إذا كنت تظن أن العلم لا يعني لك الكثير، ففكر مجددًا لأن العلم يؤثر علينا جميعًا، في كل يوم من العام منذ لحظة ولادتنا، طوال النهار والليل.

ساعة المنبه الرقمية خاصتك، تقرير الطقس، الإسفلت الذي تقود سيارتك عليه، الحافلة التي تستقلها، قرارك بتناول البطاطا المطهوة بدلًا من تلك المقلية، هاتفك الخليوي، المضادات الحيوية التي تعالج حلقك المتورّم، المياء النظيفة التي تأتي من صنبور المياه خاصتك، والكثير الكثير غير ذلك.

كل ذلك تم تقديمه لك بواسطة العلم، فإن العالم المعاصر لم يكن ليكون معاصرًا مثلًا لولا الثقافة والتكنولوجيا التي مكننا العلم من الحصول عليها.

ولتوضيح مقدار العمق الذي يتداخل العلم فيه بحياتنا اليومية، سنقوم بتخيّل يومٍ دون التقدم العلمي.

في البداية فقط، دعونا نتخيل يومًا دون العلم المعاصر:

  • لا كهرباء:

من دراسات بينجامين فرانكلن للكهرباء الساكنة والبرق في القرن الثامن عشر، إلى بطارية أليساندرو فولتا الأولى، وحتى الاكتشاف المفتاحي للعلاقة بين الكهرباء والمغناطيسية.

قام العلم ببناء فهمنا للكهرباء، التي تقوم اليوم بحمل أصواتنا عبر خطوط الهاتف، تجلب التسلية إلى التلفاز في المنزل، وتبقي الأضواء مشتعلة.

  • فقدان البلاستيك من حياتنا:

تم تصنيع أول بلاستيك اصطناعي في بدايات القرن العشرين، ومنذ ذلك الوقت، طورت الكيمياء تشكيلة متنوعة واسعة من البلاستيك المناسب لوظائف مختلفة ومتعددة.

  • انعدام القدرة على ممارسة الزراعة المعاصرة:

لقد أجرى العلم نقلةً نوعية في الطريقة التي نأكل من خلالها اليوم.

ففي عام 1940 بدأ علماء البيولوجيا بتطوير أنواع عالية الإنتاجية من الذُرة والقمح والأرز، والتي حين يتم تزويدها بسماد ومبيدات حشرية معينة مطورة من قِبَل كيميائيين مختصين تزيد من كمية الطعام الممكن حصاده من الحقل الواحد، الأمر الذي كان بمثابة بداية الثورة الخضراء.

أدَّت هذه التقنيات العلمية إلى تغييراتٍ صادمةٍ وكبيرةٍ في المجال الزراعي، الأمر الذي سبب بدوره زيادة كمية الطعام المتوفر لإطعام العالم بشكلٍ هائل بالتزامن مع تحقيق قفزة نوعية في البنية الاقتصادية للممارسات الزراعية.

  • لا طب معاصر:

في أواخر القرن الثامن عشر، أثبت إدوارد جينر بشكلٍ مقنعٍ أن اللقاحات تعمل.

وفي القرن التاسع عشر، أسس العلماء والأطباء لنظرية تنص على أن الأمراض سببها الجراثيم. وفي عشرينيات القرن الماضي اكتشف بيولوجيٌّ أول مضادٍّ حيوي.

ومن إبادة الجدري مرورًا بتحقيق منع حدوث سوء التغذية، حتى المعالجة الناجحة لأصناف عدوى كانت سابقًا مميتة، كان ولا يزال تأثير الطب المعاصر على الصحة العالمية قويًّا للغاية.

في الواقع، لولا العلم فإن عددًا هائلًا من الناس الذين يعيشون الآن حياة طبيعية كانوا ليكونوا قد ماتوا بأمراض يسهل معالجتها الآن.

يمكن للمعرفة العلمية تحسين جودة الحياة على مستويات عديدة مختلفة.

يقوم العلم بإعلام السياسة العامة والقرارات الشخصية عن أمور عديدة منها الطاقة والزراعة والصحة والمواصلات والاتصالات والدفاع والاقتصاد والرفاه والتسلية والاستكشاف.

يستحيل تقريبًا المبالغة في عدِّ النواحي والمجالات في حياتنا المعاصرة التي تتعلق وتتأثر بالمعرفة العلمية.

وسنناقش هنا بضعة أمثلة عن ذلك.

تغذية التكنولوجيا

تغذي العلوم الأساسية التقدمات في التكنولوجيا، وهذه التكنولوجيا تؤثر في حياتنا بطرقٍ مختلفةٍ وبشكل يومي.

فبفضل العلم لدينا أجهزة معقدة كالسيارات، آلات الأشعة السينية، الحواسيب، والهواتف.

إلا أن التكنولوجيا التي تسبب بها العلم لا تقتصر فقط على الأجهزة والآلات الحديثة والعالية التقنية والتطور، فمفهوم التكنولوجيا يتضمن أي نوع من الابتكارات المصممة، مثل لقاح الرشح، التقنية والأدوات التي تمكننا من إجراء عمليات القلب المفتوح، أو نظام جديد لتدوير المحاصيل، كل ذلك هو تكنولوجيا.

حتى أشياء بسيطة يمكن أن نعتبرها أمور عابرة ونهمل قيمتها مع أنها في الواقع معتمدة على تقنيات علمية تراكمية، مثل: أكياس البلاستيك التي تغلف وجباتنا، أو زيت الكانولا المعدل جينيًا والذي نستخدمه في قلي المواد الغذائية، الحبر في قلمك ذات رأس الكرة، وظرف من الإيبوبروفين.

كل ذلك وأكثر هنا بفضل العلم.

رغم أن تأثير التكنولوجيا على حياتنا غالبًا ما يكون إيجابيًا (حيث أنه يصعب الجدال على فوائد أن يكون الإنسان قادرًا على إصلاح عظام مكسورة فيه)، إلا أنه أحيانًا في بعض الحالات يصعب وصف التأثير بالإيجابي عند أخذ استعمال تقنية ما بعين الاعتبار.

ولكن رغم ذلك، من المهم أن نتذكر أن العلم يبني المعرفة حول العالم، إلا أن الناس هم الذين يقررون كيف يستخدمون هذه المعرفة وبأي شكل وهدف.

على سبيل المثال؛ ساعدنا العلم على فهم أن معظم كتلة الذرة مركزة بنواتها الكثيفة، والتي تخزن بدورها كميات هائلة من الطاقة التي يمكن تحريرها بتجزيء وفصل النواة.

هذه المعلومة المعرفية محايدة بحد ذاتها، إلا أن الناس اختارو تطبيقها والاستفادة منها بأشكال وطرق عديدة مختلفة:

⦁ الطاقة:

إن فهمنا لهذه البنية الذرية الأساسية تم استخدامه كأساس محطات الطاقة النووية التي لها بحد ذاتها فوائد كبيرة للمجتمع.

⦁ الطب:

هذا الفهم تم استخدامه أيضًا في العديد من التطبيقات الطبية المعاصرة، كالعلاج الإشعاعي للسرطان وأجهزة التصوير الطبية.

⦁ الدفاع:

خلال الحرب العالمية الثانية، استدل العلماء والسياسيين، عن طريق هذه المعرفة، على أن الطاقة النووية يمكن استخدامها في الأسلحة.

وبمجرد اتخاذ القرار السياسي بالسعي للأسلحة النووية، عمل العلماء على تطوير معرفة علمية أخرى من شأنها السماح ببناء تكنولوجيا كهذه.

إذن فالمعرفة العلمية تتيح بناء تكنولوجيا جديدة، وهذه التكنولوجيا بدورها تؤثّر على المجتمع على أصعدة عديدة مختلفة. فمثلًا، إن ظهور الأسلحة النووية أثّر بكيفية انتهاء الحرب العالمية الثانية، كما أثّر بما تبع هذه الحرب، بالإضافة إلى تغيير موازين القوى بين الأمم حتى يومنا هذا.