منذ ظهور الطاقة النووية أول مرة قبل 70 عامًا، ظلت الخطوة اللاحقة المتمثلة بالاندماج النووي بعيدةً عن متناول أيدينا. مع المحاولات الواعدة، يعد الوقت المتوقع للوصول إلى التقنية اللازمة لبناء اندماج نووي فعال بعيدًا جدًا.

وفقًا لبيان صحفي صدر حديثًا، ادعت شركة TAE للتكنولوجيا أنها حققت إنجازًا مهمًا في تطوير تقنية قد تولد الطاقة على نطاق تجاري باستخدام قدرة جديدة لإنتاج بلازما مستقرة عند درجات حرارة تتجاوز 50 مليون درجةً مئويةً (تفوق درجة الحرارة هذه ضعف حرارة مركز الشمس).

هل يمكن الوصول إلى درجة حرارة كافية للاندماج النووي؟

منذ أن اكتشف العلماء أول مرةً قوة الذرة والطاقة النووية، كان مفهوم توفير الطاقة اللازمة للاندماج أقرب ما يكون إلى قصص الخيال العلمي. لكن العديد من الشركات حول العالم تقترب من إدخال تقنية -الخيال العلمي- في العمود الفقري لبنية التجارة في العالم الحقيقي.

افتخرت شركة TAE خاصةً بإنجازها لأنه يشكل تكريمًا لأحد مؤسسي الشركة «نورمان روستوكر» الذي كرس حياته لتطوير أبحاث طاقة الاندماج، لكنه للأسف لم يعش ليرى تحقق الحلم الذي عمل ليجعله ممكنًا.

قال الرئيس التنفيذي للشركة ميتشل بيندرباور في بيان صحفي: «هذا حدث مهم جدًا، ويعد مكافأةً لروح معلمي الراحل نورمان روستوكر. كتبت أنا ونورمان في التسعينيات من القرن الماضي مقالًا نشرح فيه عن بلازما معينة تهيمن عليها جزيئات ذات طاقة عالية يجب أن يزيد استقرارها مع ارتفاع درجات الحرارة.

الاندماج النووي لم يعد خيالًا علميًا - الوقت المتوقع للوصول إلى التقنية اللازمة لبناء اندماج نووي فعال بعيدًا جدًا - درجة الحرارة الكافية للاندماج النووي

تمكنا الآن من إثبات سلوك البلازما الذي تحدثنا عنه بأدلة دامغة. يؤكد ذلك صحة عملنا طوال العقود الثلاثة الماضية، ويعد حدثًا بالغ الأهمية لشركة TAE يثبت أن قوانين الفيزياء في صالحنا».

يأتي هذا بعد ست سنوات من إثبات الشركة أن تصميم مفاعلها النووي يستطيع المحافظة على البلازما إلى أجل غير مسمى، ما يعني أن تفاعل الاندماج يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى فور بدئه.

مكّن هذا الإنجاز شركة TAE من جمع تمويل يقارب 280 مليون دولار، ليصبح إجمالي تمويل الشركة 880 مليون دولار، وهو من أكثر مساعي الاندماج النووي تمويلًا على وجه الأرض.

شركات ومشاريع عديدة تنشط من أجل الاندماج النووي

بعد التفعيل الأولي لآلة نورمان في صيف 2017، وظفت الشركة تقنيات الذكاء الاصطناعي من شركة جوجل، إضافةً إلى قوة الحوسبة من وزارة الطاقة الأمريكية لإثبات معادلات روستوكر للطاقة النووية.

مع ذلك، لم تولد الشركة الطاقة فعليًا حتى الآن. قال بيندرباور في تقرير لصحيفة تيك كرانش: «تعد الطاقة صغيرةً جدًا، إنها غير مادية، مثل إبرة في كومة قش، لكن يمكن استخدامها للتشخيص». لذا فإن الخطوة التالية للشركة هي تطوير التقنية اللازمة لتهيئة الظروف الكافية لتوليد طاقة مفاعل الاندماج.

يوجد مشروع اندماج نووي آخر قيد الإنشاء في فرنسا يسمى ITER، وهو مفاعل عملاق تزيد قيمته عن 25 مليار دولار، يهدف إلى تحقيق أول حرق مستمر للبلازما في موعد لا يتجاوز عام 2035. فور الانتهاء من ذلك، يُتوقع أن يمر عقد آخر قبل الكشف عن محطة تجريبية لتوليد الكهرباء للعالم.

الاندماج النووي حقيقي لكن مع تحديات خطيرة

يظن بعض المسؤولين التنفيذيين لشركات الاندماج النووي، مثل ميشيل ديلاج رئيس القسم التقني في شركة جينيرال فيوجن، أن الوعود المتعلقة بالاندماج النووي تملك أهميةً أكبر في الوقت الحالي. قال في تقرير لمجلة فيزيكس توداي: «أظن أن الأمر مختلف هذه المرة، فالقدرة على التنبؤ ومحاكاة كيفية تصرف البلازما تطورت كثيرًا، ومع الاستثمارات المتزايدة في مشاريع الاندماج النووي الخاصة، قد تكون التوقعات ببناء مفاعل اندماج نووي فعال واقعيةً خلال العقود القادمة».

في الواقع توجد جوانب سلبية لكل إنجاز علمي. قال المدير السابق لمختبر برينستون لفيزياء البلازما دانيال جيسبي: «ينتج عن مفاعلات الاندماج المرتبطة بالأرض التي تحرق النظائر الغنية بالنيوترونات منتجات ثانويةً لا يمكن إهمال أضرارها». يرى جيسبي أن بعض المشكلات التي تواجهها الطاقة النووية القائمة على الانشطار يمكن أن تنتقل إلى طاقة الاندماج.

في حين أن الاندماج النووي لم يعد خيالًا علميًا، فإنه سيواجه العديد من التحديات في العقود القادمة، لكن سواء اعتمدنا طاقة الاندماج النووي في الشبكات الكهربائية في العالم الحقيقي أم لا، فإن التقنية الناشئة تمتلك الكثير من التعهدات لتحسمها.

اقرأ أيضًا:

التجهيز لأكبر تجربة اندماج نووي في العالم

احتمال تشغيل أول مفاعل اندماج نووي بحلول عام 2025

ترجمة: رضوان يوسف

تدقيق: راما الهريسي

المصدر