في عام 2018، توصَّل العلماء إلى اكتشاف قد يغير مفهومنا عن الكوكب الأحمر. فقد كشفت إشارات الرادار المرتدّة مباشرة من تحت سطح الكوكب عن بقعة ساطعة لامعة، لا تتوافق مع شيء أكثر من كونها بركةً صغيرةً من المياه السائلة تحت سطح الكوكب. وكشفت عمليات البحث اللاحقة عن المزيد من البقع اللامعة، ما يشير إلى وجود شبكة متكاملة من البحيرات الجوفية.

أليست هذه أخبارًا مذهلة؟

بالرغم من احتواء المريخ على الماء في حالته الصلبة (جليد)، فلم يتم العثور على قطرة واحدة من الماء السائل على سطحه حتى الآن.

هنالك مشكلة واحدة فقط. وفقًا لتحليلٍ جديد، والذي وجد مجددًا العشرات من تلك البقع اللامعة -البحيرات حسب توقعاتهم- بعضها وُجدَت في مناطق شديدة البرودة يستحيل أن يكون الماء الذي تحويهِ سائلًا، كذلك الأمر لو أن ما تحويه كان محلولًا ملحيًا، الذي بدوره له درجة تجمد أقل من المياه العذبة.

يقول عالم الفلك والكواكب جيفري بلوت من مختبر الدفع النفّاث التابع لوكالة ناسا: «لسنا متأكدين فيما إذا كانت تلك الإشارات مياهًا سائلة أم لا، ولكن يبدو أنها أكثر انتشارًا مما وجدته الورقة البحثية الأصلية».

ويضيف: «إما أن يكون الماء السائل شائعًا تحت القطب الجنوبي للمريخ، أو إن تلك الإشارات تدل على شيء آخر».

اكتشف البقعة الأولى في القطب الجنوبي للمريخ، تحت الغطاء الجليدي، باستخدام جهاز رادار المريخ المتطوّر، للسبر تحت سطح التربة والأيونوسفير، (مارسيس – MARSIS) على المركبة المدارية مارس إكسبرس.

كشف بحث تابع للبيانات المُؤرشفة عن أكثر من ثلاث بقع من تلك التي تدل على البحيرات. تستخدم مركبة مارسيس الإشارات للتحقّق مما يوجد تحت الغطاء الجليدي لسطح المريخ، الذي يتكون من طبقات متناوبة من ثاني أكسيد الكربون وجليد الماء.

نحن نعلم، استنادًا إلى استخدام التقنية ذاتها على الأرض، كل إشارة إلى أي مادة تشير.

بحسب عالمة الفلك والكواكب غرازيلا كابريل، من جامعة جنوب كوينزلاند، في أستراليا: «بعض أنواع المواد تعكس إشارات الرادار أفضل من غيرها، والماء السائل هو أحد تلك المواد. ولهذا، عندما تكون الإشارات القادمة من باطن الكوكب أقوى من تلك التي تنعكس عن سطح الكوكب، يمكننا أن نؤكّد أننا في مواجهة ماء سائل».

كانت الإشارات القادمة من تلك البقع تحت السطحية بالفعل أقوى من الإشارات المنعكسة عن السطح نفسه، ولكن المنطقة التي وُجِدت بها كانت صغيرة نسبيًا.

لذلك قام كل من العالم بلوت وعالم الفلك والكواكب أديتيا خولر من جامعة ولاية أريزونا بتوسيع البحث، لقد رسموا 44000 من القياسات خلال 15 عامًا من البيانات التي سجلها الرادار مارسيس لتغطية القطب الجنوبي للمريخ بأكمله.

وجدوا عشرات أخرى من تلك البقع شديدة الانعكاس، منتشرة على نطاق أكبر مما حُدِدَ سابقًا. لكن سطوح بعض من تلك البقع تمتد بالكاد إلى كيلومتر واحد تحت السطح، وعند تلك النقطة تُقدر درجات الحرارة بنحو 210 كلفن ( -63 درجة سلسيوس، أو -81 درجة فهرنهايت).

وجدت الأبحاث السابقة، أن الماء المشبع بأملاح الكالسيوم والمغنيسيوم يمكن أن يحافظ على خاصيته السائلة فترات زمنية طويلة عند درجات حرارة منخفضة تصل إلى 150 كلفن. ونحن أيضًا نعلم إن المريخ غني بأملاح الكالسيوم والمغنيسيوم، وكذلك الصوديوم. ولكن، وجدت ورقة بحثية في عام 2019 أنه لا توجد كمية كافية من الملح لإذابة الجليد في قاعدة رواسب القطب الجنوبي للمريخ.

لقد توصّلوا إلى أنه يجب أن يكون هناك شكل من أشكال التدفئة القاعدية -ربما كان نشاطًا حراريًا جوفيًا كالبراكين- لكي يوجد الماء بحالته السائلة. ولكن، بالرغم من الأدلة الحديثة على وجود نشاط بركاني على المريخ، فإنه يقع في خطوط العرض السفلية، وليس في القطبين.

إحدى الطرق الممكنة للحصول على هذه الكمية من الحرارة هي من طريق البراكين. غير إننا لم نرَ حقًا أي دليل قوي على وجود نشاط بركاني حديث في القطب الجنوبي، لذلك يبدو من غير المحتمل أن يسمح النشاط البركاني بوجود الماء السائل تحت السطح في تلك المنطقة.

فما هي تلك البقع اللامعة بالحقيقة؟

حسنًا، ما زلنا لا نعلم. يعتقد فريق العمل إنها من غير الممكن أن تكون مياهًا سائلة، ولكن قد تساعد خرائطهم على اكتشاف الأمر. ما نعلمه الآن، على سبيل المثال، أنّ أيًا كان مُسببهم فهو منتشر في جميع أنحاء القطب الجنوبي للمريخ.

وأفاد الباحثون، إذا تبيّن أن تلك البقع هي فعلًا بحيرات مياه سائلة، فإن العمل سيساعد على فهم كيفية ظهورها بشكل أفضل.

اقرأ أيضًا:

دليل على نشاط البراكين في كوكب المريخ يعزز صلاحيته للسكن

دراسة تشير إلى أن المريخ قد يخفي محيطات تحت قشرته

ترجمة: رفيف داود

تدقيق: حسين جرود

المصدر