ما يزال الحديث عن الثقوب الدودية غالبًا في نطاق الخيال العلمي. فتارةً يُرى أبطال الروايات يسافرون بسرعة الضوء إلى وجهتهم، وتارةً أخرى يفرّون من الأخطار عبر الثقوب الدودية التي تأخذهم إلى مجرة أخرى.

ولكن لا يعني ذلك أن وجود هذه الأجسام غير ممكن. إذ تشير الدراسات إلى إمكانية وجود الثقوب الدودية في الجهة الأخرى من الثقوب السوداء.

يقود هذا البحث فريق من الباحثين البلغاريين الذين نشروا ما وجدوه في مجلة (Physical Review D). أكّد الفريق باستخدام محاكاة للنماذج أن أطياف الضوء المستقطبة المنبعثة من الثقوب السوداء والثقوب الدودية شبه متطابقة، ما يعني نظريًا أنّ أي ثقب أسود قد يكون ثغرًا لبوابة زمكانية تصل بين نقطتين بعيدتين عن بعضهما البعض في الفضاء.

لكن لنعد إلى الواقع مرة أخرى، وندرك أن إمكانية وجود الثقوب الدودية لا تعني أن توقعاتنا وتخيلاتنا عنها ستصيب. وذلك ليس بالأمر السيئ، وفقا لبريانا غرادو وايت -زميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة برانديز- في بريد إلكتروني لمجلة (Popular Mechanics).

أوضحت بريانا: «فقط لأننا لم نستخدم الثقوب الدودية لبناء آلات زمن، لا يعني ذلك أننا لم نكتسب معرفة نظرية وعملية ذات معنى من دراستها».

وضع العلماء تصنيفين رئيسيين للثقوب الدودية، وهي ثقوب دودية قابلة للعبور (جسور آينشتاين-روزين) وثقوب دودية زمكانية.

النوع الأول هو الأكثر شهرة وهو ما نتحدث عنه في مقالنا. اقترح كلّ من ألبرت آينشتاين وناثان روزين هذا النموذج عام 1935 حلًا للعديد من المعادلات في قلب نظرية آينشتاين للنسبية العامة. يعتمد هذا المفهوم على فكرة القناة الواصلة بين ثقب أسود وثقب أبيض مقابلًا له. كما نعلم أن الثقوب السوداء تبتلع كل ما حولها من مواد وطاقة، فإن الثقوب البيضاء تعمل بشكل معاكس، حيث تلفظ كل ما يخرج من الثقب الدودي بعيدًا عنها. يصل جسر أينشتاين-روزين في هذه الحالة بين نقطتين بعيدتين في الفضاء، وتمر فيه المواد باتجاه واحد من الثقوب السوداء إلى الثقوب البيضاء.

تقول بريانا: «هذه قنوات الزمكان التي تشكل ركيزة أساسية لمخيلة محبّي الخيال العلمي. إذا كانت هذه الثقوب الدودية قابلة للعبور، فسوف تسمح تقريبًا لشخص ما أن يقفز فيها ويصل إلى الجهة الأخرى -ربما في جزء بعيد من الكون- دون أن يصيبه مكروه».

مع ذلك، توجد عقبة كبيرة. فإن الإبقاء على الثقب الدودي مفتوحًا لوقت طويل يسمح بالمرور ليس بالمهمة السهلة. إذ تنهار هذه الأجسام على نفسها بفعل الجاذبية.

توجد عدة حلول مقترحة لهذه المشكلة. اعتقد العلماء سابقًا أن الحل الوحيد هو استخدام ما يسمّى «المواد الغريبة» التي تملك طاقة سلبية معاكسة لطاقة الجذب لفتح الثقوب الدودية لفترات طويلة.

وضّح جيرالد كليفر – عالم الفيزياء المخضرم – في رسالة لموقع بوبيولار ميكانكس (Popular Mechanics) أنّ إحدى الطرق الممكنة لتوليد تلك الطاقة هي باستخدام الأوتار الكونية (Cosmic Strings). يقول كليفر: «يمكن إيجاد الثقوب السوداء في الكون إذا تم توليد كثافة أو ضغط الأوتار الكونية للطاقة السلبية المتولدة في بدايات الكون السحيق مع وبعد الانفجار العظيم».

تقول أحدث وأكثر نظرية مقبولة أن الضغط السلبي الذي تولده المواد الغريبة ليس ضروريًا على الإطلاق. وأنّ الحل قد يكون في ميكانيكا الكم.

تقول غرادو وايت: «لقد تعلمنا أنّ التأثيرات الكمية المدروسة والقابلة للتحكم قد تجعل العبور ممكنًا. إذا علمنا أنه نظريًا من الممكن أن توجد الثقوب الدودية وهي موجودة فعلًا، لأننا كتبنا حلولًا للزمكان تحتويهم وهي متوافقة مع القوانين الفيزيائية التي نعرفها حاليًا».

ومع ذلك، لا يمكننا أن نجزم بحقيقة وجودها أو أننا سنعثر عليها مستقبلًا، وذلك بسبب التحديات التي تواجه تقنيات الرصد الحالية. إذا أخذنا الثقوب السوداء على سبيل المثال، فسوف نعلم أن المدة الزمنية بين التصوّر النظري للظواهر الفلكية وبين وجود دلائل صوريّة لها قد تتجاوز المئة سنة، لذا لا يجدر بنا أن نتوقف عن البحث.

تشير بريانا إلى حقيقة أنه حتى إذا استطعنا بناء ثقوب دودية حقيقية في الوقت الحالي، فإنها ستكون بمقاسات ميكروية، أي أنها لن تساعد رواد الفضاء على السفر إلى أماكن بعيدة في الكون بسرعة خاطفة. ولكن الدراسة النظرية لها هو بحث علمي بالغ الأهمية لفهم متعمق لكوننا.

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة تقترح أن الثقوب الدودية قد تحل معضلة متعلقة بالثقوب السوداء

الثقوب الدودية: جسور في نسيج الزمكان

ترجمة: نوار الشيخ

تدقيق: عثمان مرزوك

المصدر