الفيدرالية نوع من الحكومات تُقسَّم فيها السلطة بين الحكومة الوطنية ومجموعات إدارية أصغر، إذ تحاول الفيدرالية إيجاد توازن بين حكومة مركزية -كالملكية مثلًا- تدير فيها إدارة مركزية السلطة التنفيذية، واتحادًا كونفدراليًا تتجمع معظم السلطات فيه في يد هيئات أصغر؛ ولايات مثلًا.

بتأثير من الحزب الفيدرالي، أقام مؤسسو دستور الولايات المتحدة حكومة وطنية قوية لحل المشكلات الناجمة عن بنود الاتحاد الكونفدرالي، التي منحت الولايات سلطة كبيرة جدًا. وبصفة خاصة، حين يحدد الدستور طيفًا واسعًا من المهام المتعددة التي تضطلع بها الحكومة الوطنية، فإنه يؤكد على السلطات والمهام التي تقع خارج نفوذ الولايات، إذ تقتصر السلطات الممنوحة للولايات على تحديد مؤهلات الناخبين ووضع آليات الانتخابات.

صُحِح هذا الخلل الواضح في الصلاحيات من طريق التعديل العاشر الذي يحفظ للولايات جميع الصلاحيات التي لم تُمنح تحديدًا للحكومة الوطنية أو التي رُفِض منحها للولايات تحديدًا. ولأن اللغة الغامضة -إلى حد ما- في التعديل العاشر تفتح الباب أمام تأويلات وتفسيرات مختلفة على نطاق واسع، فليس مستغربًا أن تكون أنواع مختلفة من الفيدرالية قد تطورت على مر السنين.

الفيدرالية المزدوجة:

الفيدرالية المزدوجة نظام تعمل فيه الحكومة الوطنية وحكومة الولايات كل على حدة، إذ تُقسَّم السلطة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات بطريقة تحفظ التوازن بين الطرفين. أراد معظم واضعي الدستور أن يُسمَح للويلات بممارسة سلطات محدودة تُمنَح لها دون أي تدخل تقريبًا من الحكومة الفيدرالية.

يشير علماء السياسة غالبًا إلى الفيدرالية المزدوجة «بفيدرالية الكعكة متعددة الطبقات»، بسبب تقسيمها الواضح للسلطة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات. نظرًا إلى أن أمريكا كانت أول ميدان تطبيقي للفيدرالية، فإن الفيدرالية المزدوجة ظهرت إثر التبرم والاستياء من قوانين الاتحاد الكونفدرالي، فبعد أن صادق عليها عام 1781، أقامت هذه القوانين حكومة فيدرالية ضعيفة جدًا تقتصر صلاحياتها على إعلان الحرب وعقد المعاهدات الأجنبية والاحتفاظ بجيش. وكانت عدم قدرة الحكومة الفيدرالية على جمع الأموال المطلوبة لدفع ديون الأمة الناتجة عن الثورة الأمريكية، إضافةً إلى تمرد شايس عام 1786 ما دفع الفيدراليين إلى إيجاد حلول والنجاح في إقناع مندوبي المؤتمر الدستوري عام 1787 على إقامة دستور يضمن إنشاء حكومة مركزية قوية.

ظلت الفيدرالية المزدوجة مهيمنة على تأسيس الحكومات حتى حلت الفيدرالية التعاونية مكانها في عقد الثلاثينيات من القرن المنصرم. في الفيدرالية التعاونية تعمل حكومات الولايات والحكومة الفيدرالية معًا على وضع السياسة العامة وإدارتها.

الفيدرالية التعاونية:

الفيدرالية التعاونية هي نوع من العلاقات ما بين الحكومات التي تعترف بالحاجة إلى الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، إذ تتشاركان السلطة بالتساوي لحل المشكلات المشتركة والخطيرة والمهمة غالبًا حلًا تعاونيًا. نتيجة هذا النموذج، فإن اختصاصات سلطات الحكومتين تبقى غامضة. بدلًا من أن تجد الحكومتان نفسيهما في مواقف متعارضة كما كان الحال غالبًا في ظل الفيدرالية المزدوجة، إذ إن الهيئات البيروقراطية على مستوى الولايات وعلى المستوى الوطني عادة ما تتعاونان في تنفيذ البرامج الحكومية.

على الرغم من أن مصطلح «الفيدرالية التعاونية» لم يُستخدَم حتى ثلاثينيات القرن الفائت، فإن مفهومه الأساسي للتعاون الفيدرالي بين الولايات يعود تاريخه إلى إدارة الرئيس توماس جيفرسون. خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر استُخدمَت امتيازات الأراضي الممنوحة من الحكومة الفيدرالية للمساعدة في تنفيذ عدد من مشاريع حكومة الولايات كالتعليم الجامعي ومزايا المحاربين القدامى والبنية التحتية لوسائل النقل. وفي ظل قانون الأراضي المستنقعية لأعوام 1849 و1850 و1860 -مثلًا- تنازلت الحكومة الفيدرالية عن ملايين الفدانات من الأراضي الرطبة المملوكة للاتحاد لصالح 15 ولاية داخلية وساحلية. جففت الولايات هذه الأراضي وباعتها واستخدمت الأرباح لتمويل مشاريع التحكم بالفيضانات. وعلى نحو مشابه، فإن قانون موريل عام 1862 منح هبات الأراضي لصالح إقامة كليات في الولايات.

توسعت الفيدرالية التعاونية في ثلاثينيات القرن البائد مع النجاح الساحق الذي حققته البرامج التعاونية بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، في ظل رئاسة فرانكلين روزفلت ومبادرته (التي أطلق عليها «الصفقة الجديدة») في إخراج الأمة من الكساد العظيم.

ظل نموذج الفيدرالية التعاونية مُتبَعًا خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وحتى ستينيات القرن السابق عندما أعلنت «مبادرات المجتمع العظيم»، التي أطلقتها إدارة ليندون بي جونسون حرب أمريكا على الفقر.

خلال ستينيات القرن العشرين وأوائل سبعينياته، زادت المطالب بالاعتراف بحقوق معينة للأفراد وحمايتها في عصر الفيدرالية التعاونية، لأن الحكومة الوطنية ناقشت قضايا مثل الإسكان العادل والتعليم وحقوق التصويت والصحة العقلية والسلامة الوظيفية والجودة البيئية وحقوق الأفراد ذوي الإعاقة.

ونظرًا إلى أن الحكومة الفيدرالية وضعت سياسات جديدة لمواجهة هذه القضايا، فقد تطلعت إلى الولايات لتنفيذ مجموعة واسعة من الأوامر الفيدرالية الملزِمة. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، فإن الأوامر الفيدرالية تطلبت مشاركة الولايات وأصبحت أكثر إلزامية. في الوقت الحالي، تفرض الحكومة الفيدرالية جدولًا زمنيًا لتنفيذ المشاريع والقوانين وتهدد بسحب التمويل الفيدرالي في حال فشل الولايات في الوفاء بالتزاماتها أو تنفيذ المشاريع والقوانين ضمن أطرها الزمنية.

يجادل العديد من علماء السياسة بأن الاتحاد الأوروبي يتطور إلى نظام من الفيدرالية التعاونية. فعلى خطى الولايات المتحدة، تعمل بلدان الاتحاد الأوروبي كنظام فيدرالي من دول مستقلة تقف على مسافة واحدة من القانونين الوطني والدولي.

منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي عام 1958، تراجعت الحصرية التشريعية والدستورية في دوله الأعضاء. واليوم يعمل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء في جو تتشارك فيه السلطات والصلاحيات. وبسبب هذه التراجع في الحصرية التشريعية، فإن السياسات التشريعية للاتحاد الأوروبي ودوله تكمل بعضها بعضًا على نحو متزايد لحل المشكلات الاجتماعية؛ السمة الرئيسية للفيدرالية التعاونية.

الفيدرالية الجديدة:

تشير الفيدرالية الجديدة إلى عودة تدريجية -أطلقها الرئيس رونالد ريغن من طريق ثورة نقل الصلاحيات في ثمانينيات القرن الفائت- للصلاحيات والمهام إلى الولايات. يقوم فحوى الفدرالية الجديدة على استعادة الولايات بعضًا من السلطة والاستقلال التي فقدتهما أواخر ثلاثينيات القرن العشرين نتيجة برامج «الصفقة الجديدة» التي أطلقتها إدارة الرئيس روزفلت.

وعلى نحو مشابه للفيدرالية التعاونية، فإن الفيدرالية الجديدة تتضمن حكومة فيدرالية تقدم الأموال بمنح جماعية للولايات لحل قضايا اجتماعية، كالإسكان الميسر وفرض القوانين والصحة العامة والتنمية المجتمعية، في حين تشرف الحكومة الفيدرالية على المداخيل، ويُسمح للولايات بحرية تصرف أكبر حول الطريقة التي تُنفَذ فيها البرامج، مقارنةً بالفيدرالية التعاونية.

يرى المحافظون الماليون كالرئيس ريغن وخليفته جورج دبليو بوش بأن فيدرالية نقل الصلاحيات الجديدة تمثل طريقة لخفض الإنفاق الحكومي، من طريق تحويل حمل كبير من كاهل مسؤولية إدارة المشاريع الفيدرالية (وتكلفتها) إلى الولايات.

في أواخر ثمانينيات القرن العشرين وأواسط تسعينياته، منحت ثورة نقل الصلاحيات الولايات سلطة كبيرة جدًا لتعيد صياغة قوانينها المتعلقة ببرامج الرعايا الاجتماعية، ولكن يجادل بعض علماء الاقتصاد وعلماء الاجتماع بأن المغزى الرئيسي وراء ثورة نقل الصلاحيات هو سحب واسع النطاق للدعم الفيدرالي الموجه للرعاية الاجتماعية بصرف النظر عن الصورة الإيجابية التي صُوِّر بها. وبحرمان الولايات من الأموال المناظرة، فقد أُجبرَت على خفض الإنفاق، غالبًا بحرمان سكانها المعتمدين على المساعدة.

اقرأ أيضًا:

ما الفقر؟ وما أنواعه؟

ما الشعبوية؟ وما أنواعها؟

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: نور عباس

مراجعة: حسين جرود

المصدر