التقاط ستّ إشارات راديوية غامضة تأتي من خارج مجرتنا!


رصد العلماء في مارس/آذار الماضي عشر إشارات راديوية قوية صدرت من المكان ذاته في الفضاء، واليوم التقط باحثون ست إشارات أخرى، وعلى ما يبدو أن تلك الإشارات تصدر من المكان عينه بعيدا خارج مجرتنا.

هذه الانفجارات الراديوية السريعة (FRB)، هي إحدى أكثر الإشارات المحيرة والانفجارية التي التقطت يوما من الفضاء، إذ تدوم فقط لبضع أجزاء من الثانية، ولكن في تلك الفترة القصيرة تولد هذه الموجات طاقة تعادل الطاقة التي تنتجها الشمس في يوم كامل، ولكن بالرغم من هذه القوة لم يتمكن العلماء بعد من معرفة أسبابها.

كان يعتقد أن هذه الانفجارات مجرد أحداث عارضة تأتي من أماكن عشوائية في الفضاء، ولا تحمل نمطا معينا، وظلت حيرة الباحثين حول ما يمكن أن يسبب هذا، إلى أن التقطت هذه الإشارات العشر في مارس الماضي.

والسبب وراء غموض هذه الإشارات بالنسبة لنا هو أنها غير شائعة الحدوث، إذ قدر الباحثون أنها تصدر بمعدل 2000 إشارة في اليوم الواحد في الكون كله، بالإضافة لكونها تحدث في مدة زمنية قصيرة للغاية ولهذا يصعب التقاطها.

لم يتم اكتشاف هذا النوع من الإشارات قبل عام 2007، وذلك لأن الباحثين كانوا من السرعة بمكان لالتقاط ما يحدث مباشرة، وفي العادة نحتاج المزيد من الوقت لدراسة الحدث بعد وقوعه.

ولكن اليوم وقد تلقينا ست عشرة إشارة، كلها تأتي من المكان ذاته، ربما يتمكن العلماء أخيرا من تقليل الاحتمالات حول ما يسبب هذه الانفجارات القوية.

وقد تعرف العلماء على أول عشر انفجارات راديوية في مارس الماضي، وكلها تأتي من مكان واحد، ولكن وقت الحدوث الفعلي يقدر بين شهري مايو ويونيو عام 2015.

لم يقتصر الأمر على كونها أول إشارات ملتقطة من خارج مجرتنا فقط، -أكثر هذه الإشارات تصدر من مجرتنا-، ولكنها أيضا تحمل نمطا معينا من الإشارات لم نره من قبل.

التقطت ست من هذه الإشارات بواسطة تليسكوب ريسبو الراديوي في بورتو ريكو، بفاصل زمني 10 دقائق بين كل منها، ولاحقا في الشهر التالي تم التقاط أربع إشارات أخرى كلها تصدر من المكان نفسه.

وعندما راجع الفريق هذه البيانات، لاحظوا أن هذه الإشارات أيضا التقطت منذ عام 2012 من المكان ذاته، أي التقاط إحدى عشرة إشارة من بقعة واحدة، مما يشير إلى أن شيئا ما يحدث خارج مجرتنا وينتج إشارات منتظمة ومكثفة في وقت قصير للغاية.

واليوم التقط فريق من الباحثين، بجامعة ماكجريل بكندا، ستة من تلك الإشارات الغامضة تأتي من البقعة عينها، والتي عرفت بـ FRB 121102 بعد أول التقاط لها هناك.

ويقول فريق الباحثين في دورية The Astrophysical Journal: «لقد أوردنا فقط مصدر الموجات السريعة والمتكررة بناءً على المراقبة الراديوية وبواسطة أشعة إكس، البقعةFRB 121102 ».

«كما التقطنا ست انفجارات راديوية إضافية من المصدر؛ خمس منها كانت بتردد 2 جيجا هرتز بواسطة تليسكوب جرين بانك، وواحدة بتردد 1.4 جيجا هرتز بواسطة تليسكوب اريسبو، من أصل 17 إشارة من هذا المصدر».

لا يستطيع الفريق معرفة الموقع الدقيق لـ FRB 121102 على وجه التحديد، ولكن استنادًا إلى الطريقة المحددة التي ينخفض بها تردد تلك الإشارات، فإنها تأتي من مكان بعيد للغاية، يتجاوز حدود مجرتنا، مما يوفر لنا بعض المؤشرات الهامة حول سبب هذا الحدث.

ومن المثير للاهتمام، أن هذا أيضا يتناقض مع أدلتنا عن كون هذه الإشارات تصدر ضمن مجرتنا.

وفي الوقت الحالي، فإن النظرية الرئيسة حول مصدر هذه الإشارات، هو الاصطدام العنيف لنجمين نيوترونين، الأمر الذي يشكل ثقبا أسودا، فعندما يحدث التصادم تنبعث كميات هائلة من الطاقة كموجات راديوية في الفضاء، ولكن طبيعة هذه الإشارات البعيدة والمتكررة التي تصدر من مكان واحد، تفترض أن التصادم ربما ليس هو المسبب، على الأقل فيما يخص تلك الإشارات.

ولكن بدلا من ذلك، تشير هذه الانفجارات الراديوية السبع عشرة من البقعة FRB 121102، إلى أن شيئًا ما أقل درامية يحدث، –حاليا النظرية السائدة حول تلك الانفجارات الراديوية خارج المجرة، هي أنها تأتي من أجسام غريبة مثل النجوم النيترونية، التي تدور ولديها ما يكفي من الطاقة لتوليد نبضات ذات طاقة عالية للغاية، الأمر الجيد هو كون وجود نوعين من الانفجارات الراديوية، لا يعني وجود تناقض بالضرورة– والتنبؤ الأكثر احتمالا هو وجود أكثر من نوع للانفجارات الراديوية، وكلاهما من مصدر مختلف.

وما يدعم هذا حقيقةً أن تلك الانفجارات المتكررة في البقعة FRB 121102 تبدو أوسع من تلك الانفجارات التي تحدث بشكل عارض ضمن مجرتنا، ولكن بدون المزيد من الأدلة لا يمكن للباحثين معرفة ما يحدث على وجه التحديد.

ويقول الفريق: «سواء كانت الانفجارات الراديوية في تلك البقعة أمرا فريدا من نوعه، أو أن كل الانفجارات الراديوية ذات قابلية للتكرار، فإن فهم خواصها هو أمر مهم للغاية، لفهم هذه الإشارة السريعة والعابرة للمجرات».

وقد بدأ السباق من أجل رصد المزيد من هذه الانفجارات الراديوية خارج مجرتنا، لتحديد مكانها بشكل نهائي، لأن أحداث غريبة كتلك، توفر لنا نظرة ثاقبة عن الأحداث الغامضة في كوننا.

تم نشر هذا البحث بدورية The Astrophysical Journal


ترجمة: فادي سامح روماني.
تدقيق: محمد علمي.
المصدر