“الحس العام”
الكتاب الذي هزّ أمريكا والعالم


الإحساس العام أو المنطق السليم أو الشعور العام، كلّها ترجمات أو مرادفات للكتاب الشهير Common Sense الذي كتبه الفيلسوف والكاتب الأمريكي توماس بين، وأحدث من خلاله هزّةً عميقةً في الوجدان الأمريكي والعالمي.

توماس بين Thomas Paine 1737 – 1809 هو فيلسوف وكاتب بريطاني أمريكي ولد في بريطانيا وسافر إلى أمريكا حيث شارك هناك في ثورة المستعمرات الأمريكية على المملكة البريطانية من خلال كتب ومنشورات عديدة أهمها كتابه الأشهر “الإحساس العام” والذي نحن بصدده هنا، ولكن توماس بين لم يكن كاتبًا فقط ولم يكن مناضلاً بالكلمة فحسب، بل شارك في القتال بشكلٍ فعلي وأصبح جنديًا في الجيوش الأمريكية المُحاربة من أجل الاستقلال، بالإضافة لذلك فله العديد من الكتب الأخرى ذائعة الصيت وأهمّها:

– حقوق الإنسان rights of man 1791 ودافع فيه عن الثورة الفرنسية وبشّر بأفكارها.

– عصر العقل the age of reason 1794 والذي امتدح فيه مبادئ العلمانية وهاجم الدين المسيحي المنتشر في أوروبا.

 

يتألف كتاب الإحساس العام من 48 صفحة فقط وهو مقسم إلى: مقدمة وأربعة فصول وملحق.

الفصل الأول يبحث في نشأة الحكومة وغايتها بوجه عام، مع تعليقات موجزة على الدستور الإنجليزي تُبيِّنُ أخطاءه وثغراته، والفصل الثاني يهاجم فيه الملكية والخلافة الوراثية ويبرز مساوئها، وفي الفصل الثالث يُقدّم أفكارًا حول الحالة الأمريكية الراهنة ووضع المستعمرات الأمريكية في ظل الاحتلال البريطاني.

 

وأما الفصل الرابع والأخير فيُخصّصه للحديث عن قدرات أمريكا وإمكانياتها الهائلة إذا ما تحرّرت من النير البريطاني واتحدت المستعمرات كلها في دولة واحدة وفق نظام فيدرالي أو جمهوري.

أمَّا الملحق فهو ردٌّ من توماس بين على خطاب الملك البريطاني الذي وجّهه للمستعمرات البريطانية، وفي ختامه يُقدم أفكارًا يعتبرها نواةً لميثاقٍ أمريكيٍّ جديد.

لقد أثّر هذا الكتاب بشكلٍ كبير على آباء الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسسيها كجورج واشنطن وتوماس جيفرسون وعلى الشعب الأمريكي بشكل عام وشكّل علامةً فارقة في تاريخ النضال ضد الظلم والقمع والاحتلال والعبودية حول العالم بأسره.

وتميّز هذا الكتاب الصغير بأنّه جمع بين اللغة الحماسية والخطاب البلاغي المثير للعواطف من جهة وبين الأسلوب العقلاني الذي يعتمد على الأدلة المنطقية والحوار الفلسفي العلمي من جهة أخرى.

 

وخلال صفحاته الـ 48 يدعو توماس بين إلى الثورة الأمريكية ضد المملكة البريطانية ويطالب باستقلال كامل للمستعمرات الأمريكية وبإنشاء اتحاد فيدرالي قوي بينها، وهاجم الملكية وانتقال السلطة بشكل موروث، وتوقع أن الثورة الأمريكية سوف تمثل بداية عهد جديد في التاريخ البشري وستغيّر وجه العالم، وكان من عظمة تأثير هذا الكتاب أنّ قادة الجيش الأمريكي كانوا يقرءونه لجنودهم أثناء المعارك ليثيروا حماستهم والروح القومية لديهم!!!

وفي إحصاءٍ تم إجراؤه عام 2006 احتل كتاب الإحساس العام المرتبة الأولى كأكثر كتاب مبيعًا في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية على الإطلاق.

في مقدمة الكتاب يقول توماس بين «إن قضية أمريكا هي إلى حدٍ بعيد قضية البشرية جمعاء، لأن الكثير من الظروف الموجودة في أمريكا اليوم لا يمكن وصفها بأنها محلية فقط، بل هي عالمية بامتياز».

ثم يهاجم بريطانيا والنظام الملكي: «حكومات السلطة المطلقة هي أكبر عار على الطبيعة البشرية، وإذا تفحصنا الأجزاء المكوّنة للدستور الإنجليزي فسنجد أنها مكونة من بقايا الحكومة الملكية الاستبدادية ممثلةً في شخصية الملك وبقايا الحكومة الإستقراطية الاستبدادية ممثلة في النبلاء وكلا المكونين بصفتهما وراثيين لا يساهمان في حرية الدولة بقيد أنملة، وإن تحيّز الإنجليز لحكومتهم برئاسة الملك واللوردات والنبلاء نابع من الفخر الوطني أكثر مما هو نابع من العقل والمنطق».

 

ثم يرفع وتيرة الخطاب أكثر: «لقد ظهرت الحكومات الملكية في العالم لأول مرة على يد الوثنيين ومنهم أخذ بنو إسرائيل هذه العادة، وكان هذا هو أكثر اختراعات الشيطان نجاحًا في ترويج عبادة الأوثان، ولقد أضفنا إلى مصيبة الملكية مصيبة الخلافة الوراثية، وباعتبار الأولى إذلالاً وتحقيراً لأنفسنا فالثانية إهانة وعبء ثقيل نفرضه على الأجيال القادمة».

ويبدأ بالخطاب العقلاني: «لقد سمعت البعض يؤكد طالما أن أمريكا قد ازدهرت تحت مظلة ارتباطها بالمملكة البريطانية فإن هذا الارتباط ضروري من أجل رخائها المستقبلي، ولا شيء يمكن أن يكون أكثر خداعًا وتدليسًا من هذه الحجة، فهي تشبه قول القائل بأن الطفل الذي بدأ حياته معتمدًا على الحليب لا يمكن له أن يأكل اللحم، صحيحٌ أن بريطانيا دافعت عنا، ولكنها فعلت ذلك من أجل مصالحها وكانت ستفعل الأمر ذاته مع تركيا من أجل الدافع نفسه، دافع السلطة والتجارة».

وفي النهاية يوجه كلمات عاطفية وحماسية: «كما لا يستطيع المحب العاشق أن يغفر لمغتصب محبوبته، لا تستطيع هذه القارة أن تصفح عن جرائم القتل التي ارتكبتها بريطانيا.

أنتم يا من تحبون البشرية.. أنتم يا من تعارضون الطغيان والطغاة.. لقد اجتاح الطغيان كل بقعة من بقاع العالم القديم وطوردت الحرية في كل بقعة من بقاع الأرض، فاستقبلوا تلك الجموع الهاربة ووفِّروا لها ملاذًا آمنًا في أمريكا».


إعداد: د . محمد الأبرص
تدقيق: جعفر الجزيري

المصادر:

المصدر
المصدر

Wood (2002) The American Revolution

المنطق السليم . توماس بين . ترجمة محمد إبراهيم الجندي . مراجعة حسام بيومي محمود . مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة . الطبعة الأولى 2012