تحتوي هذه البطاقة على قيم الثوابت الأساسية وبعض القيم الفيزيائية الأخرى، والتي تمثل نظامًا قياسيًا جديدًا
Credit: Stoughton/NIST

في سعيهم لتمهيد الطريق لتحويل نظام القياس العالمي، أعاد فريق عالمي تحديد قيم الثوابت الأربعة الأساسية للطبيعة.

تمثل القيم الجديدة آخر قطعة في أحجية إعادة تعريف نظام القياس المتري، والمعروف بالنظام العالمي للوحدات (SI).

إذا قُبل هذا التعديل من قِبل كيان عالمي في العام المقبل، فإن نظام الوحدات الجديد سيتيح لعمليات قياس أكثر حسمًا أن تتم في جميع أنحاء العالم.

إن التعديلات التي أجريت بسيطة ولن تؤثر على الحياة اليومية.

لكن وجود نظام قياس مبني بالكامل على قيم دقيقة لتلك الثوابت يعدّ دعامة أساسية للعلم والتجارة ويضمن قياسات دقيقة بشكل موحد يتناسب مع القياسات متناهية الصغر وحتى القياسات الضخمة.

طبقًا لأحدث ما توصل عليه العلماء حول العالم من قياسات، تم تحضير القيم الجديدة من قِبل فريق مهمة تحديد الثوابت الأساسية (TGFC) التابع للجنة بيانات العلوم والتكنولوجيا (CODATA)، ونشر بحث يحتوي على القيم الجديد في دورية مترولوجيا (Metrologia) العلمية.

في العشرين من أكتوبر، أرسلت اللجنة العالمية للأوزان والقياسات CIPM طلبًا يقترح استخدام القيم الجديدة وإعادة تعريف نظام القياس العالمي إلى المؤتمر العالمي للأوزان والقياس CGPM، الكيان الأساسي المسؤول عن إجراء التعديلات في نظام القياس.

وفي نوفمبر من عام 2018، سيصوت المؤتمر على استخدام النظام الجديد.

يضم المؤتمر أعضاءً من مختلف الدول، كالولايات المتحدة وعدد من موقعي اتفاقية المتر، وهي الاتفاقية التي تمت في العام 1875 والتي وحدت نظام القياس على المستوى العالمي.

في عالم القياسات، فإن وجود نظام قياس مبني على قيم الثوابت الأساسية سيحدث تغييرًا.

حتى الآن، كان الفريق يحدث قيم الثوابت كل ثلاث سنوات، ومؤخرًا في 2014، وقد أنتجوا هذا التحديث الأخير في هذا العام تحسبًا لتحديث نظام القياس العالمي.

«لن تتغير قيم هذه الثوابت بعد الآن»، قال بيتر مور (Peter Mohr)، عالم في المعهد الوطني للقياسات والتكنولوجيا NIST وعضو من فريق CODATA TGFC.

فإن قيم تلك الثوابت ستكون ثابتة، كما قال، تمامًا كما أن سرعة الضوء تعدّ قيمة ثابتة.

سيسمح هذا بدوره للعلماء بالتركيز على القياسات التي تقارن كميات فيزيائية أخرى مهمة بتلك الثوابت.

إعادة تعريف نظام القياس العالمي SI

مقترنًا بالثوابت الحالية المصدق عليها، ستعيد قيم الثوابت الجديدة تعريف القيم السبعة الأساسية في نظام القياس العالمي، ومنها الكيلوجرام (وحدة الكتلة)، والكلفن (وحدة الحرارة)، والأمبير (وحدة التيار الكهربي).

منذ العام 1889، يعرف الكيلوجرام بأسطوانة من البلاتينيوم-أيريديوم مخزنة بفرنسا، تعرف باسم النموذج العالمي للكيلوجرام، أو “Le Grand K”.

كان على العلماء من حول العالم السفر إلى فرنسا ومقارنة نسخهم من نموذج الكيلوجرام بالنموذج الأصل لتأكيد دقة القياسات في بلادهم.

في الوقت الحالي، يتم تعريف الحرارة باستخدام النقطة الثلاثية في وعائي زجاجي محكم الغلق من الماء.

النقطة الثلاثية هي درجة الحرارة التي يتواجد فيها الماء والثلج والبخار معًا في حالة اتزان.

لكن الماء في تلك الأوعية قد يحتوي على شوائب كيميائية بإمكانها تغيير درجة حرارة النقطة الثلاثية إلى قيم غير دقيقة.

ويترتب على ذلك أن قياس درجات حرارة أقل أو أعلى من النقطة الثلاثية هو بدوره أقل دقة.

قيم الثوابت الجديدة هي ثابت بولتزمان (والذي يربط الحرارة بالطاقة)، وثابت بلانك (والذي يربط الكتلة بالطاقة الكهرومغناطيسية)، ومقدار شحنة الإلكترون، وعدد أفوجادرو (القيمة التي تحدد مقدار المول من المادة).

قال مور: «لا يوجد تغييرات جذرية، وقيمة ثابت بولتزمان مماثلة للنتائج السابقة»، وأضاف: «طلب خبراء الحرارة أن يكون القياس بدقة 8 أرقام عشرية، وقد صادف أن الرقم الثامن هو 0».

وهو وضع طريف لصالح علماء القياس حيث يمكنهم استخدام سبعة أرقام عشرية فقط للتعبير عن رقم بدقة ثمانية أماكن عشرية.

قال ديفيد نيويل، رئيس الفريق في CODATA: «يوجد العديد من الطرق لقياس الحرارة، لكن التعريف الجديد سيكون مناسبًا جدًا في قياس درجات الحرارة العالية جدًا والمنخفضة جدًا والبعيدة عن النقطة الثلاثية للماء».

تغير ثابت بلانك بمقدار 15 جزء من المليار من قيمته السابقة، اعتمادًا على البيانات الجديدة التي تم تجميعها منذ 2014.

تم تحديد قيمة ثابت بلانك باستخدام طريقتين تجريبيتين، تعرفان باسم “ميزان كيبيل” و “طريقة أفوجادرو”.

وقد توافقت جميع القياسات التي استخدمت لتحديد القيمة الجديدة لثابت بلانك مع المعايير العالمية المتفق عليها بخصوص الدقة والتماشي مع بعضها البعض.

يمكن استخدام ثابت بلانك لتحديد قيمة الكيلوجرام، واستخدام ثابت أساسي لتحديد الكتلة سيحل مشاكل عديدة، وفقًا لنيويل.

يجب أن يكون قياس الكتلة من الذرة وحتى ناطحة السحاب بمقياس موحد. يقول نيويل: «في الأوزان الضئيلة نعتمد على نوع من الفيزياء، بينما نعتمد على نوع آخر في الأوزان الكبيرة».

لكن ثابت بلانك سيوفر وسيلة موحدة لتحديد الكتلة في كل تلك الحالات.

بغض النظر عن الأسلوب المعملي المستخدم في القياس.

قال مور: «لا يهم أي الطرق تستخدم، فالثابت هو الثابت».

يكمن الحلم في استخدام ثابت بلانك لقياس الكتلة بنفس الطريقة التي يستخدم فيها ثابت سرعة الضوء لقياس المسافة.

ففي نظام القياس العالمي الحالي، تستخدم سرعة الضوء في تعريف المتر، وحدة الطول. يقول مور: «نستخدم الضوء لقياس المسافة من القمر إلى الأرض وكذلك لقياس المسافة بين ذرات السيليكون».

ينوي العلماء أن تكون النقلة إلى هذا النظام القياسي الجديدة غير محسوسة بالنسبة لكل الناس في العالم.

يقول مور: «الأمر كله لن يكون له أي تأثير على الشخص العادي».

لكن نظام قياسي مبني بالكامل على الثوابت من المتوقع أن يغير علم القياسات.

لن نعتمد على نموذج الكيلوجرام في فرنسا بعد الآن لتحديد قيمة الكيلوجرام.

عوضًا عن ذلك ستكون كتلته أقل بقليل أو أعلى بقليل من قيمة الكيلوجرام، بمقدار حوالي 10 أجزاء من المليار.

سيتغير مقدار الفولت كذلك، حيث سيستخدم ثابت بلانك في إعادة تعريفه أيضًا في نظام القياس.

سيكون مقدار الفولت المبني بالكامل على الثوابت أقل بمقدار ضئيل جدًا.

حوالي 100 جزء من المليار أقل من القيمة المعتد بها حاليًا للفولت منذ عام 1990. لذا سيتعين على معامل القياس الكبرى إعادة ضبط قياساتهم لفروق الجهد عالية الدقة.

قال مور: «سيلاحظ الناس الذين يعملون على قياسات بتلك الدقة هذا التغيير».

لذلك فإن التاريخ المقترح لاستخدام القيم الجديدة لنظام القياس هو العشرون من مايو 2019، في اليوم العالمي للقياس، لإتاحة الفرصة لعلماء القياس لتعديل قيمهم.

قال مور: «إنها نقلة أوسع على المستوى الفلسفي.

حين صارت سرعة الضوء رقمًا ثابتًا، توقف العلماء عن قياس سرعة الضوء، وركزوا على تحديد مقدار المتر.

كذلك الأمر في حالة ثابت بلانك. لن يتعين عليك قياس قيمة ثابت بلانك بعد الآن.

ستتمكن من تحديد مقادير الكتلة والكهربية بشكل أكثر دقة».


  • ترجمة: أحمد اليماني
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر