في هذه الأيام أصبح للإنترنت دور أساسي في حياة البشر، وقد تطور جيل كامل من الشباب مواكبًا تطور منصات التواصل الاجتماعي منذ ظهورها الأول وغيرها من المنصات التي تقدم المحتوى.

يتذكر الكثير من مستخدمي الإنترنت بناء مواقع شخصية لهم على Geocities، وكتابة مدوناتهم على Livejournal، وتكوين الصداقات على Myspace، وإمضاء الوقت على Nexopia. وقد شغلت جميع هذه المنصات القديمة وغيرها حيزًا كبيرًا من ذكريات الشباب الماضية، ولهذا السبب أصبح الويب مكانًا معقدًا تتداخل فيه مشاعر التعلق والارتباط بين الناس.

وفي بحث للدوكتوراه ظهر مصطلح (التعلق بالبيانات) لدراسة تعلق مستخدمي الإنترنت بالبيانات التي ساهموا في إنتاجها خلال فترة حياتهم، ومدى قدرتهم على التحكم بها، أو عدم قدرتهم على ذلك.

ما الذي يحدث للبيانات عند ترك منصة تواصل اجتماعي ما؟ وما مصيرها؟ وهل للمستخدمين رأي فيما يحدث لهذه البيانات؟

دور المستخدمين في توليد كميات هائلة من البيانات

ينتج البشر البيانات كل يوم في مختلف المجالات، سواء أكان ذلك في العمل أو التواصل أو التعامل مع المصارف أو السكن أو التنقل أو الحياة الاجتماعية.

وغالبًا لا ندرك كمية البيانات التي ننتجها وبالنتيجة لا نستطيع رفض ذلك، ونادرًا ما نتحكم بكيفية استخدامها ومكان تخزينها.

تؤثر قلة التحكم هذه سلبًا فينا جميعًا، وتتفاوت نسب الأذى عند الحديث عن النسيج المتداخل من العرق والجنس والطبقة الاجتماعية لشخص أو مجموعة من الأشخاص. وهذه المعلومات الشخصية قد يستخدمها آخرون أو خوارزميات للقمع أو التمييز أو التحرش أو الفضح أو أي شكل من أشكال الأذى.

يربط الناس مفهوم خصوصية البيانات الشخصية بخطوط عامة كالتسريبات من الشركات أو اختراق السجلات الطبية أو سرقة بطاقات الائتمان.

يشير البحث في مشاركة الشباب وإنتاجهم للبيانات على منصات التواصل الشهيرة في أواخر التسعينيات وحتى بداية القرن الواحد والعشرين إلى أن هذه الفترة امتازت بخصوصية للبيانات لا تُؤخذ بالحسبان في السياق المعاصر.

كان لهذه البيانات سمات شخصيةً ولها سياق محدد، إذ تتضمن طرق توليدها التدوين والكتابة الإبداعية والتقاط الصور الشخصية وتشكيل جماهير المعجبين، ومن دون اتخاذ قرارات حذرة لحذف هذا المحتوى، قد يبقى في الإنترنت إلى الأبد.

المسؤولون عن خصوصية البيانات لديهم سلطة كبيرة

يجب أن يكون لأصحاب البيانات سلطة اتخاذ القرارات والتصرف بها كما يشاؤون، لأن استخدام هذه البيانات يؤثر في خصوصية الأفراد واستقلالهم ومجهوليتهم.

لكن الأمر يتعلق بالقدرة على ذلك. فعندما يقل استخدام منصة ما أو ينعدم، تعود القرارات المتعلقة ببيانات مستخدميها إلى موظفي الشركة ليتخذوها بآلية تخصها.

ما يعني عمليًا أن حق التصرف أو ملكية البيانات التي ينتجها الأفراد على المنصات تعود للشركة لا للأفراد. فبعض البيانات تُحذَف دوريًا مثل Yahoo Email بينما تبقى بيانات أخرى على الإنترنت لفترة طويلة جدًا. وغالبًا لا تفيد خيارات تحديد الخصوصية أو محو البيانات في محو كافة الآثار الرقمية من قاعدة البيانات الداخلية.

أحيانًا تدخل مختلف البيانات في أرشيف الإنترنت (Internet Archive) أي مكتبة رقمية على الإنترنت، فتصبح بذلك جزءًا من التراث الثقافي الجماعي للبشر، لكن المشكلة هي عدم وجود معايير أو إجماع بالرأي لتحديد كيفية التعامل مع هذه البيانات.

يجب إشراك المستخدمين في صنع القرارات المتعلقة ببياناتهم على منصات التواصل الاجتماعي، أي فيما يتعلق بكيفية جمعها وتخزينها وحفظها واستخدامها ومحوها، مع التركيز على السياقات المختلفة لكل حالة.

ماذا يجب أن يحدث لبيانات الأفراد على الإنترنت؟

حاولت مقابلات كثيرة معرفة رأي الناس حول موضوعي أرشفة البيانات وحذفها. وقد كانت الأجوبة متنوعةً جدًا، إذ عبر بعضهم عن خيبة أملهم بعد اكتشاف أن مدوناتهم التي كانوا يكتبون عليها منذ عقدين لم تعد موجودةً في حين ارتعش البعض الآخر خوفًا عند سماع احتمالية استمرار وجود هذه المدونات حتى الآن.

يعود تباين الآراء بين الناس إلى عوامل متعددة، فالموضوع مرتبط بالسياق الذي وُجِدت لأجله هذه البيانات. إذ يتعلق الأمر بحجم الجمهور الذي كان يتابع المحتوى، وحساسية المادة المنشورة، سواء أكانت تشمل النصوص المكتوبة أو الصور أو كليهما. ومن العوامل الأخرى أيضًا اللغة المستخدمة، سواء أكانت مفهومة أم مبهمة، وما إذا كان المحتوى يتضمن معلومات تعريفية مثل رابط لصفحة الشخص على فيسبوك.

يحتد النقاش بين الباحثين عند الحديث عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون، وما إذا كان من الممكن استخدامه لأغراض البحث والشروط المترتبة على ذلك.

في كندا تؤكد الإرشادات من كتاب (بيان سياسة المجلس الثلاثي – Tri-Council Policy Statement) للبحث الأخلاقي أن المعلومات المتاحة للعامة ليس لها معايير خصوصية واضحة، لكن التفسيرات في سياق مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر متطلبات معينة ليُعد استخدامها أخلاقيًا، ولكن يصعب التفريق بين ما يُعد بيانات عامةً وأخرى خاصة عند الحديث عنها في السياقات المختلفة داخل العالم الرقمي.

ساعد النظام الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR) في تغيير معايير التعامل مع البيانات من الشركات وغيرها، إذ أُضيفت حقوق تأخذ بالحسبان محظورات الوصول إلى البيانات الشخصية وتعديلها وحذفها ونقلها.

تُعد إضافة البندين (17 – 19) المتعلقين بحق الحذف (حق الاندثار) خطوة قوية نحو تعزيز حقوق الخصوصية الرقمية للأفراد، ويعني ذلك أن القانون في الاتحاد الأوروبي يُتيح للأفراد إزالة آثارهم الرقمية إن كانت تلك البيانات قد تُستخدم في أذيتهم أو الإضرار بهم أو نشر معلومات غير دقيقة عنهم.

حق البقاء بأمان على الإنترنت

لكن يرى كثيرون أن التركيز على الخصوصية الفردية ببناء التوعية حول الموافقة على كيفية استخدام البيانات لا ينفع في سياق العالم الرقمي، فعادةً يسهم الجميع في الخصوصية الرقمية معًا.

ويعمل هذا النوع من نماذج الموافقة أيضًا، على إدامة التوقعات غير الواقعية التي تنص أن الأفراد بإمكانهم وضع حدود حول كيفية استخدام بياناتهم، وتوقع الطرق التي قد تُستخدم بها مستقبلًا.

ينص مفهوم آخر أن مستخدمي الإنترنت يستطيعون تولي زمام الأمور فيما يتعلق بحياتهم الرقمية، وهو غير مفيد لأنه يضع عبئًا ثقيلًا عليهم ويجبرهم على مراقبة آثارهم الرقمية، والحد منها طوال الوقت، وذلك يتناقض مع الواقع الذي يُظهر أن أغلب عمليات إنتاج البيانات، تكون خارج سيطرة المستخدمين وذلك بسبب البيانات الوصفية (بيانات عن البيانات).

إذا أراد الجميع أن يصبح الويب مكانًا للتعلم واللعب والاستكشاف وبناء الروابط بين البشر، فيجب العمل دائمًا على تخفيف المخاطر المستقبلية التي تشمل طرقًا وتوقيتًا لاستغلال المعلومات الأفراد الشخصية لإحباط هذه الأهداف.

اقرأ أيضًا:

رقم قياسي جديد في سرعة نقل البيانات

كيف يمكن للضوء أن يعزز مستقبل البيانات؟

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر