انفجارات أشعة غاما هي الانفجارات الأكثر سطوعًا وإنتاجًا للطاقة المُسجلة في الكون، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الانفجار العظيم. الكون مكان كبير وعنيف إلى درجة يصعب فهمها، مساحات هائلة من الفراغ بين أجسام سماوية مادية. يمتد الفضاء مئات المليارات من الأميال، ويتخلله القليل من المادة المنتشرة دون تساو عبر المسافات الشاسعة.

إنها بالتأكيد ظروف غير صالحة للحياة، مع انعدام الهواء القابل للتنفس ونقص المواد الضرورية للعيش. يُضاء الظلام إضاءةً جميلة بين حين وآخر، غير أن ذلك لا يغير من عنف المشهد، تأتي مصادر الضوء هذه من انفجارات عملاقة ناتجة من قصف الكواكب بالنيازك، مشاعل ملتهبة تُقذف من النجوم المحترقة، أو اندماج الكوازارات ببعضها.

مشاعل مقذوفة من نجم محترق

مشاعل مقذوفة من نجم محترق

لكن قد يدمر نوع من الانفجارات الكونية كل ما سبق، إنها انفجارات عنيفة لدرجة إمكانية رصدها على بعد مليارات السنين الضوئية، انفجارات أشعة غاما.

انفجارات أشعة غاما الغنية بالطاقة

تشرق الشمس الساطعة وتنير السماء نهارًا، وهي مصدر الحياة على الأرض، فهي تغذي العديد من الأنواع وتدعمها بالضوء الذي تبعثه. تحرق الشمس كميات كبيرة من الغاز باستمرار في عملية اندماج الهيدروجين وتحويله إلى هيليوم، ما يخلق مشاعل شمسية ضخمة. ولها مدى هائل إذ يشق الضوء طريقه إلى أطراف النظام الشمسي عبر مسافات تمتد مليارات الأميال. تنتج الشمس نحو (x 10^264) جول من الطاقة في الثانية، ونظرًا إلى عمرها الذي يُقدر بـ10 مليارات سنة، فإن ذلك يمثل المزيد من الطاقة لتحترق.

الشمس قوية لكن ضوءها ضعيف جدًا مقارنةً بانفجارات أشعة غاما

الشمس قوية لكن ضوءها ضعيف جدًا مقارنةً بانفجارات أشعة غاما

مع ذلك يُعَد ضوء الشمس مثل شمعة مقارنةً بانفجارات أشعة غاما، فهي تطلق طاقةً خلال أول 10 ثوان فقط من عمرها تعادل ما تنتجه الشمس خلال 10 مليارات سنة، فهي الموجات الأعلى طاقةً في الطيف الكهرومغناطيسي بأقصر أطوال موجية على الإطلاق. وتُعَد الحدث الأكثر إشعاعًا وإنتاجًا للطاقة في الكون، ما يجعلها في المرتبة الثانية بعد الانفجار العظيم رغم قصر عمرها، الذي يتراوح بين ميلي ثانية وبضع ساعات.

أشعة غاما غزيرة في الكون، لكنها لا تُرى بالعين المجردة، ولو تمكنا من رؤيتها لاختلفت سماء ليلنا وأصبحت فوضوية.

أسباب انفجارات أشعة غاما

تحمل الإشعاعات الكهرومغناطيسية طاقةً مشعة على شكل موجات (فوتونات أو كمّات) في حقل كهرومغناطيسي، تعتمد خصائص هذه الموجات على طولها، وتحدد هذه الخصائص سلوكها، يمكن تعيين هذا السلوك المحتمل والمحدد في الطيف الكهرومغناطيسي، يحتوي هذا الطيف على: موجات الراديو والموجات الصغرى والأشعة تحت الحمراء وموجات الضوء المرئي والأشعة فوق بنفسجية والأشعة السينية وأشعة غاما، مرتبين تنازليًا وفقًا للطول الموجي.

الطيف الكهرومغناطيسي

الطيف الكهرومغناطيسي

تنشأ أشعة جاما، التي تكون في نهاية الطيف الناتج من التحلل الإشعاعي للنوى الذرية، وتتميز بامتلاكها أقصر أطوال موجية وأقصى قدر من الطاقة في الطيف، فهي ترافق أشد الانفجارات إثارةً وحيوية في الكون.

إحدى طرق إنتاج الأشعة هي عندما يبلغ نجم ضخم، يبلغ حجمه 50 مثل حجم شمسنا نهاية حياته، وينفجر متحولًا إلى ثقب أسود، تنبعث حزم نفاثة من أشعة غاما في أثناء هذه العملية، وتنتج كميات لا مثيل لها من الطاقة في غضون ثوان، وتنشأ أيضًا عندما تتصادم النجوم النيوترونية (النواة المنهارة لنجم ضخم) ببعضها. وتشير بعض النظريات إلى أنها قد تنتج أيضًا عند اندماج ثقبين أسودين أو ثقب أسود مع نجم نيوتروني، ولاحظت الدراسات الحديثة هيمنة المادة على انبعاثات أشعة جاما، كما في المجال المغناطيسي القوي الناتج من الثقوب السوداء.

تصور فني لانفجار أشعة جاما من ثقب أسود

تصور فني لانفجار أشعة جاما من ثقب أسود

أنواع انفجارات أشعة غاما

يرسم علماء الفلك رسمًا بيانيًا يُسمى مُنحنى الضوء، لفهم شدة الضوء المنبعث من ظاهرة سماوية فترةً من الزمن. يوضح هذا الرسم الترددات والنطاقات المحددة لانبعاث الضوء، إلى جانب خصائص أخرى متنوعة مثل شدة الضوء، ما يوفر نظرةً ثاقبة حول الظاهرة.

في جميع ملاحظات انفجارات أشعة غاما، لا يمتلك أي انفجارين نفس منحنيات الضوء، ولا يتشابهان في أي من الخصائص التي لوحظت، فلكل انفجار كثافة وذروة مختلفتين، إضافةً إلى اختلاف أنماط السطوع الأولي والخفوت اللاحق، ويسبق بعضها انفجار ضعيف يتحول بعد ذلك إلى انفجار قوي.

تنوع منحنيات أشعة غاما

تنوع منحنيات أشعة غاما

لذلك تُصنَّف انفجارات أشعة وفقًا لمدة الانفجار:

انفجارات أشعة غاما القصيرة

مدتها أقل من ثانيتين، وتشكّل 30% من كل الانفجارات المرصودة، وتصعب مراقبتها أو اكتشافها لقصر عمرها.

تُظهر الملاحظات التي أُجريت بعد عام 2005 أن هذه الأحداث لها شفق، وترتبط بالمجرات الإهليجية والمناطق المركزية لمجموعات المجرات الضخمة، ما يستبعد علاقتها بالنجوم الضخمة والمستعرات العظمى، ويشير إلى أنها متميزة عن الانفجارات الأطول مدة، وتربطها النظريات بالكيلونوفا، وهو الحدث الذي تتصادم فيه النجوم النيوترونية، أو عندما يبتلع الثقب الأسود نجمًا نيوترونيًا.

انفجارات أشعة غاما الطويلة

هذا النوع من الانفجارات لوحظ وروقب بوضوح، إذ تستمر أكثر من ثانيتين وتشكل النسبة الأكبر من الأحداث المكتشفة (70%)، تحدث غالبًا عند انهيار نجم ضخم، وفي حالة المستعر الأعظم.

يؤدي انفجار المستعر الأعظم إلى انفجار أشعة غاما الساطعة

يؤدي انفجار المستعر الأعظم إلى انفجار أشعة غاما الساطعة

انفجارات أشعة غاما الطويلة جدًا

مع أنها تمثل نهاية ذيل تصنيف الانفجارات الطويلة، التي تستمر أكثر من 10 آلاف ثانية، تُعَد فئةً منفصلة بذاتها، تُرى هذه الذيول الطويلة عند ولادة نجم نيوتروني ذي مجال مغناطيسي قوي للغاية، أو انهيار نجم أزرق عملاق، أو عندما يكون النجم قريبًا جدًا من الثقب الأسود فيُبتلع، ويعرف هذا الحدث باسم اضطراب المد والجزر.

توضيح اضطراب المد والجزر

توضيح اضطراب المد والجزر

ملاحظات تاريخية

تُعد ملاحظات الانفجارات التفصيلية ظاهرةً حديثة. لم يكن لدينا دليل ملموس على مسببات هذه الأحداث قبل 20 عامًا، لكن تغير ذلك مع رصد انفجار أشعة جاما (020813) في أغسطس 2002 بواسطة مستكشف الطاقة العالية قصيرة الأمد، وهو قمر صناعي أمريكي أُطلق للكشف عن انفجارات أشعة غاما.

استمر الانفجار مدة 125 ثانية وارتبط بنجم هائل تحول إلى مستعر أعظم. كان القمر الصناعي يمتلك معدات منخفضة الدقة وفقًا لمعايير اليوم، لكنه قدم لنا رؤيةً موجزة عن الانفجار.

حطّم الكشف عن انفجار أشعة جاما (080916C) في سبتمبر 2008 الرقم القياسي لأعنف انفجار سُجل على الإطلاق، وقد اكتُشِف بواسطة تلسكوب (فيرمي) الفضائي التابع لناسا. كان للانفجار طاقة 5900 مستعر أعظم من النوع الذي يحدث في أنظمة النجوم الثنائية، وكانت المسافة هائلة أيضًا، إذ قدر العلماء أن يبعد 12.2 مليار سنة ضوئية، ما يعني أنه حدث عندما كان عمر الكون 1.5 مليار سنة، واستمر مدة 23 دقيقة.

انفجار أشعة جاما (080916C)

انفجار أشعة جاما (080916C)

الرقم القياسي التالي كان لانفجار أشعة جاما (130427A)، الذي استمر يومًا كاملًا، وكان أحد أقرب الانفجارات المُسجلة على الإطلاق. رُصد في أبريل 2013 على بعد 3.6 مليار سنة ضوئية، بطاقة بلغت 94 مليار إلكترون فولت، كان إحدى الدفقات طويلة الأمد، إذ أمكن الكشف عن شفق الأشعة السينية بعد 6 أشهر من الحدث.

انفجار أشعة جاما (130427A)

انفجار أشعة جاما (130427A)

تحطم الرقم من جديد بالكشف عن انفجار أشعة جاما (190114C)، الأكبر حتى الآن، رُصد هذا الانفجار في يناير 2019 وكان الحدث الأكثر إشراقًا على الإطلاق، أنتج هذا الحدث طاقةً بلغت 1 تيرا إلكترون فولت، أي تريليون مرة طاقة فوتون الضوء المرئي، ويُعَد الحدث الأكثر إشراقًا منذ الانفجار العظيم!

انفجار أشعة جاما (190114C)

انفجار أشعة جاما (190114C)

ستمكننا التقنيات الأحدث من اكتشاف أحداث قد تحطم الرقم القياسي مستقبلًا، وإذا حدث ذلك فسيكون انفجارًا جحيميًا!

اقرأ أيضًا:

ما هو انفجار أشعة غاما ؟

الوميض الناتج عن انفجارات أشعة غاما يبدو كأنه يعود في الزمن الى الخلف!

ترجمة: أسامة ونوس

تدقيق: سلمى عفش

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر