قد لا يكون الهدف من وراء التحنيط حفظ أجساد المصريين القدماء بعد الموت كما يقول الخبراء، ما يشكل تعارضًا صارخًا مع الفهم الشائع لعملية التحنيط.

يرى عدد متزايد من علماء الآثار أن الاحتفاظ بمظهر المومياوات وحفظها حتى اليوم نتيجة عملية التحنيط ربما كان مجرد مصادفة، ويلقون اللوم على علماء المصريات المعاصرين، بسبب دورهم في نشر فهم قائم على أدلة واهية.

بدلًا من ذلك، تقترح النظرية الجديدة أن التحنيط كان يعني تغيير الأجساد بطريقة ما، لا ترتبط بفكرة الحفاظ على الجسد استعدادًا للحياة الأخرى، كما يفترض الاعتقاد الشائع. خلافًا للنظرية الشائعة، يقول الخبراء إن هدف المصريين القدماء كان تحويل فراعنتهم إلى تماثيل، أو أعمال فنية ذات غاية دينية.

يقول علماء المصريات الذين طرحوا النظرية البديلة، إن الفيكتوريين -أول من درس المومياوات- توصلوا إلى استنتاج مفاده أن الحفظ المادي للمومياء كان هو الهدف، ويرجع هذا التفسير إلى ولعهم الشديد بفكرة الحياة الآخرة.

تقترح النظرية الجديدة أن المصريين القدماء كانوا يعدّون ملوكهم آلهة، وأن تحويل أجسادهم إلى تماثيل بعد موتهم يمثل طريقة لاستعادة أشكالهم الحقيقية.

يرى علماء المصريات أن الأقنعة الذهبية التي عُثر عليها في نواويس الموتى من العائلات الملكية تمثل نسخًا مثالية للمتوفَى تشبه الآلهة، وليست تماثيل أقرب إلى مظهر البشر الأحياء.

يقول كامبل برايس، أمين متحف مانشستر: «يمثل ذلك تباينًا غير ملحوظ، لكنه يبقى ذا أهمية».

«فكرة عودة الروح إلى الجسم، أو إحيائها للجسد، لم يجري التطرق إليها وتبيانها بوضوح كما قد يُظن».

تؤيد بعض الحجج هذه النظرية، ومنها أن بعض المومياوات التي تنتمي إلى أفراد بارزين من الطبقات الحاكمة لا يبدو أن حفظها كان مهمًا، فمثلًا عُثر على جسد الملك توت عنخ آمون مخبأً في قاع نعشه.

يقول برايس: «وفقًا لبعض القراءات الحديثة، فإن التحنيط كان عملًا رديئًا في بعض الأحيان، إذ لم يتقن المحنطون ما كانوا يفعلونه، لذلك لم يكن جسد الملك محفوظًا جيدًا».

ترى النظرية البديلة أن إنتاج تمثال حيّ يمكن تمييزه والتعرف عليه لم يكن الغاية من التحنيط في المقام الأول.

المصريون القدماء يرون التماثيل إلهية

يقول برايس: «كما يبدو، يوجد عالم الأحياء والأشخاص الذين يمارسون حياتهم اليومية، ثم هناك عالم الصور والتماثيل والنقوش واللوحات. هذه ليست مجرد نسخة مثالية من مصر، إنها صورة الآلهة ونوع من عالم التماثيل».

يشير السجل الأثري إلى أن المصريين القدماء قد دهنوا تماثيل الآلهة بالزيت والعطور، وأحيانًا لفّوهم بأقمشة من الكتان، وهي أربطة اعتُقِد أنها تضفي نوعًا من القداسة والألوهية.

ومن خلال وضع المصريين القدماء أعضاء المتوفَى في الأواني الكانوبية المزينة برؤوس الآلهة، في عملية التحنيط، ربما قصدوا إسباغ الروح الإلهية للمتوفَى من الطبقات الملكية، وليس تجهيزهم للبعث في الحياة الأخرى.

لكن لا يتفق جميع المؤرخين على استبعاد جانب الحفظ المادي للجثة في عملية التحنيط. يقول ستيفين باكلي، الأثري من جامعة يورك: «حظي الحفظ المادي للجثة بأهمية بالغة».

وقد تبدو بعض المومياوات حقًا كأنها تماثيل، مثل مومياوات توت عنخ آمون وأمنحتب الثالث وأخناتون.

لكن في حالة مومياوات أخرى، مثل مومياوات تحتمس الثالث وتحتمس الرابع وأمنحتب الثاني والملكة تي، فإنها قد حنُطت لتبدو نائمة، ما يشير إلى اهتمام أكبر بالجسد المادي. يضيف باكلي: «شابت التماثيل بعض العيوب، ربما حتى تتمكن الروح من التعرف عليها، من ثم تحظى بمأوى تعود إليه».

يقر باكلي بأن التحنيط لم يكن فقط بغرض حفظ المومياء، ويقول إن إهمال جانب الحفظ تمامًا سيشكل إغفالًا كاملًا للفكرة.

لكن أين يكمن الخطأ في تصورنا وفهمنا للغاية من التحنيط؟ يرى برايس أن الأمر يعود إلى الفيكتوريين وأفكارهم عن الحياة بعد الموت.

يقول برايس: «عندما نَصِف مصر، فالكثير مما نقوله لا يشكل سوى القليل عما كان يحدث هناك، بل إنه أوثق صلةً بافتراضات وتخمينات رجال الطبقة الوسطى الفيكتوريين التقليديين». وهي أقاويل جرى ترديدها وترسخت في الأذهان على مدار عقود.

اقرأ أيضًا:

مسح بالأشعة السينية لمومياء مصرية يكشف عن جسم غريب فيها

لعنة المومياء أو لعنة الفراعنة، بين الحقيقة والخيال

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر