يتشاجر الأشقاء بشأن أشياء سخيفة باستمرار، مثل ألعابهم المحشوة أو من سيتناول آخر قطعة بيتزا، ويجب على الوالدين أداء دور الحكم بينهم طوال الوقت، ما يسبب لهم الإرهاق والإحباط. إذ تتعبهم هذه المشاحنات المستمرة. لكن هل سيستمر ذلك إلى الأبد؟ وهل للتنافس بين الأشقاء آثار طويلة الأمد في العلاقة بينهم؟

تقدم عالمة النفس سوزان ألبرز بعض النصائح المفيدة لخلق بيئة منزلية سلمية وتعاونية. خاصةً عندما يبدأ الآباء بالتساؤل «لماذا لا يمكننا التعايش معًا بانسجام؟».

التنافس بين الأشقاء:

يُستخدم مصطلح التنافس بين الأشقاء للتعبير عن الشجار الذي يحدث بينهم، والذي يعد أمرًا لا مفر منه، وكذلك العداوة الناتجة عنه. غالبًا ما يحدث هذا النوع من التنافس بين الأشقاء القريبين من العمر، وقد يحدث أحيانًا عند وجود فجوة عمرية كبيرة، وأيضًا بين الأشقاء غير المرتبطين بالدم. يبدأ الخلاف بين الأشقاء حول من يحصل على درجات أعلى في المدرسة أو من سيتناول آخر قطعة حلوى، ويتزايد الخلاف والتنافس دون سبب واضح أحيانًا.

تقول الدكتورة ألبرز: «العلاقة مع الأشقاء من العلاقات المبكرة طويلة الأمد التي يطورها الأشخاص. الأشقاء هم أول مجموعة يتعامل معها الطفل، ويتعلم من خلالهم تطوير المهارات الاجتماعية المهمة، مثل كيفية المشاركة وإدارة المشكلات والتواصل».

ما رأي علم النفس في التنافس بين الأشقاء؟

الخطوة الأولى لإدارة المشكلات بين الأطفال هي فهم الأسباب الكامنة وراء تصرفاتهم. فالطفل غالبًا لا يتشاجر مع شقيقه لأن لديه لعبة أفضل أو لأنه حصل على قطعة أكبر من الكعكة، بل تنشأ غالبية المشكلات بسبب الامتيازات المتعلقة بالعمر التي يحصل عليها أحد الأشقاء دون الآخر، أو قد تكون بسبب اتباع الأهل طريقة معينة في التعامل مع أطفالهم.

بالنسبة إلى الطفل البكر، فهو يحصل على قدر هائل من الرفاهية والأمان والإعجاب من والديه. لكن عندما ينجب الآباء طفلًا آخر، سيشعر الطفل فجأةً أنه بحاجة إلى التنافس مع شقيقه لجذب انتباههم. وقد يشعر الطفل بهذه المنافسة وإن لم يتصرف الآباء بطريقة مغايرة. إذ قد يشعر الطفل بأدنى اختلاف في كيفية تفاعل والديه مع شقيقه، ويعد ذلك تهديدًا محتملًا لراحته ورفاهيته.

توضح الدكتورة ألبرز: «تبدأ المنافسة بين الأشقاء عندما يشعر الطفل بالتهديد من قِبل أخيه. ليست كل المنافسات سلبية، إذ تمثل أحيانًا محفزًا للطفل ليجتهد. لكنها قد تصبح سامة ومزعجة عندما تتجاوز الخطوط الحمراء، أو عندما لا يعرف الآباء كيفية التعامل معها».

قد تثير الخلافات والتنافس في طور النمو مواقف من الغيرة أو سوء الفهم. عندما يكون الأطفال صغارًا، يستحيل تغيير معظم أسباب التنافس بينهم، مثل اختلاف السن أو طباع الطفل، ما يجعل التنافس بين الأشقاء واقعًا لا بد منه. لكن إذا بذل الوالدان جهدًا لتعزيز التعاون وتقليل التمييز، والانتباه إلى حل المشكلات فور ظهورها، يمكن الحد من الآثار طويلة الأمد للتنافس، وتجنب تكرار المشكلات.

تقول الدكتورة ألبرز: «لا توجد طريقة لتلافي الخلافات تمامًا، لكن توجد عدة طرق لتقليل الصراع وتقديم الحلول المفيدة للطفل والوالدين».

التنافس بين الأشقاء الكبار:

قد تؤثر المنافسة في الأطفال إذ يكبرون، خاصةً إذا تطورت لديهم صفات مثل قلة تقدير الذات، أو واجهوا صعوبة في الحفاظ على الصداقات. في هذه الحالات، قد يساعد العلاج السلوكي، وتحديد بعض الاستراتيجيات لمساعدتهم على التكيف ومعالجة الخلافات والصراع الذي قد ينشأ من توتر العلاقات.

أحيانًا، يتطور التنافس بين الأشقاء في مرحلة متأخرة، دون أن يظهر في وقت مبكر من طفولتهم. يحدث هذا غالبًا بسبب عدم القدرة على إدارة الخلاف استباقيًا، أو بسبب حالات متعلقة بالصحة النفسية، مثل القلق أو الاكتئاب أو التوتر.

تلاحظ الدكتورة ألبرز: «قد يؤثر التنافس طويل الأمد بين الأشقاء في الأبوين عاطفيًا، ويحول العطلات واللقاءات العائلية إلى مناسبات مخيفة ومتوترة».

«قد يستطيع المعالج النفسي المساعدة على تحديد كيفية التعامل مع التنافس المستمر، ووضع بعض الحدود وإعطاء الأبوين بعض النصائح بشأن كيفية التعامل مع الأبناء».

فيما يلي عشر نصائح لكيفية التعامل مع التنافس بين الأشقاء:

عندما تزداد المشاحنات بين الأطفال، قد تصعب معرفة سببها الحقيقي، ما يصعّب محاولة تجنب أي عداء طويل الأمد. لكن تمكن إعادة توجيه هذه الخلافات نحو حلول أكثر إيجابية، بواسطة إجراء تغييرات يومية صغيرة. فيما يلي بعض الإستراتيجيات التي قد تساهم في منع التنافس بين الأشقاء:

1- البقاء هادئًا ومسيطرًا

يجب الانتباه لما يفعله الأطفال حتى يتمكن الوالدان من التدخل قبل أن يبدأ الخلاف أو يتصاعد.

2- خلق بيئة تعاونية

يجب تجنب المقارنة بين الأطفال أو تفضيل أحدهم على الآخرين أو تشجيع المنافسة بينهم. بل يجب تشجيعهم على التعاون وحثهم على اللعب معًا واستكشاف فضولهم الفردي وتمضية الوقت معهم.

أيضًا، يجب أن يكون الآباء قدوة حسنة. إذ تشكّل طريقة التعامل بين الوالدين تصورات الأطفال عن كيفية التعامل فيما بينهم. إذا رأى الأطفال الأبوين يغلقان الأبواب ويتجادلان بصوت عالٍ، فغالبًا سيفعلون الشيء نفسه، إذ يرون أنها الطريقة المناسبة للتعامل مع مشكلاتهم.

3- تقديم المكافآت الفردية

قد لا يتشاجر الأطفال إذا شعروا أن آبائهم يقدرونهم ويعاملونهم بوصفهم أفرادًا مستقلين. يجب على الآباء تجنب إطلاق التسميات الخاصة على أطفالهم، وقضاء الوقت مع كل طفل منفردًا كي يشعر أنه مميز لديهم. إذا كان أحد الأطفال يحب الركض بالخارج، فيجب على والديه الذهاب معه والاستمتاع بالهواء الطلق. وإذا كان الطفل الآخر يحب قضاء الوقت في قراءة كتابه المفضل، فيمكن لأحد الوالدين البقاء معه وقراءة الكتاب له. من المهم أن يحصل الطفل على المكان والوقت المناسبين ليكون بمفرده.

هذا يعني أنه يجب عدم قولبة اهتمامات الطفل وسماته الشخصية. مثل قول إن أحد الأطفال هو «الطفل الرياضي» والآخر هو «الطفل الذكي في المدرسة»، لأن ذلك يعني أن قيمة الشخص ترتبط بأدائه في مجال محدد. عندها قد يشعر الطفل الرياضي بأنه غير ذكي، والطفل الذكي أنه غير لائق بدنيًا، وقد تعزز قولبة الصفات التنافس بين الأشقاء إذ ترسخ الاختلاف بينهم. بدلًا من ذلك، يجب دعم الأطفال وتقديم الاهتمام لهم انطلاقًا من شخصياتهم الحقيقية بوصفهم أفرادًا مستقلين، وليس من صفات قد تسبب لهم الشعور بالتقصير أو الذنب لاحقًا.

4- قضاء وقت ممتع مع العائلة

وجبات العشاء العائلية وقضاء الوقت في الحديقة وممارسة الأنشطة، كلها طرق رائعة لتكوين الروابط بين الأطفال وتكوين الذكريات الجميلة والإيجابية معًا. تحفز هذه اللحظات الأطفال لقضاء المزيد من الوقت مع العائلة وتقلل ميلهم إلى الشجار فيما بينهم.

5- العدل بين الأبناء

العدل أمر ضروري، وذلك لا يعني بالضرورة المساواة. يجب أن يكون الثواب والعقاب متوافقًا مع احتياجات الأطفال الفردية. مثلًا، لا تُعط اللعبة ذاتها لجميع الأطفال، بل يجب إعطاء اللعبة المناسبة لعمر الطفل واهتماماته.

6- عدم الانحياز

نادرًا ما يشهد الآباء الأحداث التي أدت إلى الخلاف بين الأشقاء. لذا بدلًا من إلقاء اللوم على أحدهم، يجب التركيز على كيفية تصرف كل طفل في المشكلة. من الطرق الجيدة للوصول إلى السبب الجذري للخلاف: الجلوس معًا والتحدث عن شعور كل طفل بشأن المشكلة، ومحاولة إيجاد طرق مفيدة لإدارة الخلاف بطريقة أفضل مُستقبلًا.

تقول الدكتورة ألبرز: «يجب التحدث مع الطفل لمعرفة كيف يشعر إزاء الخلاف، إذ يُشعره تفهُّم وجهة نظره بالرعاية والاهتمام. حتى إن لم يتمكن الوالدان من حل المشكلة ذاتها، فإن شعور الطفل بوجود من يستمع إليه يساعده كثيرًا على تهدئة عواطفه».

7- الاستماع إليهم

عند الشجار، قد يشعر معظم الأطفال بالإحباط والحزن. ويشعر الكثير من الآباء بالقلق الشديد إذ يلاحظون التفاصيل. إن تخصيص الوقت للاستماع إلى الأطفال واحترام مشاعرهم له تأثير كبير فيهم.

مع أن عواطفهم ليست عذرًا للسلوك السلبي أو العدواني، فمن المرجح أن يتعاون الأطفال إذا شعروا بأهميتهم وبوجود من يسمعهم. إذا بدأ الطفل باللجوء إلى السلوك العدواني، فيجب تأكيد أن العنف غير مقبول أبدًا. يجب إخبارهم أن الحوار والتحدث حول المشكلة هو الطريقة الوحيدة للحل، وأنه يوجد من يستمع إليهم.

8- منح الطفل وسائل حل المشكلات

لتجنب النزاعات المستقبلية، تجب الاستفادة من الخلافات في تزويد الأطفال بأدوات حل المشكلات. إذ يوضح الآباء للأبناء كيفية التفاوض والمشاركة والتعامل مع المواقف بطرق إيجابية.

9- لوم الطفل على انفراد

إذا رأى الوالدان أن الموقف يستوجب عقاب أحد الأبناء، فيجب تجنب فعل ذلك علانيةً. إذ إن إحراج الطفل أمام إخوته يزيد العداء بينهم.

10- اجتماع العائلة

من المهم أن تجتمع العائلة ويُمنح الجميع الفرصة لقول ما يريدون. إنها فرصة لوضع القواعد والمناقشة من أجل التوصل إلى توافق على اتباعها. يمكن تعليق هذه القواعد في مكان ظاهر مثل المطبخ، لتذكير الجميع بالتزامهم أن يكونوا أسرة سعيدة وصحية.

تقول الدكتورة ألبرز: «يمثل وجود قواعد واضحة المفتاح لتجنب الخلاف. إذ يمكن حل الخلاف وفقًا للقواعد، بدلًا من الاضطرار لتأييد رأي أحد الأبناء».

هل من الممكن أن ينتهي التنافس بين الأشقاء؟

عندما ينتهي الخلاف قد يشعر الآباء أنهم ربحوا المعركة، إلى أن يبدأ الخلاف التالي. لكن لحسن الحظ فإن المنافسة بين الأشقاء لا تدوم إلى الأبد، ما دام الآباء على استعداد لمواجهة الأمر ومعالجة الخلافات.

تقول الدكتورة ألبرز: «لا شيء يُسعد الوالدين أكثر من انسجام أفراد أسرتهم، خاصةً إن شعروا بتوافق الأبناء. الخبر السار أن معظم الأسر بوسعها تجاوز مشكلة التنافس بين الأشقاء، وتحويل الصراع إلى ترابط عميق بينهم».

اقرأ أيضًا:

لماذا يفضل الآباء ألّا يقول الأطفال الحقيقة أحيانا ويحكمون عليهم بقسوة؟

أساليب تقويم السلوك لدى الأطفال

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر