قام مجموعة من الباحثين بقيادة جامعة كامبردج ببناء الروبوت الأم التي يمكنها وبشكل مستقل بناء أبنائها واختبار أي منهم هو الأفضل، ومن ثم تقوم باستخدام النتائج لتشكيل تصميم الجيل التالي، فبذلك تنتقل الميزات الأفضل من جيل إلى جيل.

استطاعت الروبوت الأم إنشاء أبناء مركبين من واحد إلى 5 مكعبات بلاستيكية مع محرك صغير بالداخل، وذلك دون أي تدخل من قبل البشر أو استخدام محاكاة حاسوبية ماعدا الأوامر الأولية لبناء روبوت قادر على الحركة.

في كل تجربة من خمس تجارب منفصلة، قامت الروبوت الأم، بتصميم وبناء واختبار أجيال مكونة من عشرة أبناء، باستخدام المعلومات التي تقوم بجمعها من أحد الأجيال لتشكيل تصميم الجيل الذي يليه.

وقد نُشرت نتائج تلك التجارب في المجلة المفتوحة المصدر (PLOS One)، حيث وجدت أن المميزات الأفضل كانت تنتقل عبر الأجيال، فقد أنجزت الأفراد الأصلح في آخر جيل مهامها بشكل أسرع بمرتين من أصلح الأفراد في الجيل الأول.

“الاصطفاء الطبيعي أصلاً هو استنساخ، ثم تقييم.. استنساخ وتقييم وهكذا.. ، وهذا ما يفعله هذا الروبوت بشكل أساسي، بالتالي نستطيع بشكل فعلي مراقبة تحسين و تنويع الأجناس” يقول كبير الباحثين د.فوميا آيدا من قسم الهندسة في جامعة كامبردج، الذي يعمل مع باحثين من جامعة زيوريخ (ETH Zurich).

لكل روبوت من الأبناء يوجد جينوم فريد عبارة عن مجموعة من واحد إلى خمسة جينات مختلفة، تحتوي جميع المعلومات حول شكل الابن، تركيبه، وأوامر المحرك.

وكما هو في الطبيعة، التطور في الروبوتات يحدث من خلال الطفرات (mutation)، حيث تُعدَّل محتويات أحد الجينات أو يتم إضافة أو حذف أحد الجينات، ويحدث أيضاً من خلال الانتقال (crossover) حيث يتشكل جينوم جديد من خلال اندماج الجينات من فردين مختلفين.

ولكي تُحدد الروبوت الأم أي من الأبناء هو الأصلح (fittest)، تم اختبار كل ابن بمراقبة مدى حركته/سفره منذ نقطة بدئه بالعمل خلال مدة زمنية محددة.

ولوحظ أن أكثر الأفراد نجاحاً في كل جيل بقوا دون تغير في الجيل التالي، ذلك لحفاظ على قدراتهم، بينما حصلت الطفرات وظاهرة الانتقال عند الأفراد الأقل نجاحاً.

كذلك، وجد الباحثون ظهور تعدد في التصاميم وتحسن في الأداء مع مرور الوقت، فأسرع الأفراد في الجيل الأخير يتحركون بمعدل سرعة يفوق ضعف معدل السرعة لأسرع الأفراد في الجيل الأول.

وهذه الزيادة في الأداء لم تكن فقط بسبب التعديلات البسيطة على ثوابت التصميم، بل أيضاً بسبب قدرة الروبوت الأم مع الوقت على ابتكار أشكال جديدة وتشكيل نماذج لطريقة المشي لدى الأبناء، متضمنة بعض التصاميم التي يعجز المصممون البشر عن بنائها.

” أحد أهم الأسئلة في علم الأحياء هو: من أين أتى الذكاء؟، لذلك نقوم باستخدام الروبوتات لاكتشاف هذا السر،” يقول آيدا.

” نحن معتادون على أن مهمة الروبوتات هو القيام بالمهام من النوع التكرري، وهم مصمَّمُون للإنتاج الشامل1 بدلاً من التخصيص الشامل2، لكن ما نريد الوصول إليه هو روبوتات قادرة على الابتكار والإبداع”

في الطبيعة، تستطيع الكائنات الحية تغيير خواصها الفيزيولوجية مع الزمن لتلائم البيئة.

هذه التكيفات تسمح للكائنات البيولوجية بالعيش في بيئات مختلفة وواسعة التنوع، مثلاً الحيوانات التي تكيف حركتها للعيش على اليابسة بدلاً من الماء.

لكن الآلات ليست متكيفة بنفس الطريقة، حيث أنها تبقى بهيئة واحدة طيلة حياتها، وليس من المؤكد فيما إذا كان تغيير شكلها سيجعلها أكثر تكيفاً مع البيئات المتغيرة.

الروبوتات المتطورة هو مجال متنامٍ يسمح بخلق الروبوتات المستقلة دون تدخل البشر.

ومعظم العمل في هذا المجال يتم باستخدام المحاكاة الحاسوبية.

لكن بالرغم من أن المحاكاة الحاسوبية تسمح للباحثين باختبار آلاف أو حتى ملايين الحلول الممكنة في زمن قصير جداً ، لكنها تؤدي غالباً إلى “فجوة الواقع” – أي عدم تطابق بين المحاكاة والواقع.

كما وجد الباحثون أن استخدام الروبوت لتوليد احتمالاته الخاصة، دون أي جهاز محاكاة، يمكنه إنتاج أفراد أكثر نجاحاً. لكن سلبيات هذه الطريقة هو الوقت الطويل المستغرق، حيث يحتاج الروبوت لحوالي 10 دقائق للتصميم والبناء والاختبار كل ابن.

لذلك يعتقد آيدا أنه من المرجح في المستقبل استخدام محاكٍ حاسوبي لأجل الانتقاء المسبَق للأفراد الواعدين بالنجاح، ومن ثم استخدام نماذج العالم الحقيقي للاختبار الفعلي.

يركز بحث آيدا على تقصي كيفية تحسين الروبوتات من خلال اتخاذ الإلهام من الطبيعة، سواء كان ذلك بتقصي ماهية الذكاء، أو إيجاد سبل لتحسين طرق الحركة الروبوتية.

لكن الروبوت يحتاج إلى طاقة أكبر بِعشرة إلى مئة مرة من الطاقة التي يحتاجها الحيوان للقيام بنفس المهمة وهنا يكمن التحدي لتطوير هذه الناحية.

فمختبر آيدا مليء بمجموعة واسعة من الروبوتات القافزة، والتي يمكنها التحرك كالكائنات الحية مثل الجنادب، أو البشر، أو حتى الديناصورات.

إضافة لذلك أحد الروبوتات المطورة حديثاً في المختبر روبوت ‘Chairless Chair’ وهو جهاز قابل للارتداء يسمح للمستخدمين بإقفال مفاصل ركبتيهم والجلوس في أي مكان، دون الحاجة لكرسي.

ويختتم آيدا: “لايزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن نتمكن من الحصول على الروبوتات التي تشبهنا، وتتصرف وتفكر مثلنا. لكن ما نملكه الآن هو الكثير من التقنيات التمكينية التي من شأنها أن تساعدنا على الاستفادة من بعض جوانب علم الأحياء في عالم الهندسة.


هوامش:

1- الإنتاج الشامل:

(Mass production) هو عملية إنتاج أحد المنتجات الأساسية، أو القياسية من نماذجها الأصلية بكميات هائلة، وهي تتم عن طريق خطوط التجميع.

2-التخصيص الشامل (التسويق الشخصي ويطلق عليه أحيانًا التسويق التفاعلي) (mass customisation):

هو شكل صارم من نظام التمييز بين المنتجات يحاول تقديم عرض منتج فريد لكل عميل.