي لمجتمع علم الأعصاب في سان دييغو الذي أقيم في شهر نوفمبر: «تقترح قوة الارتباط هذه أنه يمكن توقع شدة الاكتئاب على نحو موثوق من المعالم الطيفية المميزة».

أضاف الفريق: «وجدنا أن المجموعات النوعية للفرد من السمات الطيفية المكانية قادرة على التنبؤ بشدة الأعراض، وهذا يعكس الطبيعة غير المتجانسة للاكتئاب. تزيد إمكانية فك شفرة شدة الاكتئاب بالاعتماد على النشاط العصبي من فهمنا للأسس الفيزيولوجية العصبية للاكتئاب وتوفر بصمة عصبية يمكن استهدافها لعلاجات التعديل العصبي النوعية للشخص».

على الرغم من أن هذه النتائج مشجعة، فلا يجب أن تأخذنا الحماسة أكثر من اللازم. بحسب قول عالم النفس دارين دويرتي: «إنهم ثلاثة مرضى فقط!».
ووصف دويرتي بحث شيث بأنه «أساسي». وأضاف: «نأمل أن يتمكنوا من الحصول على بيانات كافية من مجموعة صغيرة من الأشخاص حتى نتمكن من الابتعاد عن زرع عدة أقطاب كهربائية مؤقتة».

اقرأ أيضًا:

علاج الاكتئاب يغير بنية الدماغ لوقت لم يحدد بعد

أعراض وعلامات الاكتئاب الخفيف والمعتدل والشديد

ترجمة: تيماء الخطيب

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: نغم رابي

المصدر