هل تذكر ذلك الموعد النهائي لتسليم مشروع ما؟ أيبدو لك وكأنه سندان معلّق فوق رأسك؟

هل يسبب لك ذلك الموعد الذي يلوح بالأفق توترًا كلما اقترب؟

وفقًا لدراسة حديثة من معهد تنمية مهارات الشباب في جامعة جورجيا، فإن التوتر الذي يسببه اقتراب موعد التسليم قد يكون مفيدًا لصحتك العقلية!

تسلّط الدراسة المنشورة في مجلة Psychiatry Research الضوء على فوائد مستويات التوتر المنخفضة والمعتدلة، إذ إنها تساعد الأفراد على تنمية المهارات الشخصية في التعامل مع الصعوبات المستقبلية وزيادة المرونة في مواجهتها وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض العقلية مثل: الاكتئاب والسلوكيات المعادية للمجتمع.

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، والأستاذ المساعد في كلية علوم الأسرة والمستهلك، عساف أوشري: «يجب عليك تطوير آليات مواجهة تسمح لك بأن تعمل بكفاءة وفعالية أكثر، وتنظم نفسك بطريقة تساعدك على القيام بأداء أفضل في ظل بيئة محاطة بمستويات مختلفة من التوتر».

قد يؤدي التوتر والضغط الناجمان عن التحضير لامتحان أو لاجتماع مهم في العمل إلى النضج وتطور شخصية الفرد، وقد يدفع رفض الناشر لكتاب ما إلى إعادة تفكير الكاتب بأسلوبه وتقديم أداء أفضل في المرات القادمة، وقد يتحفز الموظف المطرود من عمله لإعادة النظر في نقاط قوته وهل ينبغي عليه البقاء في مجاله أو الانخراط في مجال جديد، لكن من الجدير بالذكر أنه يوجد خيط رفيع بين التوتر الجيد الذي نتحدث عنه والتوتر السلبي.

يضيف أوشري: «إن الأمر أشبه بقيامك بفعل شاق باستخدام يديك، فيتصلب جلدك».

«إنك تحفز نفسك على التكيف وتحمل الضغط الممارس، ولكن حالما تضغط بقوة؛ ستحصل على نتيجة عكسية».

يُعد التوتر الجيد بمثابة لقاح ضد تأثير الشدائد المستقبلية!

اعتمد الباحثون على بيانات مشروع الكونيكتوم البشري، وهو مشروع وطني مُمول من معاهد الصحة الوطنية، إذ يهدف إلى التبصّر في كيفية عمل الدماغ البشري. وحلل الباحثون بيانات نحو 1200 شاب أبلغوا عن مستويات التوتر المتصوّرة لديهم باستخدام استبيان يُستخدم في البحث لمعرفة مدى رؤية الناس لكون حياتهم ضاغطة وغير متحكم فيها.

أجاب المشاركون عن أسئلة حول عدد المرات التي مروا فيها بأفكار أو مشاعر معينة مثل: «في الشهر الماضي، كم مرة شعرت بالضيق بسبب حدث غير متوقع؟» أو «كم مرة فلتت زمام الأمور من يديك، وشعرت بأنك لا تستطيع التعامل مع كل الأشياء التي كان عليك القيام بها؟»

ثم قُيمت قدراتهم الإدراكية باستخدام الاختبارات التي تقيس الانتباه والقدرة على قمع الاستجابات التلقائية للمحفزات البصرية والمرونة المعرفية أو القدرة على التبديل بين المهام والذاكرة التسلسلية للصور التي تتطلب تذكر سلسلة متزايدة تدريجيًا من الأشياء إضافةً إلى الذاكرة العاملة وسرعة المعالجة.

قارن الباحثون هذه النتائج مع إجابات المشاركين من نواحي مختلفة لمشاعر القلق والتركيز والعدوانية من بين الاضطرابات السلوكية والعاطفية الأخرى.

أشارت النتائج إلى أن مستويات التوتر المعتدلة إلى المنخفضة مفيدة من الناحية النفسية، وقد تكون بمثابة لقاح ضد تطور أعراض الصحة العقلية.

يقول أوشري: «إن التجارب السلبية التي يمر بها معظمنا تجعل منا أفرادًا أقوياء قادرين على تحمل الصعاب. وتوجد تجارب محددة قد تساعدك على استخراج المهارات الحياتية أو تطويرها، التي ستهيئك لمواجهة تحديات المستقبل».

في المقابل، تختلف القدرة على تحمل التوتر والصعاب اختلافًا كبيرًا تبعًا للأفراد، إذ تؤثر بعض العوامل في كيفية تعامل الأفراد مع التحديات مثل: العمر والاستعدادات الجينية ووجود بيئة تحتضن الفرد عند الحاجة. ويحذر أوشري من أن التوتر المستمر الذي يعيشه الفرد قد يكون له أضرارًا جسدية وعقلية، في حين أن التوتر الجيد الذي نتحدث عنه قد يكون مفيدًا للوظائف الإدراكية.

يختم أوشري قائلًا: «يصبح التوتر فعلًا سامًا يؤذي الفرد عند بلوغه مستوى معين. وقد يكون للتوتر المزمن مثل: التوتر الناتج عن العيش بالفقر المدقع أو التعرض لسوء معاملة آثارًا جسدية ونفسية لا تُحمد عقباها، إذ إنه يؤثر في الجهاز المناعي والحالة العاطفية وصولًا إلى وظائف الدماغ، فمن المؤكد أنه ليس لكل مستويات التوتر آثارًا إيجابية».

اقرأ أيضًا:

الأعراض الجسدية للقلق وكيفية التعامل معها

التوتر و القلق ليسا مضرين دائمًا

ترجمة: سارا رياض الخضر

تدقيق: هادية أحمد زكي

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر